إشراقات

دورها في تهذيب الأخلاق

20 سبتمبر 2018
20 سبتمبر 2018

حمود بن عامر الصوافي -

«الصلاة ليس عادة يفعلها المرء صباح مساء بل هي موجهة نحو الخير والصلاح وحسن الخلق والأخلاق فهي انعكاس لسوك المرء وأخلاقه لذلك إن لم تعرف صلاتك ومدى رضا ربك عنها من خلال أدائك لها فانظر إلى خلقك في تعاملاتك وحديثك مع الناس، ونصحك لإخوانك وتقديمك للخير وإحسانك للآخرين لتدرك صحة صلاتك لأن الصلاة هي انعكاس لكل خير».

الصلاة صلة بين العبد وربه، وبين الإنسان وخالقه يناجي المرء ربه بها عن قرب، ويطلب حوائجه عن كثب باطمئنان وخشوع وتبتل وانكسار وإقبال؛ فترتاح نفسه، ويسعد حسه، وينشط جنانه، ويرى كل ما حوله جميلا أنيقا.

يا ترى ما السر في الصلاة؟ وما هو السبب في كل ذلك؟ إنه النور الذي يبدو عليك؛ إنه نور الله تعالى، إنه النور الذي يتلمسه المرء من الصلاة وخشوعها وتبتله بين يدي الله تعالى لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر أو أغمه شيء قال لبلال: «أرحنا بها يا بلال».

نعم أرحنا بها وليس أرحنا منها كما يفعل بعضهم اليوم فتراه يصلي على عجل، ويقوم فور انتهائه وكأن سبعا يلاحقه أو عدوا يتلصص عليه فلم تلامس كلمات الصلاة روحه ولم تدخل إلى أعماق وجدانه فيمضي على حال سبيله وكأن الصلاة لم تكن صلة بينه وبين خالقه وكأنه لم ينته من أدائها قبيل لحظات فتراه يقول بغير ما تأمره، ويعمل خلاف ما توجه بل يتجاوز هذا وذاك إلى أذية المصلين والتشويش عليهم وإفراغ صلاتهم من الخشوع والتركيز في معاني القرآن بالقيل والقال وإصدار الضجيج والأصوات النشاز في المسجد، ألا يعلم أن للمسجد حرمات؟ ألا يدرك أن المساجد بيوت الله في أرضه يجب أن تكرم ويبعد عنها كل شائن وقبيح، بل نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن تنشد الحاجات الدنيوية في المساجد فكيف بكلام بالحديث الدنيوي الذي لا مصلحة فيه إلا القيل والقال والتشويش على الآخرين فقد ورد عن سليمان بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، فقال رجل: من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وجدت، ألهذا ؟ إنما بنيت المساجد لما بنيت له»

هلا خرج المتحدث في شؤون الدنيا إلى خارج المسجد ؟ هلا امتنع من معاونة الشيطان في مهمته؟ هلا حرص على صلوات غيره كما يحرص على صلاته إن كان ثمة حرص منه لها ولعمري لو حرص على صلاته ما عاون الشيطان في إضعاف صلوات غيره.

إن مهمة الشيطان لا تفتر ليل نهار من إغواء البشر ونخر دينهم بشتى السبل وقد أدرك إبليس من قبل أن الصلاة عمود الدين وأن الخشوع عمود الصلاة فسعى لضرب الأوتار الحساسة في الصلاة لإسقاطها من دائرة اهتمامات المسلم فبدأ بالخشوع فإذا أخل به فرّغ الصلاة من مضمونها فإن أمكنه ذلك فقد قطع عمود الدين فسهل عليه ما وراءه لذلك حذاري حذاري من تضييع الخشوع، فلنبتعد عن إرشادات إبليس ولنوطن أنفسنا على الخشوع في الصلاة ومعاونة الآخرين على ذلك امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم حيث قال:(لكل شيء عمود وعمود الدين الصلاة وعمود الصلاة الخشوع وخيركم عند الله أتقاكم).

فربما لم يقدر الشيطان أن يخترق الكثيرين من خلال منعهم تأدية صلواتهم لكنه استطاع أن يتسلل إلى الصلاة فينتزع منا لبها وخشوعها لذلك حذاري من أس الشر ومعاونته فلا تصل مساعدته إلا إلى خسارة وبوار، فلا فائدة ترجى منه ولا مصلحة تنتظر من مسايرته فلنكن أول الناصحين لأنفسنا ولكل من يقوم بهمة إبليس في التشويش على المصلين وتفريغ خشوعهم من الصلاة.

