986961
986961
المنوعات

النادي الثقافي يحتفي بالشاعر سيف الرحبي وتأكيد على مكانته الثقافية

18 سبتمبر 2018
18 سبتمبر 2018

الباحثون وصفوه: علامة من علامات الثقافة في عمان -

تغطـــــية: عاصم الشيدي -

نظّم النادي الثقافي صباح أمس ندوة احتفائية بالشاعر والكاتب الكبير سيف الرحبي من خلال تقديم شهادات من أصدقاء ومقربين وأوراق عمل تناولت إبداعه الشعري والنثري عبر استقراء مجموعة من دواوينه الشعرية وإصداراته النثرية خاصة في مجال اليوميات والسير الذاتية.

ولم يحضر الرحبي الاحتفائية لأسباب تتعلق بوفاة أخيه الأكبر الذي رحل عن عالمنا مساء السبت الماضي، لكن حضر أصدقاء الكاتب والكثير من مريديه رغم كثرة التساؤلات التي طرحت في وسائل التواصل الاجتماعي عن سبب إقامة الندوة في الفترة الصباحية المبكرة والتي حالت دون حضور الكثيرين ممن أبدوا رغبة في الحضور، ورد النادي الثقافي بأن امتداد أوراق عمل الندوة لفترة زمنية طويلة حال دون إقامتها في الفترة المسائية التي تكون محدودة في العادة.

وأكدت أوراق الندوة على المكانة الريادية التي يحتلها الشاعر سيف الرحبي في المشهد الشعري الحداثي العماني، والمكانة الكبيرة التي يحظى بها الشاعر في المشهد العربي حتى أن الأستاذ أحمد بن عبدالله الفلاحي قال في شهادته أمام الجلسة الأولى من جلسات الندوة: أينما نذهب في العواصم العربية ونقول أننا من عمان يأتي الرد أنتم من بلاد الشاعر سيف الرحبي، ما يعني تحول الشاعر إلى علامة من علامات البلاد ودالة عليها.

وقدم إضافة إلى الفلاحي الدكتور محمد الغزي شهادة بعنوان «صداقة الماء والشعر».

كما قدم الكاتب والروائي السوري مفيد نجم ورقة علمية بعنوان «المكان والدلالة في تجربة سيف الرحبي، ولمفيد نجم دراسة حول سيف الرحبي حملت عنوان «أرض الأبدية دراسة في شعر سيف الرحبي» صدرت عام 2006 عن دار الجمل في ألمانيا، فيما قدم الدكتور حميد الحجري ورقة بعنوان «المقياس الكمي للإيقاع: دراسة تطبيقية على قصائد سيف الرحبي» وصدر أيضا للحجري دراسة علمية عن سيف الرحبي بعنوان «حفر في مخيلة الذئب».

كما قدم الدكتور مبارك الجابري ورقة بعنوان «نورسة الجنون: الوضع الاجتماعي اللغوي والمعارضة اللهجية». وقدمت ورقة واحدة حول التجربة النثرية لسيف الرحبي بعنوان «قراءة في أدب اليوميات عند سيف الرحبي قدمها الباحث عوض اللويهي، فيما اعتذر في اللحظة الأخيرة عبد الرحمن المسكري الذي كان من المفترض أن يقدم ورقة بعنوان «ذاكرة الخطاب وسلطة اللغة في شجرة الفرصاد لسيف الرحبي» وشجرة الفرصاد عنوان كتاب للرحبي خصصه في السيرة الذاتية.

وتحدثت أغلب أوراق العمل عن الحضور الطاغي للمكان في تجربة سيف الرحبي، وكأنه أبرز ثيمة من ثيمات قصيدته.

بين الرحبي والفلاحي

واستعرض أحمد الفلاحي في شهادته بعضا من تفاصيل العلاقة التي جمعته بالشاعر سيف الرحبي والتي بدأت نهاية عام 1970م حين التقاه في بيت الطلبة الذين كانوا يدرسون في مسجد الخور بمسقط القديمة قبل أن يغادر سيف الرحبي إلى القاهرة ضمن أول بعثة دراسية ضمت آخرين.

