khaseeb
khaseeb
أعمدة

نبض المجتمع: فلسفة حياتية

26 سبتمبر 2018
26 سبتمبر 2018

خصيب عبدالله القريني -

أكثر شيء يمكن أن يسبب لك إشكالية كبيرة في فهمه عند بعض الناس هو ذلك التناقض الحاد بين الأقوال والأفعال، فما يقوله شخص وما يؤمن به من مبادئ ومثل عليا تتبخر عند أول موقف يترجم فيه هذه الأقوال ألى أفعال، والواقع يثبت في كثير من الأحيان صدق هذا الاستنتاج، ذلك أننا لا نجد كثير عناء في التحدث والتغني بالفلسفة الحياتية التي نريد أن نطبقها أو يفترض أن نطبقها أصلا، بل وننظر إلى ذلك بشكل تفصيلي، حيث الكلام سهل ويمكننا أن نأتي بالكلمات والمعاني التي نغدقها على المتلقي بكل يسر وسهولة، ولكن عندما نريد أن نترجم هذه الفلسفة إلى واقع أو أن نكون في الموقف الذي يتيح لنا بالفعل أن نكون على نهج تلك الأسس فإننا نتعثر في غالب الأحيان، والسؤال هنا لماذا نتعامل مع الناس في بعض الأحيان بهذه الصورة؟.

في اعتقادي الشخصي أن مرد ذلك نابع من عدم مرورنا وتجربتنا للفلسفة الحياتية التي نتبناها، حيث نكون تلك الفلسفة من خلال نظرتنا لتجارب الآخرين ونقدنا الدائم لهم دون أي معرفة بظروفهم، أو بمعنى آخر مدى إدراك كنه إمكانياتهم في مواجهة ظروف الحياة، وبالتالي نبني قناعاتنا على ما نسمعه ونقدره نحن، دون أن نوازن الأمر بين ما يحدث للآخرين وما سيحدث لنا.

يحدثني أحدهم بان صديقا له وهو شخص عزيز عليه تفاجأ بصده دون أن يبدي ذلك الصديق أي سبب مقنع لصده، ونظرا لتقديره لهذا الشخص فانه لم يترك الأمر يمر هكذا بل حاول بكل الطرق أن يصل إليه وأن يعرف سبب هذا الأمر ولكن محاولاته باءت بالفشل، ثم أجده يكيل التهم لذلك الصديق ويظهر نفسه على أنه شخص صريح وواقعي وأنه لا يمكن أن يقوم بما قام به هذا الصديق الذي أنكر العشرة على حد قوله، وإذا بهذه المبادئ التي ينادي بها صاحبنا تقف على المحك ويتكرر المشهد نفسه ولكن أن يقوم هو بنفسه بالدور الذي قام به صديقه ويتنكر لأحد أصدقائه الآخرين ولا يرد على اتصالاته أو محاولته لمعرفة سبب صده وتتبخر تلك الأسس والفلسفة الحياتية في غمضة عين وعند أول اختبار حقيقي لها، فتصبح أقواله تعاكس أفعاله، ذلك انه تبنى تلك المبادئ دون أن يجعل نفسه في نفس موقف ذلك الشخص وحاول أن يوجد مبررات واقعية لفعلته، فقد تكون لديه ظروف خاصة لا تمكنه من الرد، أو انه يمر بوضع صحي سيئ أو لأي ظرف آخر، لكن أن تتعاطى مع الأمر وكأنه مشكلة ليس لها حل أو خارج نطاق المألوف فهنا الإشكالية بحد ذاتها.

إن قدرتنا على إيجاد نوع من التوافق بين ما نقوله وما نفعله هو في الواقع نوع من الاتزان النفسي الذي يجعل شخصيتنا سوية بكل تجلياتها، وهنالك في الواقع فرق بين هذا التوافق وما يمكن أن نغيره من مبادئ نتحدث ونؤمن بها لأننا وجدناها خاطئة، فليس شرطا ما نؤمن به يجب أن نطبقه، ولكن أن ندافع عنه باستماتة ثم ننكص راجعين فيه، فذلك نوع من النفاق الذي يدمر العلاقات ويقتل التواصل.