الملف السياسي

الاتفاق الروسي - التركي .. لا يبدد كل المخاطر

24 سبتمبر 2018
24 سبتمبر 2018

أشرف ابوالهول

من الطبيعي أن ترحب دمشق بالاتفاق والذي جاء بعد أن لوحت مع حليفتها موسكو بشن هجوم واسع على إدلب، رغم كونها إحدى مناطق خفض التصعيد برعاية روسية إيرانية تركية و أرسلت دمشق بالفعل تعزيزات عسكرية الى محيط إدلب تزامناً مع تصعيدها في الأيام العشرة الأولى من الشهر الحالي وتيرة قصفها بمشاركة طائرات روسية، من المؤكد أن الإعلان المفاجئ للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان منتصف الأسبوع الماضي عن توصلهما لاتفاق على إقامة «منطقة منزوعة السلاح» في منطقة إدلب السورية تفصل مناطق سيطرة الفصائل المعارضة عن مناطق سيطرة قوات النظام قد جاء بمثابة مفاجأة للجميع بعد أن تصوروا باستحالة التوصل لمثل هذا الاتفاق في ظل تعقد الأوضاع في إدلب وتضارب رغبات القوى الإقليمية والدولية المتورطة في الشأن السوري علاوة على صعوبة السيطرة على قرار الفصائل المتحاربة على أرض إدلب خصوصا وسوريا عموما .

ورغم أن الإعلان عن اتفاق إدلب لم ينل ما يستحقه من اهتمام إعلامي بسبب قيام الدفاعات الجوية السورية بإسقاط طائرة عسكرية روسية من طراز ايل 20 ومقتل جميع ركابها الـ 15 في اللاذقية بالخطأ في نفس يوم إعلان الاتفاق واتهام موسكو لإسرائيل بأنها السبب في هذا الخطأ بقيام طائرات حربية إسرائيلية مغيرة علي أهداف سوريا بالاحتماء بالطائرة الروسية إلا أن هذه الحادثة جعلت كافة الأطراف المتورطة في الشأن السوري تمتنع عن رفض أو انتقاد اتفاق إدلب خوفا من غضب الدب الروسي الجريح بسبب حادثة الطائرة .

ويتضمن الاتفاق، وفق ما أعلنه بوتين، إنشاء منطقة «منزوعة السلاح» في إدلب بحلول 15 أكتوبر القادم ، على طول خط التماس بين القوات الحكومية والفصائل بعرض يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، على أن يتم «انسحاب المقاتلين المتشددين منها بينهم جبهة النصرة» التي باتت تعرف بهيئة تحرير الشام بعد فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة. وتمتد هذه المنطقة على طول الحدود الإدارية لإدلب مع محافظات حلب (شمال) وحماة (وسط) واللاذقية غرب في مهلة أقصاها العاشر من الشهر المقبل، يترتب على «جميع فصائل المعارضة» إخلاء هذه المنطقة من السلاح الثقيل، على أن «تسيطر وحدات من الجيش التركي والشرطة العسكرية الروسية» عليها.

وفيما يشير الاتفاق الى مرحلتين، تحدثت صحيفة «الوطن» السورية القريبة من السلطات في عددها يوم الثلاثاء الماضي عن مرحلة ثالثة تنص على «دخول مؤسسات الدولة السورية لاستلام مهامها قبل نهاية العام مما جعل المحللين يرجحون أن تكون البنود التي تمّ الإعلان عنها في سوتشي عقب لقاء بوتين وأردوغان جزءاً من مضمون الاتفاق وليس كله .. وكما كان متوقعا فقد رحبت كل من دمشق وطهران اللتين غابتا عن قمة سوتشي، بمضمون الاتفاق. وقال مصدر في الخارجية السورية إنه «حصيلة مشاورات مكثفة» مع روسيا، في وقت أشاد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بما وصفه بـ«الدبلوماسية المسؤولة».

ومن الطبيعي أن ترحب دمشق بالاتفاق والذي جاء بعد أن لوحت مع حليفتها موسكو بشن هجوم واسع على إدلب، رغم كونها إحدى مناطق خفض التصعيد برعاية روسية إيرانية تركية و أرسلت دمشق بالفعل تعزيزات عسكرية الى محيط إدلب تزامناً مع تصعيدها في الأيام العشرة الأولى من الشهر الحالي وتيرة قصفها بمشاركة طائرات روسية، ومن ناحيته رحب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله بالاتفاق الروسي التركي على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خط التماس بين الجيش والمعارضة السوريين في محافظة إدلب. ووصف نصر الله في خطاب أدلى به الاتفاق بأنه «جيد ومعقول ومرهون بالنتائج»، مضيفا أن ما جرى في إدلب هو خطوة على طريق الحل السياسي في سوريا، لكنه مرهون بالتنفيذ الدقيق للاتفاق المبرم ...