ويقول الفلاحي في ورقته التي حصلت (عُمان) على نسخة منها إن سيف الرحبي عاد في فصل الصيف من القاهرة ليعمل في الإذاعة بشكل جزئي حيث كان الفلاحي يعمل بدوام كامل هناك، لكن سيف سرعان ما عاد للسفر وتجربة الغربة بكل انفلاتاتها على مدى سنوات طويلة.

كما تطرق إلى بعض تفاصيل كتبه كأن يقول الفلاحي أن ديوان «نورسة الجنون» وهو الديوان الأول للرحبي وإن كان قد صدر أولا إلى أن كتاب «الجبل الأخضر» كان أسبق كتابة من نورسة الجنون.

كما تطرقت شهادة الفلاحي عن الرحبي للعلاقة الحميمة التي تربط سيف الرحبي بالأمكنة التي عاش فيها طفولته وصباه المبكر.. مثل قريته سرور التي «ظلت باستمرار مضيئة في دواخل ذاكرته متجلية في سطور إبداعاته يروي أحداثها ويسرد ذكريات أيامه بها واصفا جبالها ووديانها وأفلاجها وطرقها وبساتين نخيلها وأشجارها محددا أسماء شخصياتها وأعلامها ومساجدها وحاراتها غير غافل عن معلم من معالمها أو شأن من شؤونها». وبعد «سرور» تجيئ مسقط ومطرح حيث انبثاق الشباب وبزوغ إطلالته إضافة إلى مناطق عديدة من الوطن العماني في شرقه وغربه وشماله وجنوبه جلتها نصوصه وأبانت صورها كتاباته «والحديث ما زال للفلاحي في شهادته».

شعرية المكان في تجربة الرحبي

بعد شهادة أحمد الفلاحي قدم الروائي السوري مفيد نجم ورقة بعنوان «شعرية المكان ودلالاته في تجربة سيف الرحبي مفتتحا ورقته بالقول «تتأسس علاقة الإنسان بالمكان منذ لحظة وعيه الأولى وتنتهي مع لحظة غيابها» وهي ثيمة سينطلق منها في استقراء تجربة الرحبي. وذهب نجم للقول إن «كثافة حضور المكان بدلالاته الجمالية والفكرية في تجربة الرحبي تعد العلامة الأكثر دلالة عليها والأكثر تعبيرا عن حيوية هذه التجربة وإبداعها»، متحدثا عن تأثير المكان في بناء ذات الشاعر حيث يتفرع المكان إلى أمكنة. ورصد الباحث الحضور المكاني في عتبات قصائد الرحبي من خلال العناوين الرئيسية والفرعية. معتبرا أن الكثير من الأمكنة في نصوص الرحبي خرجت من المكان المعاش إلى المكان الرمزي عبر استعادة التاريخ.

كما تحدث الروائي مفيد نجم عن طفولة المكان وطفولة الشاعر، معتبرا الشاعر سيف الرحبي المسكون بطفولته «طفل كبر دون وعي منه». كما تحدث عن الكثير من الثنائيات التي تسيطر على نص الشاعر مثل ثنائية الإقامة والرحيل التي تجعل الشاعر شديد الارتباط بالمكان رغم ترحاله وسفره الطويل.

ورأى مفيد نجم من خلال استقراء نصوص الرحبي إن الأخير ينحاز دائما للمكان القديم الذي اختبره حسيا في طفولته معتبرا المكان الجديد هجينا جدا وأقرب إلى الأمكنة الاستهلاكية.

مقياس كمي للشعر

كما قدم الدكتور حميد الحجري ورقة بعنوان «المقياس الكمي للإيقاع دراسة تطبيقية على قصائد سيف الرحبي» مؤكدا أن دراسته اقترحت أسلوبا كميّا في قياس الإيقاع في النصوص النثرية، قائما على قياس انحراف التوزيعات الإحصائية لمختلف العناصر الصوتية لنص نثري معيّن عن معيار نظري عام مستخلص من عدد كبير من النصوص النثرية. كلما كانت نتائج الانحرافات أو الفروق دالة إحصائيا، كانت المؤشرات أقوى على خصائص إيقاعية صوتية في النص المدروس».

