أفكار وآراء

الحوكمة كأداة تنموية

24 سبتمبر 2018
24 سبتمبر 2018

حامد بن سلطان السمار البوسعيدي -

تشير الدراسات والتقارير العالمية إلى أن هناك علاقة بين ضعف الحوكمة وعدم قدرة الدول على جذب الاستثمارات وحدوث الانهيارات المالية واستمرار الفساد وفشل الخصخصة وضعف حقوق الملكية والكثير من تحديات التنمية الأخرى؛ لذلك أصبحت الحوكمة أمرا ملحا ومطلبا أساسيا وحاجة ماسة في بيئة المال والأعمال، وفي اقتصادات الدول تعد الحوكمة بمثابة أداة تنموية شاملة تلعب دورا في غاية الأهمية في نمو واستدامة الدول.

وفي أكتوبر عام 2016 تم عقد المؤتمر الوزاري حول الحوكمة والتنافسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تونس العاصمة، وصدر عن المؤتمر «إعلان تونس» الذي تضمن مبادرة منظمة التعاون لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحوكمة والاستثمار من أجل التنمية وهي أداة ثمينة لدفع أجندة إصلاحات في المنطقة قدما بناء على المعايير والمقاييس الدولية وأفضل الممارسات. كذلك أعلن عن تأكيد أهمية التنافسية والحوكمة العامة كأداتين رئيسيتين لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، وتم كذلك الإشادة باتفاقية دوفيل، كندا، بشأن الحوكمة الاقتصادية التي تم التوصل إليها تحت رئاسة ألمانيا لمجموعة الدول السبع، وهي تضع إطار عمل للأهداف الرئيسية بشأن السياسات بهدف دعم الإدارة الرشيدة (الحوكمة) والمناخ الصحي للأعمال.

إن ممارسات الحوكمة في تطور مستمر وتناسب جميع القطاعات والمؤسسات، وهي بما تشمله من مبادئ وسياسات وركائز وقيم تعتبر حجر الزاوية لنجاح رؤية وخطط الدول؛ ولذلك فهي تحتاج إلى إرادة سياسية من أجل تبنيها وجهة معنية وتطبيقها بالشكل الأمثل وتفعيل الدور الرقابي، وإنفاذها معززة بكادر مؤهل ذي كفاءة عالية وخبرة واسعة وأيضا يحتاج تطبيق الحوكمة إلى تكاتف جميع أطياف المجتمع ومؤسساته، وقامت الكثير من دول العالم بتبني ممارسات الحوكمة في أهدافها الاستراتيجية وخطط التنمية لديها، والسلطنة ماضية في نفس هذا النهج الصحيح كون الحوكمة إحدى المكونات والركائز الرئيسية لرؤية عمان 2040 التي يتم الإعداد لها حاليا، ويتمثل ذلك في لجنة الحوكمة والأداء المؤسسي، وهي إحدى اللجان الثلاث الرئيسية، والمتمعن في مشروع الرؤية بحد ذاته سوف يدرك أنه تم اتباع ممارسات الحوكمة في تشكيل وآلية عمل الرؤية من حيث وجود اللجان وتشكيلها وتوزيع الاختصاصات والأدوار واستقلاليتها في نهج عملها، والمشاركة المجتمعية بمختلف شرائحها، والشفافية في الطرح والوضوح والمصداقية في العمل.

قد يعتقد بعض أصحاب الأعمال والجهات المالكة للمؤسسات أن الحوكمة مجرد قواعد وإجراءات إدارية تنظم وتحسن من بيئة العمل داخل المؤسسات والأطراف المتعاملة معها من الناحية الإدارية لا أكثر، وأنه لا علاقة لها بنمو عملياتها وزيادة أرباحها وباستمراريتها، لكن الدراسات والتقارير العالمية تشير إلى عكس ذلك وفي حقيقة الأمر تعدت الحوكمة هذا الدور فهي أكثر من ذلك حيث تعتبر أداة ناجعة لمكافحة الفساد من خلال ممارساتها الرقابية، والمحاسبة والشفافية، وتلعب دورا مهما في بناء قطاع فعال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة قادر على خلق وظائف، وجذب الاستثمارات وتحسين التنافسية وإدارة المخاطر وتمكين الدول والمؤسسات من الحصول على التمويل والقروض.

ظهرت ممارسات الحوكمة منذ سنين عدة بسبب انهيار كبرى الشركات في العالم وتنامت أهميتها وضرورة وجودها بالتحديد بعد انهيار أسواق المال نهاية عام 1997 وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجاءت كإحدى الأدوات الإصلاحية للحفاظ على هذه الشركات وتعزيز مكانتها مما ساهم في ازدهار وتطور هذه الأسواق التي تعتبر المحرك والقلب النابض لاقتصاد البلد.

تعتبر الحوكمة ركيزة أساسية لتغيير العلاقة بين مجتمع الأعمال والدولة من خلال قيمها وهي الشفافية والمساءلة والمعاملة العادلة ومن شأنها تعزيز ثقة القطاع الخاص في الدولة وكذلك ثقة المستثمرين والمواطنين في الخدمات المقدمة من القطاع العام.

كلنا يعلم أن نجاح التنمية في أي بلد يعتمد في المقام الأول على العنصر البشري المؤهل وذوي الخبرات والكفاءات والمهارات القيادية العالية المبدعة، وهذا ما أكدته مبادئ حوكمة الشركات الستة التي أتت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لحوكمة الشركات؛ حيث اختص إحداها بمجلس الإدارة وضرورة تأسيس مجلس كفء يتصف بالمهنية العالية وبالنزاهة والمصداقية ويتحلى بالاستقلالية والمسؤولية وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية كما أنه معني في المقام الأول بجميع المبادئ الخمسة الأخرى.

إن للحوكمة أثرا كبيرا وفوائد جمة على الاقتصاد علاوة على ما أشرت إليه، وذلك إذا ما طبقت بشكل أمثل، ومن هذه الفوائد أنها تجلب الاستقرار إلى الأسواق، تعزز من التنافسية للشركات والاقتصادات، وتعزز من أداء المؤسسات وترفع من إمكانية درء المخاطر وتعزز من الإقراض وتشجع إصلاح المشروعات المملوكة للدولة وعلى الخصخصة الناجحة، كما أنها تشجع الاستثمار وتخفض من تكلفة رأس المال لكن هذه الفوائد لن تتحقق ما لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة ومدروسة من ضمنها:

• غرس مفهوم وثقافة الحوكمة في شتى القطاعات كالتعليم والصحة والقضاء وتقنية المعلومات وفي مؤسسات الدولة المختلفة وغيرها.

• نشر الوعي لدى العاملين في مؤسسات الدولة وفي القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المهني والأفراد بأهمية الحوكمة في تنظيم وتحسين بيئة عملها وفي نموها وزيادة أرباحها واستمراريتها.

• البدء في إعداد سياسات وممارسات الحوكمة وإصدارها كمواثيق وأدلة ملزمة.

• إعداد أنظمة القياس والمؤشرات لتحديد العائد ولتطوير الأداء، حتى تكون هذه المؤشرات المحلية مرجعا داعما للمؤشرات العالمية من أجل مكانة الدولة بين اقتصادات الدول الأخرى.

• عقد البرامج والورش التدريبية المتخصصة والمرخصة وإعداد الكادر الجيد الكفء من مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية.

• تكليف جهة معينة متخصصة في الحوكمة للقيام بالدور المطلوب.