أفكار وآراء

الأيدي العاملة الوافدة ومخالفة قانون العمل

22 سبتمبر 2018
22 سبتمبر 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

بالرغم من تراجع عدد الأيدي العاملة الوافدة في القطاع الخاص العماني إلى أقل من 1.8 مليون عامل في الآونة الأخيرة مقابل 2.1 مليون عامل وافد خلال السنتين الماضيتين، إلا أن الذين يتم توقيفهم نتيجة لمخالفتهم لقانون العمل يتطلب موضوعهم الوقوف عليه، وإلقاء مزيد من الضوء على هذه القضية. ووفقا لبيانات التقرير السنوي لوزارة القوى العاملة لعام 2017 فقد شهد العام الماضي انخفاضا في العدد الإجمالي لقوى العاملة الوافدة بالقطاع الخاص بمقدار 17169 عاملا وعاملة حيث تراجعت أعدادهم من 1.942 مليون عامل عام 2016 إلى 1.924 مليون عامل عام 2017، حيث تصل نسبة القوى العاملة الوافدة العاملة في الأعمال التجارية 88.3%، فيما تبلغ نسبتها في الخدمات الخاصة 11.7%. كما يفيد التقرير بأن عدد القوى العاملة التي تم استقدامها عام 2017 بلغ 365971 عاملا وعاملة، فيما بلغ عدد القوى المغادرة منها خلال العام نفسه 368253 عاملا وعاملة وفي بيانات شرطة عمان العمانية.

ووفقا للأرقام الشهرية الصادرة عن وزارة القوى العاملة، فقد تم توقيف 27837 عاملا وافدا مخالفا في العام الماضي2017 معظمهم من القارة الآسيوية. وقد تصدرت محافظة مسقط جميع المحافظات الأخرى في عدد العمال الوافدين المخالفين والمنتهكين للقوانين الذين تم إيقافهم العام الماضي وبواقع 8923 عاملا، تلتها محافظة شمال الباطنة بعدد 6918 عاملا وافدا، فيما جاءت محافظة ظفار في المرتبة الثالثة بواقع 3017 عاملا وافدا، في حين سجلت جنوب الباطنة 1798 من العمال الوافدين المخالفين، ثم بقية المحافظات الأخرى.

ورغم وجود العديد من الجنسيات الأجنبية التي تعمل في السلطنة، إلا أن غالبية العمال الوافدين المخالفين والمنتهكين لقانون العمل هم من مواطني الجنسية البنغالية حيث بلغ عددهم في العام الماضي 20557 عاملا وبنسبة 73.8% من إجمالي عدد المخالفين، يليهم الجنسية الباكستانية بعدد 3285 عاملا مخالفا وبنسبة 11.8%، ثم تأتي بعدها الجنسية الهندية المخالفة حيث بلغ عددهم 1955 عاملا وافدا وبنسبة 7%، ثم بقية الجنسيات الوافدة الأخرى التي بلغ عددها 2040 عاملا مخالفا وبنسبة 7.4% من إجمالي الأيدي العاملة. كما تشير البيانات السنوية الى أن الجنسيات الثلاث مجتمعة تستحوذ على نسبة 93.3% من العدد الإجمالي للقوى العاملة بفئة الأعمال التجارية في حين يتوزع الباقي منهم والبالغة نسبتهم 6.7% على باقي الجنسيات.

ومن هذا المنطلق تنتج الكثير من المخالفات لتلك الجنسيات نتيجة لهروب بعض الأيدي العاملة الوافدة من أرباب عملها، أو بقائها في البلاد على تأشيرات سياحية لفترات طويلة، أو قيامها بالعمل بصورة غير قانونية بمجرد انتهاء صلاحية تأشيرات الإقامة، حيث يعمل بعضهم في القطاع التجاري وآخرون في القطاع المنزلي، ولا يستثنى من ذلك الأيدي العاملة النسائية أيضا، في حين أن غالبية المخالفين هم من الرجال. فهناك اليوم عدد كبير من الأيدي العاملة الوافدة تعمل في مجالات البناء والتشييد، وتجارة التجزئة، وفي مجال التصنيع والخدمات الغذائية، بالإضافة إلى عمل عدد من النساء في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. ويتم إيقاف هؤلاء الوافدين المخالفين إما بصورة مباشرة عند التفتيش والرقابة على أوضاعها في المؤسسات والشركات نتيجة لهروب بعضهم من العمل، بجانب إيقافهم ضمن الحملات التي تقوم بها الوزارة المعنية بين فترة وأخرى على الأحياء ووسط المراكز والمؤسسات التجارية، فيما يقوم بعضهم بتسليم أنفسهم طوعا لمغادرة البلاد، حيث تتم تسوية أحوالهم مع أرباب عملهم بعدما يتم مراجعة سجلاتهم إن كان هناك عامل أجنبي مطلوب من قبل السلطات القضائية لارتكابه جرائم خلال فترة الهرب. كما تقوم الوزارة المعنية أحيانا بالإعلان عن فترة عفو استثنائية ليتمكن هؤلاء الأشخاص من تسليم أنفسهم طواعية بغرض ترحليهم إلى دولهم. وجميع هذه الإجراءات تتم بوضع خطط بين الوزارات والهيئات المعنية وشرطة عمان السلطانية. كما تقوم الوزارة المعنية بحملات توعية موجهة للوافدين من خلال مؤسساتهم كالأندية الاجتماعية لهم تنصحهم فيها بضرورة الالتزام بقوانين الدولة، واتباع قانون العمل في عمان، وبأن تكون تأشيرة العمل سارية لديهم وعدم البقاء على التأشيرة السياحية، وضرورة الحصول على التصاريح اللازمة للبقاء في البلاد دون خرق القوانين.