أما إسرائيل اللاعب الأساسي في الملف السوري فقد التزمت الصمت رسميا كما تعودت ولكن موقع «واللا» الإخباري الإسرائيلي المقرب من حكومة بنيامين نتنياهو فقد علق على الاتفاق التركي الروسي بأن تركيا وروسيا هما اللاعبان الأقوى على الساحة السورية في الوقت الحالي، ولا يوجد سبب يحول دون نجاحهما في إنهاء الأزمة التي هددت التحالف بينهما. وقال الموقع إن دور الولايات المتحدة في سوريا أصبح هامشيا ويتركز فقط على صد داعش وتحقيق الهدوء في شمال غربي سوريا، وأضاف أن الأسد وإيران لا يستطيعان الاعتراض على اتفاق بوتين - أردوغان، لأن الأسد لا يملك خيارا آخر سوى تأييد النهج الذي تسير عليه أنقرة وموسكو .. وأوضح أنه بدون دعم الطيران الروسي لقوات النظام التي تساندها طائرات الأسد القديمة والميليشيات الإيرانية، لا توجد إمكانية للسيطرة على مدينة إدلب التي يحتشد فيها عشرات الآلاف من المقاتلين الأقوياء المتمرسين.

وأشار الموقع إلى أن الرئيس التركي أردوغان «سوف يحاول الاستفادة من الوقت المخصص لإقامة المنطقة العازلة حتى الـ 15 من أكتوبر المقبل، لإضعاف التنظيمات التي قد تحبط الاتفاق مع بوتين وتركيز جهوده، وربما بضوء الأخضر من روسيا، على مكافحة ما يسميه الخطر الأكبر، أي الميليشيات الكردية المنتشرة على الحدود التركية»..

ومن ناحيته رحّب المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا،بالاتفاق الروسي-التركي حول محافظة إدلب، وأعرب عن شكره للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، لما أسماه «التزاماً شخصياً» تجاه منطقة إدلب. وأضاف دي ميستورا، إن اتفاق إدلب بمثابة «تطور مهم ونأمل أن ينفذ سريعًا مع احترام القانون الدولي الإنساني ونحن راضون عن التهدئة في إدلب». ورأى أنه «بعد التوصل إلى اتفاق لا يوجد سبب لعدم إحراز تقدم على المسار السياسي».وأكد دي ميستورا أنه عقد اجتماعات بشأن الأزمة السورية خلال الأيام الماضية، وأشار إلى أن اجتماع بوتين وأردوغان في سوتشي، دعم مفاوضات جنيف، وخصوصاً ما يتعلق بمسائل صياغة دستور جديد لسوريا. وقال إن الشهر المقبل «سيكون حاسماً بالنسبة للأزمة». وشدد المبعوث الدولي على ضرورة عدم التدخل في مهمته، خصوصاً في مسألة اختيار «قوائم لجنة الدستور، والنظام الداخلي». وأضاف «هناك حاجة لأن يتحاور السوريون بين بعضهم البعض ولابد من إجراءات بناء ثقة».

ورغم الترحيب المعلن حتى الآن بالاتفاق إلا أن ذلك لا يعني تجنيب إدلب الخيار العسكري نهائيا ، فاحتمالات التصعيد ما زالت واردة عند حدوث أي خلل في تنفيذ البنود ، خاصة فيما يتعلق بهيئة تحرير الشام ( النصرة سابقا ) والذي يكاد الاتفاق أن يقوم بتهميشها وإخراجها من المعادلة. وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب. كما تسيطر فصائل أخرى معارضة على مناطق عدة وتتواجد قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي.

والحقيقة أن «الخطر الخارجي على إدلب ليس بقدر قوة الخطر الداخلي» ولذا فإن الاتراك لديهم مهمة شبه مستحيلة وهي كيفية السيطرة على هيئة تحرير الشام ومحاربة تنظيم «حراس الدين» وهو مجموعة متشددة مرتبطة بتنظيم القاعدة وربما لهذا السبب أبدى وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو استعداد بلاده لإرسال «المزيد من التعزيزات العسكرية» الى إدلب. وذكرت صحيفة «صباح» المقربة من الحكومة التركية أن «كتيبة من خمسة آلاف جندي مستعدة للتدخل في إدلب إذا لزم الأمر لحماية المدنيين»».

ويأتي تدخل الرئيس أردوغان لدى الرئيس بوتين للتوصل الى مثل هذا الاتفاق في إطار المصالح الاستراتيجية لأنقرة ، فمن جهة تدعم أنقرة التي تعارض منذ بداية الحرب الرئيس بشار الأسد جزءا من المعارضة السورية خاصة هيئة تحرير الشام. وإلى جانب القلق التركي من تدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى الأراضي التركية المتاخمة لإدلب وهذا ما أوضحه مصطفى ينروغلو من حزب العدالة والتنمية قبل لقاء أردوغان وبوتين ، فأكثر من 10.000 شخص كانوا سيُجبرون على الهرب، كما أعلن عضو قيادة حزب العدالة والتنمية مضيفا ان « إدلب محافظة متاخمة للحدود مع تركيا، وهي آخر منطقة من مناطق خفض التوتر، ولذلك فإنه من الطبيعي أن يتحرك الناس منها نحو تركيا في حالة الحرب، وهو أمر كان سيجلب معه كوارث إضافية كبيرة».