988217
988217
تقارير

التكسير المائي على أرض رخوة بعد الديون وسنوات الائتمان الميسر

20 سبتمبر 2018
20 سبتمبر 2018

هشاشة ازدهار النفط الصخري الأمريكي -

بيثاني مكلين – نيويورك تايمز -

ترجمة: قاسم مكي -

قبل حوالي 20 عاما أثبت رائد أعمال اسمه جورج ميتشل أن من الممكن الحصول على كميات وفيرة من النفط والغاز من أماكن كان الاعتقاد السائد لفترة طويلة أنها صارت خالية منهما وذلك بضخ سائل عند ضغط عالٍ في بئر أفقية تحت سطح الأرض. وقبل حوالي 10 سنوات بدأ التوظيف الجاد للتكسير المائي أو الهيدروليكي. (المصطلح المعهود لوصف هذه العملية والتي يتم بها استخراج النفط والغاز بإحداث أو توسيع شقوق في الترسبات الصلبة الحاوية لهما عن طريق حقنها بسائل مكون من ماء ورمل ومواد كيماوية تحت ضغط عالٍ- المترجم.) لقد قلب استخدام هذه التقنية في أمريكا عالم الطاقة رأسا على عقب خلال مدة قصيرة. فقبل عقد ونصف كان الكونجرس يبدِي قلقا بالغا من الشح الوشيك في إمدادات النفط والغاز الطبيعي. لكن بحلول عام 2015 رفع الرئيس باراك أوباما الحظر على الصادرات النفطية.

أما اليوم فأمريكا هي أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم وقوة نفطية عظمى على وشك تجاوز السعودية وروسيا في حجم الإنتاج. (رجحت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بحسب تقديرات أولية نشرتها الأربعاء 12 سبتمبر الحالي تجاوز إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام الإنتاج السعودي في فبراير والروسي في يونيو وأغسطس الماضيين – المترجم.) كما أدى ذلك إلى ظهور ادعاءات قوية حول موارد الطاقة الأمريكية. فإيريك نورلاند، المدير التنفيذي لمجموعة سي أم إي التي تدير بورصات يتم فيها تداول مشتقات، يصف التكسير المائي بأنه «أحد أكبر خمسة أشياء تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية».

شكوك في وول ستريت

لقد أثار هذا التغيير الجذري قلقا واسع النطاق من أثر التكسير المائي على البيئة والزلازل وتلوث الماء. لكن هنالك مسألة أخرى مثيرة للجدل ومعروفة بقدر أقل ربما سيتضح أنها أكثر أهمية من ذلك. ففي وول ستريت (شارع المال والأعمال بالولايات المتحدة) يوجد بعض أشد المتشككين في أهمية التكسير المائي. يجادل هؤلاء بأن الأساس المالي لهذه الصناعة غير مستقر. فشركات النفط الصخري لم تثبت أن في مقدورها تحقيق أرباح. يقول جيم شانوس، مدير ومؤسس أحد أكبر صناديق التحوط التي تعمل في مجال البيع على المكشوف في العالم، أن صناعة التكسير المائي لديها سجل سيئ جدا في هذا الجانب. «فالمال يذهب إليها ولكنه لا يعود منها أبدا». وأكبر 60 شركة من شركات استكشاف واستخراج النفط الصخري لا تحقق من عملياتها أرباحا تكفي لتغطية نفقاتها التشغيلية والرأسمالية. وفي مجموعها، شهدت هذه الشركات خلال الفترة من منتصف عام 2012 إلى منتصف 2017 تدفقا نقديا سلبيا بلغ 9 بلايين دولار في كل ثلاثة أشهر. لقد تمكنت من البقاء لأن كثيرين في وول ستريت يرغبون رغم أنف المتشككين في مواصلة تغذيتها برأس المال وتحصيل رسومها. ففي الفترة من 2001 إلى 2012 باعت شركة شيسابيك إنيرجي الرائدة في مجال التكسير المائي أسهما بقيمة 16.4 بليون دولار وسندات دين بحوالي 15.5 بليون دولار ودفعت إلى وول ستريت رسوما تزيد قيمتها عن 1.1 بليون دولار، بحسب شركة طومسون رويترز ديلز انتيليجينس. هذا ما كان معلنا. لكن بطرائق أخرى أقل وضوحا جمعت هذه الشركة مبلغا آخر لا يقل عن 30 بليون دولار عن طريق بيع أصول وعقد صفقات على طريقة إنرون (الألاعيب المحاسبية التي ضخمت بها شركة أنرون إيراداتها مما جعلها سابع أكبر شركة في الولايات المتحدة وبعد انكشاف الفضيحة انهارت بسرعة وتقدمت بطلب إشهار إفلاسها في عام 2001 – المترجم). وحصلت شركة شيسابيك بموجب ذلك ما يشكل عمليا قروضا يتم سدادها بالمبيعات المستقبلية للغاز الطبيعي . لكن الشركة «نَزَفَت» أموالها. ففي الفترة من 2002 إلى نهاية 2012 لم تتمكن أبدا من الإعلان عن تدفقات نقدية حرة وإيجابية قبل مبيعات الأصول. في أوائل عام 2015 عبر مدير صندوق تحوط شهير آخر هو ديفيد آينهورن عن شكوكه علنا في مؤتمر استثماري. اطلع آينهورن على بيانات مالية لحوالي 16 شركة استكشاف وإنتاج للنفط مدرجة أسهمها في البورصات ووجد أنها في الفترة 2006 - 2014 أنفقت ما يزيد عن 80 بليون دولار من الأموال التي حصلت عليها من مبيعاتها النفطية.

نفط أقل وتمويل أرخص

السبب الرئيسي لهذه النتائج المالية السيئة جدا هو التدهور الحاد الذي يبدو في معدل إنتاج الآبار التي يتم استخراج نفطها بالتكسير المائي. فمقدار النفط الذي تنتجه في السنة الثانية من تشغيلها يكون أقل كثيرا من إنتاجها في سنتها الأولى. وحسب اقتصادي ببنك الاحتياط الفيدرالي في كنساس سيتي (أحد 12 بنكا احتياطيا إقليميا في الولايات المتحدة- المترجم)، يتدهور الإنتاج في البئر المتوسطة في «بكَّان» وهو حقل رئيسي لإنتاج النفط بالتكسير المائي في ولاية داكوتا الشمالية بنسبة 69% في السنة الأولى وأكثر من 85% في السنوات الثلاث الأولى لإنتاجها. أما البئر التقليدية فقد يتدهور إنتاجها بنسبة 10% في السنة. ولكي يستمر تزايد ونمو عمليات الإنتاج بالتكسير المائي ستكون هنالك حاجة إلى استثمارات ضخمة في كل عام للتعويض عن التدهور في إنتاج آبار السنوات السابقة. ولأن إنتاج النفط بالتكسير الصخري لديه هذه الشراهة لرأس المال الذي يكلف الحصول عليه بدوره أموالا ما كان في مقدور هذا الإنتاج الانطلاق في البداية بتلك الطريقة المثيرة لولا الانخفاض القياسي لأسعار الفائدة في أعقاب الأزمة المالية عام 2008. بكلمات أخرى، لقد كان بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي مسؤولا عن ازدهار إنتاج النفط بالتكسير المائي. ووفق حسابات أمير آزار زميل مركز السياسات الدولية للطاقة التابع لجامعة كولومبيا، كان صافي دين صناعة النفط الصخري 200 بليون دولار في عام 2015 بزيادة بلغت نسبتها 300% مقارنة بديونها في عام 2005. لكن كلفة الفوائد زادت بنسبة نصف معدل الزيادة في الديون لأن أسعار الفائدة استمرت في الانخفاض. ومؤخرا وصف أزار حقبة الانخفاض الفائق في سعر الفائدة بعد عام 2008 بأنها شكلت «المحفِّز الحقيقي لثورة النفط الصخري.»