ولنكن بالخشوع مستمسكين، وبه مبتعدين عن كل ما يشوش هذا الركن العظيم وهذا الفرض الخطير ولنجتنب أن تكون صلواتنا مجرد عادة لا تتجاوز الحركات التي نقوم بها، والقراءات التي لم نع كثيرا منها ولم نعرف عما نتكلم به.

إن من ترك الخشوع في الصلاة فقد فاته أعظم معين للتلذذ بالصلاة وأهمل خير ما يتقرب به لبارئه من خلال الصلاة إنه الخشوع لب الصلاة وأسها فماذا يبقى للمرء إن انتفى الخشوع وحل محله الارتباك والسهو والكسل والاضطراب؟ وماذا سيبقى من صلاة العبد إن فقد الركن الأعظم والأس الأشم؟ وقد قال العلماء من قبل:(ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها) وهل عقل السواد الأعظم الصلاة؟ وهل فعلا وعوا ما تأمر به وتنهى عنه؟

فالصلاة ليس عادة يفعلها المرء صباح مساء بل هي موجهة نحو الخير والصلاح وحسن الخلق والأخلاق فهي انعكاس لسوك المرء وأخلاقه لذلك إن لم تعرف صلاتك ومدى رضا ربك عنها من خلال أدائك لها فانظر إلى خلقك في تعاملاتك وحديثك مع الناس، ونصحك لإخوانك وتقديمك للخير وإحسانك للآخرين لتدرك صحة صلاتك لأن الصلاة هي انعكاس لكل خير، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، بمعنى أن من لم تنه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، لماذا وما الخبر؟ لأن الصلاة إذا لم تغير واقعك نحو الخير فلا بد من وجود خلل في تأديتها فقد يكون خللا معرفيا يسهل معرفته والوصول إليه بالتعلم وسؤال أهل الذكر، وقد يكون سببا معنويا لا بد من بذل الجهد في تغييره نحو الأحسن والأجمل والأنسب وقد ورد : «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له» نعم لا صلاة له لأنه لم يتقنها ولم يولها اهتماما ولم يضع لها اعتبارا بل كانت آخر ما يلتفت إليه وآخر ما يقوم به فلا يتهيأ لها بوضوء وتقديم، قال عليه الصلاة والسلام: «من تطهر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته، إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة»، وورد في حديث آخر عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها، وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة».

وعليه كذلك أن يتجمل من أجل أدائها وقد قال الله من قبل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يا ترى لماذا؟ وما فائدة اللباس الجديد عند الذهاب إلى المسجد؟ إنها التهيئة للحدث العظيم الذي أسعدنا الله به وجملنا به فجدير بنا ونحن نسير في درب الحياة ومشاكلها وتعقيداتها أن نلمم أوراقنا مرة أخرى ونعيد تنضيدها وترتيبها لعلنا ندرك تقصيرنا فنتداركه أو كسلنا فنعدله وعلينا ألا نتكاسل بأعظم عبادة وأجل كرامة من المولى ألا وهي الصلاة هذه الصلاة التي أمر الله الصحابة أن يواجهوا بها كيد الأعداء وشررهم في العهد المكي يا ترى مرة أخرى لماذا الصلاة فقط لأنها صمام أمان من الوقوع في المحظور أو المكروه قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) إنها تهيئة للنفوس وتقوية للجهاد الأعظم والمواجهة الشرسة ضد الأعداء بل أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم إبان بداية دعوته ليتقوى على المشركين واستهزاءاتهم ومكرهم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا، إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا، رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا، وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)، وترك الصلاة أيضا تكون سببا رئيسا للوقوع في النار والعياذ بالله بل أول ما يحاسب عليه المرء لذلك كانت أول ما يتحسر عليه ويندم عليه أهل النار قال تعالى عَنِ الْمُجْرِمِينَ: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ).. فأوردتهم صفة ترك الصلاة النيران لذلك تركها أو السهو عنها أو محاولة أن يبعد المرء عقله وفهمه عند أدائها يعد واقعا في الوعيد قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ).