أفكار وآراء

الاقتصاد .. عمق المفهوم وترابط المتغيرات

24 سبتمبر 2018
24 سبتمبر 2018

يوسف بن حمد البلوشي -

[email protected] -

هناك تلازم بين الأفراد والشأن الاقتصادي الذي يعد أحد مفردات الحياة المعاصرة، حيث يتكون الاقتصاد من مجموعة كبيرة من المتغيرات المترابطة التي تتفاعل مع بعضها البعض، وقد أفضى هذا التأثير والاعتماد المتبادل إلى التأثير على سلوكيات الأفراد ومسارات التنمية في الدول.

يهتم علم الاقتصاد بصفة أساسية بإنتاج وتوزيع عائد السلع والخدمات، ويبحث في الاستخدامات المتعددة للموارد البشرية والطبيعية المتاحة، وتكمن صعوبة علم الاقتصاد في معرفة التداخل بين المتغيرات الاقتصادية المختلفة: المؤثر والمتأثر، ودرجة التأثير. والاقتصاد له متغيرات كلية تقاس من خلال أربعة حسابات متشابكة هي النقود والبنوك، والمالية العامة، والحسابات القومية، وميزان المدفوعات، وكل منها يتضمن عشرات المتغيرات والبنود تتعلق بكل وحدة مثل سعر الفائدة والواردات، وهناك العديد من السياسات المتداخلة نقدية ومالية وتجارية وضريبية واستثمارية وصناعية وعمالية وغيرها.

ويتضح أن الاقتصاد ينقسم إلى فرعين: الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي. الجزئي يهتم بدراسة سلوك وحدة واحدة من الوحدات الاقتصادية العديدة في المجتمع، وهي الشركات والمنشآت المنتجة المختلفة والمستهلكة، وتحليل سلوكه وتأثره بالعرض والطلب والمرونة، والسعر، وعناصر الإنتاج وحجم الإنتاج وتكاليف الإنتاج وغيرها. أما الاقتصاد الكلي فهو يهتم بالمتغيرات الاقتصادية الكلية التي تؤثر على جميع أفراد المجتمع، ومنه خرج ما يعرف بالنظرية الاقتصادية الكلية التي تتناول الكيفية التي يعمل بها الاقتصاد في مجموعة، حيث يتم التركيز فيه على موضوعات مثل البحث عن عمل، التضخم، الاستهلاك، الاستثمار، الادخار المحلي، السياسات المالية والائتمانية وغيرها.

ومن جانب آخر يتكون الاقتصاد من قطاعين: الأول هو القطاع (الحقيقي) الذي من خلاله يتم اتخاذ القرارات الاقتصادية المتعلقة بالإنتاج والاستهلاك واستيراد وتصدير السلع والخدمات. أما القطاع الثاني فهو القطاع المالي الذي من خلاله يتم اتخاذ القرارات الاقتصادية المتعلقة بشراء وبيع الأصول المالية. وتستخدم السياسة النقدية كوسيلة من خلالها يمكن للقطاع المالي أن يؤثر على القطاع الحقيقي، ويتفاعل في الاقتصاد العديد من اللاعبين الذين يمثلون العديد من القطاعات (الحكومي، الخاص، الأهلي، المشترك)، وهو ما يجعل من الضروري تنظيم العلاقة بينهم بشكل ملائم.

ويعتمد الأداء الاقتصادي على منظومه متكاملة، أول مكوناتها السياسات الاقتصادية التي تشمل السياسات المالية والنقدية والاستثمارية إلى جانب سياسات سوق العمل، والمكون الثاني مرتبط بالمؤسسات والقوانين «الحوكمة»، وبعد ذلك تأتي أدوار الفاعلين المحليين والأبعاد الإقليمية. وفي القرارات الاقتصادية كافة، فإن الأثر على كل تلك العناصر يتداخل، مما يعني أن السياسة الاقتصادية تقتضي معرفة وقدرة علمية على التحليل والتفريق بين المتغيرات كافة.

وعلينا أن ندرك أن التنمية الاقتصادية عملية في غاية التعقيد والحساسية وتحقيقها يتطلب التعامل بنظرة كلية شاملة. ولا يخفى أن مواجهة تحديات التنمية تتطلب بذل جهود حثيثة واستخدام آليات متعددة. ومن المهم التأكيد على أن ما قد يؤثر في اقتصاد دولة ما إيجاباً لا يؤثر بالضرورة في عمان بنفس الدرجة حيث إن لنا خصوصيتنا.

إن فهم وتفكيك عناصر السياسة الاقتصادية وقياس أثرها وإدراك التعقيدات المرتبطة بها من الأسس الواجب مراعاتها في إدارة الدول. وكما يقال: «قرار الطبيب له تأثير على مريض واحد، أما القرار الاقتصادي فله تأثير على كل أفراد المجتمع».

ولا يخفى أن السلطنة تمر بمنعطف يتطلب تحقيق قفزة تنموية نوعية، حجر الزاوية فيها هو اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بما يتيح التعامل مع التحديات واقتناص الفرص المتاحة، وتحقيق ذلك يحتاج إلى إدراك عميق للمتغيرات المختلفة وبذل جهود من قِبل الجهات المعنية بالتنفيذ التي قد تواجه تحديات بسبب سرعة تجدد الأولويات.