صناعة هشة

لكن التكسير المائي صناعة هشة وليس من الصعب دفعها إلى الانهيار. فقد كادت السعودية أن تفعلها في عام 2014 حين قرر وزراء النفط في بلدان أوبك أنهم لن يخفضوا الإنتاج لدعم أسعار النفط المتهاوية وقتها. واعتبر ذلك محاولة من السعوديين للقضاء على النفط الصخري من خلال خفض الأسعار إلى ما دون المستوى الذي يمكن عنده لشركات التكسير المائي الأمريكية إنتاج برميل النفط (سعر التوازن.) وبحلول منتصف عام 2016 تدهور إنتاج النفط الأمريكي بما يقرب من مليون برميل في اليوم. وتقدمت حوالي 150 شركة نفط وغاز صخريين بطلب إشهار إفلاسها. وبدا أن وفاة أوبري ماكليندون الرئيس التنفيذي السابق لشركة شيسابيك في ربيع العام 2016 مؤشر على نهاية صناعة التكسير المائي. ففي 2 مارس، مات ماكليندون على الفور بعد أن اصطدمت سيارته بجسر اسمنتي على شارع مدويست بوليفارد بمدينة أوكلاهوما سيتي. كان مسرعا ولم يكن رابطا حزام المقعد ولا يبدو أنه بذل أي جهد لتجنب الاصطدام. وقبل عام من الحادث اتهمت هيئة محلفين فيدرالية كبرى ماكليندون بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار. (أُعتبر موته حادثة سير وسحبت هيئة الادعاء التُّهم التي أنكرها.) لقد سبق أن صُنِّفَ ماكليندون في المركز الـ134 من بين أغنى 400 أمريكي في قائمة فوربس حيث قدرت ثروته بأكثر من 3 بلايين دولار. لكن لأنه اقترض أموالا كثيرة وحصل على قروض أعمال تجارية بضمانات شخصية ظل المحامون يتعاركون حول مطالبات تتعلق بتركته بعد سنتين من وفاته بما في ذلك قرض بمبلغ 465 مليون دولار قدمته عدة شركات في وول ستريت. ثم انقضَّت الصناديق الانتهازية واشترت الدَّين مقابل أقل من 50 سنتا للدولار، حسبما أبلغني أحد العليمين ببواطن الأمور. لكن هذه ليست النهاية .

الحوض البيرمي وتجدد الازدهار

فاقت مرونة التكسير المائي تصور كل الناس حتى خصومه. وسبق أن تنبأت إدارة الطاقة الأمريكية في أحدث توقعاتها بأن الولايات المتحدة ستنتج في المتوسط ما يقرب من 10.6 مليون برميل في اليوم في العام الحالي وأن إنتاجها سيصل إلى 12.1 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2023. أحد الأسباب الرئيسية لانتعاش التكسير المائي منطقة تقع في غرب تكساس وجنوب شرق نيومكسيكو تعرف باسم الحوض البيرمي. لم يكن وجود النفط في منطقة الحوض من الأسرار. فقد شهد استخراج نفطها أول ازدهار له قبل مائة عام تقريبا. لكن الشركات المنتجة اعتقدت أن المنطقة خلت من النفط تقريبا وظل ذلك هو اعتقادها إلى أن بدأ رواد أعمال في إنتاج النفط بتقنية التكسير المائي هناك في حوالي عام 2010 . يقول سكوت شيفيلد الرئيس التنفيذي السابق لشركة بايونير للموارد الطبيعية أن الحوض البيرمي قد يحوي في جوفه 75 بليون برميل من النفط ولا يفوقه في ضخامة الاحتياطيات سوى حقل الغوار في السعودية. ويرى من يؤمنون بمستقبل التكسير المائي أن هذه التقنية ستقلل كثيرا من تكاليف حفر الآبار وسيمكِّن الشركات من تحقيق أرباح حتى مع انخفاض الأسعار. وورد في ورقة صدرت عن مجلس محافظي بنك الاحتياط الفيدرالي في العام الماضي ليس فقط أن الحفارات تحفر المزيد من الآبار في حقل بَكَّان بل كل بئر هناك تنتج المزيد من النفط . وارتفع حجم النفط المستخرج من الآبار الجديدة في المنطقة إلى ثلاثة أضعاف في أول شهر من إنتاجها وذلك منذ عام 2008. كما انخفض بشدة سعر التوازن أو التكلفة المقدرة لاستخراج برميل النفط من جوف الأرض. والشركات الأفضل إدارة والتي كثيرا ما تركز على الحقل البيرمي تحقق أرباحا الآن. يقول برايان هوري الذي يدير شركة أوريليان مانجمَنت أن «معدلات عائدها لاتزال أدنى من المستويات التي تُؤمِّن استدامة صناعة التكسير المائي في الأجل الطويل. لكنها تمضي في الاتجاه الصحيح.» رغم ذلك تمكنت خمس شركات فقط من بين أكبر 20 شركة عاملة في هذا المجال من الحصول على إيرادات تزيد عن الأموال التي أنفقتها في الربع الأول من هذا العام. ويقول أحد المستثمرين أنه في حال أجبِرَت الشركات على العيش عند مستوى التدفق النقدي الذي تحققه لن يكون النفط الأمريكي عاملا مؤثرا في باقي العالم. ليست إعادة اكتشاف الحقل البيرمي فقط هي التي ساعدت على استئناف ازدهار النفط الصخري بعدما كاد تدهور الأسعار يقضي عليه. لقد كان أهم عامل نفس ذلك العامل الذي كان وراء بداية هذا الازدهار في الأساس. قال لي شانوس: « لقد ازدهر إنتاج النفط الصخري مجددا بسبب وول ستريت.» فحسب شركة تحليل البيانات المالية «ديلوجيك» حصلت شركات التكسير المائي الأمريكية في عام 2017 على قروض بقيمة 60 بليون دولار وبمعدل زيادة يصل إلى 30% تقريبا مقارنة بعام 2016. وظلت أسعار الفائدة في مستوى منخفض مما ساعد الشركات المثقلة بالديون على تحمُّل تكاليف اقتراضها. كما اتجهت صناديق التقاعد التي تحتاج لعائدات مرتفعة كي تتمكن من سداد مستحقات المتقاعدين إلى صناديق التحوط التي تستثمر في الديون المرتفعة العائد مثل ديون شركات الطاقة. وهي أيضا تستثمر في شركات الأسهم الخاصة التي بدورها ضخت أموالا في شركات النفط والغاز الصخريين. لقد جمعت صناديق الأسهم الخاصة المكرسة للموارد الطبيعية رؤوس أموال قاربت الـ70 بليون دولار في عام 2015 ، حسب شركة «سيلنج ستون كابيتال بارترز» التي تستثمر أساسا في الطاقة. كما جمعت ما يزيد عن 100 بليون دولار في عام 2016. واليوم يتم تنفيذ 35% من إجمالي عمليات الحفر الأفقي (وهو المصطلح الذي يفضله العاملون في صناعة التكسير المائي) بواسطة شركات نفط مدعومة بالأسهم الخاصة. لقد حققت شركات الأسهم الخاصة الكبيرة مكاسب ليست هينة لكن ليس لأن الشركات التي قامت بتمويلها حققت أرباحا. فقد حصلت على بعض عائداتها من خلال بيع شركة إلى شركة أخرى أو تحويل شركة خاصة تولَّت تمويلها إلى شركة مساهمة عامة.