واتضح لدى الباحث بعد فحص تجربة أربعة شعراء بنفس المقياس هم نوري الجراح وأمجد ناصر وقاسم حداد وسيف الرحبي أن البنى الصوتية مع الأخير أكثر تماثلا في بنيتها الإيقاعية وأن الإيقاع فيها أكثر خفوتا بل يصل إلى حد الهمس بعيدا عن الإيقاع الصاخب والمتوتر.

مؤكدا أن مثل هذا الإيقاع أكثر انسجاما مع قصيدة النثر التي بنيت على فكرة تفجير شعرية النثر الأكثر همسا والأكثر خفوتا. وقال الحجري صاحب كتاب «حفر في مخيلة الذئب» عندما نجد شاعرا تتفاوت إيقاعاته نعرف أنه يمر بمراحل انفعالية، لكن الأمر يختلف مع سيف الرحبي الذي نجد حالته الانفعالية أقرب إلى الثبات وبعيدة عن التقلب ما يدل على رؤية فلسفية ذات طابع تشاؤمي فهو كما وصفه الحجري من الناس الذين لا يؤملون كثيرا من استمرار مسيرة البشرية. وحاول الدكتور الحجري وصف النص الشعري عند سيف الرحبي بالقول إنه «يشبه بحيرة ساكنة تنظر لها وقت الغروب فتراها هادئة ولكن تنتابك وحشة وانقباض اتجاهها».

صداقة الماء والشعر

وفي الجلسة الثانية التي أدارتها الكاتبة زوينة سالم والتي كانت مخصصة لتجربة سيف الرحبي النثرية قبل أن ترحل لها ورقة الدكتور مبارك الجابري التي تناولت ديوان نورسة الجنون قرأ الدكتور محمد الغزي شهادة إنسانية عن علاقته بالشاعر سيف الرحبي.

يقول الغزي في شهادته: إنا الصداقة التي انعقدت بيننا ترتدّ إلى عقود ...بدأت حين التقينا، نحن جيليْ السبعينات والثمانينات، دون موعد مسبق، على أرض واحدة، للدفاع عن نمط من الشعر جديد، ومناهضة ضرب آخر من الشعر كان يسود الساحة الثقافية العربية في ذلك الوقت. أمّا الشعر الذي كنا ندافع عنه، على تقاذف المسافات بيننا، فهو الشعر الذي يقول ذاته قبل أن يقول ما هو خارج عنه، وظيفة اللّغة فيه، ليست محاكاة الأشياء والتشكّل طبقا لصورها القائمة في الواقع الخارجيّ، وإنّما وظيفتها الأولى تتمثّل في تجاوز تعريفاتها، وحُدودها النفعيّة ليستخلص منها المتلقّي إمكانات غير متوقّعة، ومعاني جديدة كامنة في طيّاتها. أمّا الشعر الذي كنا نناهضه فهو الشعر الذي كان يعلي من شأن المدلول على حساب الدّال. ويعمل على ردّ الأدب إلى أصل يَقَعُ خارجه».

وقال الغزي في شهادته «قصائد سيف جسّدت تصورنا للكتابة بوصفها فعلا لازما يكتفي بذاته ولا يحيل على ما هو خارجه.. كتابة تشدّ القارئ إلى نفسها بوصفها حضورا في العالم، شيئا ينضاف إليه، وليست مجرّد محاكاة للعالم الخارجي.. والواقع أنّ هذه القصائد بدت لنا في ذلك الوقت، غريبة، مفاجئة، ومدهشة لسببين اثنين يؤولان إلى سبب واحد:

السبب الأوّل كما يقول الغزي: هو أنّ نصوصها تنتمي إلى قصيدة النثر. والحال أن أرض عمان كانت في أذهان الكثير من المثقفين العرب في ذلك الوقت بمنأى عن عواصف الحداثة ورياحها العاتية. وتأتي قصائد سيف لتبدّد هذا الوهم وتثبت انخراط جانب من الثقافة العمانية في الحداثة الأدبيّة.