إن قدوم الأيدي العاملة الوافدة إلى المنطقة عموما يحصل بسبب الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة في تلك الدول أحيانا، أو بغرض تحسين مستوى المعيشة لهم. والسلطنة تعتبر إحدى الدول المستهدفة من قبل الأيدي العاملة الوافدة من مختلف الجنسيات لما تتمتع به من استقرار وأمن ونمو اقتصادي، الأمر الذي أدى الى أن تصل نسبة القوى العاملة الوافدة إلى حوالي 45% من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 4.5 مليون نسمة خلال السنة الماضية. كما أن قانون العمل العماني واضح بهذا الشان، وبالأمور التي تهم رب العمل والعامل، حيث يتطلب عقد العمل بأن يتعهد العامل بمقتضاه بأن يعمل لمصلحة صاحب عمل وتحت إدارته وإشرافه لقاء الأجر المطلوب، على أن يمر بفترة الاختبار، وهي المدة التي تختبر خلالها صلاحية العامل وتمكّن صاحب العمل من الحكم عليه سواء من الناحية الفنية أو الخلقية، وتمكّن العامل من الإلمام بظروف العمل. فالقانون يحظر على الوافد الالتحاق بأي عمل بالسلطنة قبل الحصول على بطاقة عمل حيث يشترط لمنح هذه البطاقة بأن يكون العامل من ذوي الكفاءة المهنية أو المهارة الفنية أو المؤهلات التي تحتاج إليها البلاد، وأن يكون قد رخص لصاحب العمل باستقدام العامل، وأن يكون العامل قد دخل البلاد بطريقة مشـروعة، ومستوفياً للشروط المنصوص عليها في قانون إقامة الأجانب، بجانب أن يكون العامل لائقاً من الناحية الصحية وخالياً من الأمراض المعدية ومن الأمراض المزمنة التي تحددها وزارة الصحة، وغيرها من الشروط الأخرى.

كما يحظر القانون على صاحب العمل بأن يترك أي عامل من العمال الوافدين ممن رخص له بتشغيلهم أن يعمل لدى غير مؤسسته أو شركته، وأن لا يقوم بتشغيل أي عامل وافد يعمل لدى غيره أو مقيم بالسلطنة بطريقة غير مشروعة، أي يحظر عليه العمل إلا لدى صاحب العمل نفسه من خلال العقد الذي يبرم بين صاحب العمل والمرخص له، بحيث يكون العقد مكتوباً، وأن يتضمن نوع العمل وفئات وأجور حسب وظيفة أو مهنة كل عامل، وإلزام المرخص له بإعادة العامل إلى الجهة التي استقدم منها إذا ثبت أنه لا تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في العقد.

إن السلطنة حريصة على محافظة الحقوق العمالية وفق قوانين العمل العماني بحيث لا تسمح بحدوث أي انتهاكات ضد الأيدي العاملة الوافدة وكرامتهم، حيث تم تحديد ساعات العمل لهم، وبأن لا تكون المهمة لهم عملا قسريا أو تؤدي إلى الانتهاكات الجسدية والنفسية أو حصول انتهاكات تتعلق بالأجور أوغياب الراحة أو مصادرة وثائقهم، أو منعهم من السفر أو حبسهم أو تقييد حرية اتصالاتهم. فقانون العمل العُماني أعطى القوى العاملة الوافدة حقها الكامل وكفل لها الحماية التامة. وإذا كانت هناك أية مشاكل مرتبطة بهذه العمالة فإنها مرتبطة بنمو الأعمال التجارية التي تتراجع أحيانا بسبب الأوضاع الاقتصادية للدول، الأمر الذي يؤدي إلى تسريح عدد منها وإرجاعها إلى دولها، فيما يتيح قانون العمل للنقابات العمالية حرية ممارسة أنشطتها في حالة حدوث تلك المشاكل. وقد شهدت السنوات الأخيرة تزايد الوعي العمالي بالبلاد وتتم متابعة أية قضايا تتعلق بانتهاكات الأيدي العاملة الوطنية والوافدة على حد سواء من قبل المؤسسات المعنية.

[email protected]