حجم الإنتاج وليس الأرباح

لفترة طويلة ظلت أسواق الأسهم العامة تُقَيِّم شركات التكسير المائي ليس على أساس «مضاعف ربحية» أسهمها، وهي الطريقة النموذجية لتقييم الشركة، ولكن بناء على مضاعف منطقة الامتياز التي تملكها الشركة (أي وفق مستوى إنتاجها وبصرف النظر عن كونها تحقق ربحا أو لا، حسب ما أوضحت الكاتبة لمجلة فورشن- المترجم.) وطالما أمكن للشركة بيع أسهمها إلى الجمهور أو بيع نفسها إلى شركات عامة فسيكون في مقدور كل طرف في السلسلة بدءا من ممولي الأسهم الخاصة إلى مسؤولي الشركة المعنية كسب المال باستمرار. ويذكِّرنا كل ذلك بعض الشيء بفقاعة دوتكوم (الإنترنت) التي انفجرت في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي حين تم تقييم شركات الإنترنت على أساس عدد من تجتذبهم إليها وليس الأرباح التي يرجح أن تحققها. فطالما ظل المستثمرون على استعداد للاعتقاد بأن الأرباح قادمة كانت الأمور تمضي على ما يرام إلى أن لم تعد كذلك (عند انفجار الفقاعة.). وهذا الأيام تتسق الجعجعة عن «استقلال الطاقة» تماما مع شعار « جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.» وهو الشعار الذي يعني أن أمريكا لم تعد تعتمد على أية جهة أخرى للحصول على احتياجاتها النفطية ولا حتى السعودية أو أوبك. لكن الجعجعة لا تنتج أرباحا. ومعظم الأشياء التي لم تكن مستدامة اقتصاديا بدءا من شركات الإنترنت الخاسرة إلى قروض الرهونات العقارية المرتفعة المخاطر انتهت نهاية مريرة.