أما السبب الثاني هو أنّ هذه النصوص حفرت لنفسها، داخل قصيدة النثر، طريقا جديدة غير التي حفرتها مجلة شعر.. هذه النصوص استرفدت المكان وتشربت أساطيره ورموزه وسعت إلى كتابة تاريخه الروحي العميق.. إنّها قصائد الأوابد تتعاوى في البراري والنباتات التي لا أسماء لها والجبال الرابضات كحيوانات أسطوريّة على مشارف الصحراء.

بعد ذلك قدم الدكتور مبارك الجابري عن أول دواوين سيف الرحبي «نورسة الجنون» انطلاقًا من كونه واحدا من المجاميع الشعريّة المؤسسة لهذا الخطاب في الخليج العربي.

وانطلق الباحث كما قال من مفهومٍ عند بيير زيما يسميه «الوضع الاجتماعيّ - اللغويّ» محاولا مقاربة مسألة انتماء (نورسة الجنون) إلى خطاب شعري مختلف عن الخطاب الشعري «القائم» في إبانه في مجتمعات الخليج العربي، وبخاصة أن الحديث عن هذه المجتمعات إبان حقبة الثمانينيات (نشر المجموع في ١٩٨١)، هو حديث عن مجتمعات كانت ما تزال تحيا في حال أقرب إلى نسيج المجتمع العضوي باصطلاح كارل بوبر، حيث العلاقات فيها مبنية على الارتباط العضوي والولائي بين الأعضاء، وحيث السمة الغالبة فيها هي سمة الانغلاق على المعطيات المحليّة، في مقابل النفور من التعامل مع المعطيات الفكرية للخارج، وفق ما جاء في ورقة الجابري.

وقال الجابري: يقودني هذا الافتراض إلى النظر في (نورسة الجنون) بكونه أنموذجًا لخطاب مختلف، قد يحلو للبعض تسميته بـ«الحداثي»، نشأ في مجتمع لم يراوح «تقليديّته»، سوى في جملة من المظاهر الماديّة، ويعني ذلك أننا أمام خطاب يُنتَج من جماعة لها خصوصيّتها المفارقة لما هو «قائم»، وتجد مصادر معطياتها الخطابيّة من جهة مختلفة عن المصادر المحليّة التي تتقوّم عليها الخطابات السائدة في مجتمعاتها، فيصبح خطابها بذلك محلًّا لعرض لهجة جماعيّة خاصّة بها، تنشأ بها المعارضة بينها وبين ما هو قائم من لهجات سائدة، وإن شئت قلت معارضة بين مصالح جماعيّة، ومصالح جماعيّة أخرى، نازعًا من «المصالح» طابعها الماديّ الذي تنطبع به عادة في المقاربات السوسيولوجيّة.

وأوضحت الورقة إن الخطاب في (نورسة الجنون) يتخذ منحى خاصًّا في نسج بنياته الخطابيّة الثلاث الأساسيّة: السرديّة، والوصفيّة، والحواريّة. ليقول الخطاب بها لهجته الجماعيّة الخاصّة، وطريقة معارضته لما هو قائم من لهجات جماعيّة سائدة.

أدب اليوميات عن الرحبي

واختتم أوراق الندوة الباحث عوض اللويهي الذي قدم قراءة في أدب اليوميات عند سيف الرحبي، مبتدئا بالتجربة الأدبية عن الرحبي وموقع اليوميات فيها.

