أفكار وآراء

تكنولوجيا تقنية البلوك شين وضرورة التقنين

24 سبتمبر 2018
24 سبتمبر 2018

د.عبد القادر ورسمه غالب -

[email protected] -

البلوكشين «بلوك شين»، أو سلسلة الكتل، هي ثورة تقنية حقيقية بدأت أولا في عالم التداول المالي. ولكن هذه التقنية الآن تتجاوز ذلك لتكون تكنولوجيا تقنية شاملة يمكن الاعتماد عليها لإنشاء نظام متكامل للعديد من المعاملات اليومية التي نحتاج إليها كاستخدامنا المتواصل مثلا للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. 

إن تكنولوجيا تقنية البلوكشين، في نظرنا، ابتكار تقني مؤثر ويستحق الاهتمام منا، فما هذه التكنولوجيا؟ إن تكنولوجيا البلوكشين «بلوك شين» تمثل تكنولوجيا برمجية جديدة كليا، ظهرت حديثا في خضم التطور التقني والأفكار الابداعية الجريئة. وتقوم هذه التكنولوجيا علي نظام الند للند «رأس برأس»، أي أنه يتم إجراء المعاملات بين مستخدمي هذه التكنولوجيا مباشرة بدون وسيط. وهي تكنولوجيا غير مركزية ولا يوجد من يتحكم في العمليات التي تتم من خلالها. وخير مثال، عدم وجود أي هيئات حكومية، حتي الآن، للسيطرة علي مجريات الأمور بهذه التكنولوجيا الحديثة. وفي هذا نشير لنشاط العملات الافتراضية والكريبتوكرانسي والبيتكوين وغيرها من مئات الآلاف من العملات الرقمية التي يجري تداولها بعيدا من دون رقابة البنوك المركزية في الغالبية العظمي لدول العالم.

وهنا تظهر عدة نقاط ومسائل قانونية معقدة تحتاج للتشريعات الحديثة التي تتناول مدى قانونية هذه المعاملات الأثيرية في الفضاء السيبراني العريض، وما يترتب على استخدام التقنية، ومدى حقوق الأطراف المتعاملة، وغيرها من النقاط القانونية والإجرائية المهمة، وهنا معضلة؛ لأن التقنية الحديثة دائما تضع القانون في «محك» خطير الأبعاد لأنها سريعة ومتسارعة الخطى، وهي تنمو نظير أفكار إبداعية فورية تسبق كل آليات المجتمع السائدة والمتعارف عليها.

إن تكنولوجيا البلوكشين، عمليا، تتم عبر عملية تشفيريه «سايفر»، وهذا يعني أن البيانات التي يتم تناقلها أو الأموال التي يتم تداولها عبر هذه التكنولوجيا الحديثة تكون مجهولة (غير معروفة) المصدر. وللتوضيح مثلا إذا قامت شركة أو شخص بإرسال عملات افتراضية لجهة أخري عبر تقنية البلوكشين، لا يمكن معرفة الجهات التي قامت بهذه العملية؛ لأن الأطراف من مرسل ومستقبل في نظام البلوك شين يظهرون في شكل رقمي أو « كود». إن التعامل مع هذه التقنية الحديثة يتطلب استخدام أنظمة حديثة «السوفت وير»، وفي نفس الوقت فانه أيضا يتطلب وجود أنواع معينة من الأجهزة «الهارد وير» ذات المواصفات العالية الجودة والفائقة السرعة. وكذلك، لا بد من الاستعداد الفني لاستخدام هذه التقنية، كما يجب علي الجميع التجهيز والاستعداد القانوني عبر إصدار التشريعات التي تتعامل مع هذه التقنية التي يلجأ لها الكثيرون انطلاقا مما يحدث حولهم عبر الأثير الذي لا يعرف الحدود..

ما دعاني لتناول هذا الموضوع المهم أن الكثير من الأطراف والجهات تعتقد جازمة بأن تكنولوجيا البلوكشين تنحصر فقط في تداول العملات الرقمية الافتراضية. نعم، ومن دون شك فإن البلوكشين ساعد في التوسع في استحداث العملات الرقمية الافتراضية حتي وصلت إلى مئات الآلاف من العملات. ولكن نقول: إنه من الواضح تماما أن هذه التقنية والثورة الحديثة مفتوحة ومتشعبة الأبعاد، وبالتالي فإنها تتجاوز الحصر في استخدامها في العملات الرقمية الافتراضية وإمكانية استخدامها في مجالات لا حصر لها، إذا عرفنا كيفية التطبيق والتنفيذ السليم. ولذا، فان نظام البلوكشين يمكن استخدامه بلا حدود، وهناك من يرى أن البلوكشين يمكن تطبيقه كنظام بديل أو مواز لفكرة الإنترنت بشكل عام.

إن أنظمة البلوك شين، كما ذكرنا، تمثل نظاما لامركزيا فليس هناك شخص أو مؤسسة يمتلكها. وحفظ حقوق الأشخاص في امتلاكهم عملات افتراضية مثلا يتحدد من خلال تسجيل المعاملات علي مئات الآلاف من الحواسيب حول العالم. والمستخدم هنا هو مجرد «كود» رقمي علي النظام ويمكن للشخص الآخر المستخدم للنظام أن يعرف أن الكود «أ» قام بعملية تحويل للكود «ب». وهذه العملية غير قابلة للتلاعب لأنها محفوظة في سلسلة الكتل في الآلاف من الأجهزة. وأي شخص يمتلك بيانات الدخول الخاصة بالكود (س) مثلا فإنه يعتبر مالكا لهذا الكود بشهادة الآلاف من الحواسيب حول العالم. وهذه الميكانيكية التقنية هي التي تحدد الفارق بين تكنولوجيا البلوكشين الجديدة وغيرها من الأنظمة الأخرى التقليدية.

عبر عمليات البلوكشين، يمكن تطوير العلاج والخدمات الصحية لتوفر البيانات الطبية، وتحويل الفلوس والتعاقد والاقتراض بعيدا عن البنوك، والتعامل في بيع الأسهم والسندات بعيدا عن الأسواق المالية، وتحديث عمل الشركات، وتطوير عملياتها الداخلية والخارجية عبر هيكلة البلوكشين، وهذا سيجعل الشركات النشطة في هذا المجال تصل للصدارة والتوسع، الاتفاق على إبرام مختلف أنواع العقود، وشراء المستلزمات نظير توفر المعلومات والبيانات الموثوقة عن مكان البضائع وتاريخ إنتاجها وصلاحيتها وكمياتها وغيره، وهكذا يمكن الاستفادة الشخصية والمؤسسية من هذه التقنية التي أصبحت متوفرة لحد كبير.

ونخلص إلى أن الاستخدام الحالي لتقنية البلوكشين، ما هو إلا رأس الجليد «آيس بيرق»؛ لأن التقنية التكنولوجية واسعة بلا حدود، وما زالت كامنة تحت البحر. وهذه التقنية قادمة بسرعة لأن هناك من يبدع في سبر أغوارها، وهي واقع بلا محال وستغطي كل أركان العالم «شئنا أو أبينا». ولذا، فلننفض رؤوسنا من الرمال ونبدأ في مواجهة القادم المجهول الأبعاد. ومن أهم الأسلحة المطلوبة، ضمن غيرها، سن القوانين والتشريعات ولنجعل سنونها حادة لقضم الغث الظاهر وترك المفيد لإحداث التطور الطبيعي في حياتنا التي أصبحت «حياة تقنية» عبر كبس الأزرار أمامنا. ولنبدأ من الآن لجعل هذه الحياة الجديدة مفيدة لنا ولكل المجتمع.