sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: هيه والله وإن شاء الله

26 سبتمبر 2018
26 سبتمبر 2018

شريفة بنت علي التوبية -

من ضمن أحلامي الكبيرة حينما كنت صغيرة أن أكون أماً، كانت الأمومة حلمي الأول، وكنت أحلم بعائلة كبيرة وأطفال كُثر يحيطون بي وينادونني أمي، فلا شيء في الحياة بالنسبة لي أعظم من هذا الحلم ولا دور أجمل من هذا الدور، وحينما تحقق الحلم وأصبحت أماً لأبناء زينّوا الدنيا بعيني وأثثّوا الغرف الفارغة بقلبي، اكتشفت أن الأمر ليس سهلاً كما توقعت، فلا يكفي أن أكون أماً أو تكون أباً لتنجح في مهمتك وتصبح مربياً حقيقياً وصالحاً، فأنت تصنع إنسانا، وصناعة الإنسان أصعب ما يمكن أن يفعله الإنسان، لذلك كنت بحاجة لأن أربي نفسي قبل تربيتي لأبنائي من منطلق أن تربية النفس قبل تربية الولد، وكانت أمي مرجعي الأول الذي أعود إليه في كل صغيرة وكبيرة، ولكن مع متغيرات الحياة اكتشفت أن لأبنائي حياتهم ولي حياتي ولهم زمنهم ولي زمني، نحن كنا يُطلب منا فنستجيب، ونُؤمر فنطيع، لا نقول سوى (هيه والله وإن شاء الله)، ولكن أطفالنا اليوم لا يشبهوننا، نفاجأ بمستوى الحوار الذي يحاوروننا إياه، ونوع الأسئلة التي قد لا نجد إجابة لها، يقفون أمامنا بثقة العارف فيغيرون بعض مفاهيمنا في الحياة ونظرتنا لبعض جوانبها، عالمهم أوسع من تلك المساحة الضيقة التي احتوت طفولتنا البسيطة والتي كان أجمل ما فيها دمية صغيرة أو كتاب.

أذكر أن ابنتي سألتني يوماً عن أكثر شيء ممتع في طفولتي، فأخبرتها أنه انتظاري لمجلة ماجد كل أسبوع، شَعَرت ابنتي بالصدمة لبساطة المتعة أمام ضجرهم رغم كل ما يملكون من وسائل الترفيه، فطفولتهم لم تعد بسيطة، وهم يتنقلون من خلال أجهزتهم الذكية لعوالم وحيوات غريبة عنا، لقد أصبح لدينا شركاء وهميون وافتراضيون في تربية أبنائنا؛ لذلك قبل أن ننجب علينا أن نفكر هل نحن حقاً قادرون على أن نكون أباء صالحين، وهل نحن قادرون على أن نغرس في قلوبهم تلك المحبة التي زرعتها أمهاتنا في قلوبنا، وتلك القيم التي زرعها أباؤنا في نفوسنا، فالتحدي أن نربي أبناءنا بما يناسب زمانهم وحياتهم؛ لذلك لا أريد أن يقول لي أبنائي (هيه والله وإن شاء الله) كما كنت أفعل، فأنا أرحب باختلافهم وأستمتع بنقاشاتهم وحواراتهم الذكية، وبعد أن حققت حلمي الأول، أصبح لي حلم آخر هو أن يكون أبنائي سليمي العقل والعاطفة قادرين على التعايش بسلام في (عالم مليء بالحمقى) وقد ضاق بحماقة من هم عليه.