ورأى اللويهي أن سيف الرحبي أولى كتابات الذات بعضا من عنايته ضمن مساره الإبداعي العام، ويتجلى ذلك الاهتمام في كتابه السيري «منازل الخطوة الأولى» الصادر في عام 1992م، ثم يعود لمعاجلة الجانب السيري في مشروعه الكتابي في كتاب «القاهرة أو زمن البدايات» الصادر في العام 2011م ثم عمله المعنون ب «شجرة الفرصاد: من سيرة المكان والطفولة» الصادر في العام 2016م. ومن جانب آخر نجد أن للرحبي عناية بأدب الرحلات واليوميات حيث نشر عددًا من تلك النصوص في افتتاحيات مجلة نزوى ثم صدرت لاحقا في كتب وكذلك في أعمال نثرية لاحقة صدرت ضمن كتب مطبوعة مثل «قوس قزح» الصادر عن دار الجمل 2000م و«أرق الصحراء: يوميات» الصادر عن دار الجمل سنة 2005م، «نسور لقمان الحكيم» 2011م، من الشرق إلى الغرب يوميات 2013م، سناجب الشرق الأقصى مقاهي باريس 2014م، صالة استقبال الضواري 2017.

وحاول اللويهي عقد قراءة في جنس اليوميات التي ترد في الكتب المشار إليها في هذه الكتب.

في كتاب «قوس قزح الصحراء: تأملات في الجفاف واللاجدوى» نجد أن الرحبي يعنون أحد فصول الكتاب بـ «يتيمة الدهر: خواطر ويوميات» ويقع من الصفحة 22- 77 ويؤرخ تاريخ الانتهاء من هذه اليوميات في قرية شوبنجن بألمانيا عام 2000م. في 2013م سيعيد الرحبي نشر هذه اليوميات بعنوان مختلف هذه المرة وهو «يوميات قرية ألمانية» ضمن كتاب من الشرق إلى الغرب: يوميات» الصادر ضمن كتاب دبي الثقافية عدد ديسمبر 2013م. ترد اليوميات واحدة بعد أخرى يفصل بينها صف أفقي من النجوم للتميز بين كل يومية عن أخرى و لا يلتزم الرحبي في هذه اليوميات بذكر اليوم في بداية كل يومية عدا عن إشارة يتيمة ترد في إحدى اليوميات:« أرقبه هذا الصباح (الجمعة )....» كما أنها لا تتضمن أي تسلسل تاريخي عام يربطها عدا عن الإشارة التاريخية التي ترد في نهاية النص شوبنجن ألمانيا 2000م. فليس هناك من خيط زمني ناظم يبدأ من تاريخ الوصول وحتى تاريخ مغادرة القرية وإن كان المؤلف قد خص هذين الحدثين بيومية خاصة بكل منهما. ويرى اللويهي أن اليوميات عند سيف الرحبي تقوم على جمل قصيرة شديدة التكثيف والتشذير ومقاطع شعرية وتأملات في المكان الذي يخلق بما فيه من مكونات وما يقع فيه من أحداث يقدح شرارة التذكر في ذهن الرحبي «التيس بلحيته الطويلة وقرونه الأطول والذي يشبه وعول جبل الكور وجبال أخرى في عمان» كما تشتغل المخيلة في هذه اليوميات بصورة تستدعي المخزون الثقافي المتمثل هنا «حيث الاستشهاد» في فيلم دراكولا للمخرج الألماني فرتزوغ ومخزون الذاكرة الطفولية. يقول الرحبي في إحدى اليوميات: كل صباح أصل إلى حدود ذلك لأقصر المهجور. أقف أمامه صامتًا متهيبا تعوي فيه الريح، ويبدو من فرط حضوره وهيمنته على بقية أجزاء المنطقة كالثقب الأسود وهو يجتذب المجرات الهائمة في مجاله المغناطيسي. تخيلته أحد قصور دراكولا وربما هنا صوّر المخرج الألماني هرنزوغ فيلمه عن الكونت الشهير ربما يطل من إحدى شرفاته كلاوس كينسكي في شكل دراكولا ويدعوني إلى موائده». هذه الإطلالة لا تلبث وأن تأتي إلى مشيرا نلاحظ عبر يوميات مختلفة مظاهر تفاعل الذاكرة الثقافية للكتاب مع مشهد القصر الذي تخيله أنه قصره دراكولا ومع مشهد ظهور الكلب حدث التطابق بين التخيل والواقع وهذا التطابق استدعى مشهدا من مشاهد الذاكرة الطفولية البعيدة.