asaaf
asaaf
أعمدة

هل أتاكَ حديث صلالة ؟

18 سبتمبر 2018
18 سبتمبر 2018

د/ إسعاف حمد - جامعة دمشق -

[email protected] -

أن تأتي إلى صلالة ذات شوقٍ ، يعني أن يقيم قلبك فيها أبداً ويأبى أن يغادرها ، مأخوذا بسحرها ، ومسكوناً بطيبة أهلها ، مبهورا بتمازج عبق التاريخ وألق الحضارة وإعجاز الطبيعة ، مسحورا بحاضرٍ زاهٍ ومستقبلٍ طموحٍ يطاول أعنان السماء .

أن تأتي إلى صلالة ذات خريفٍ ، فتحسب نفسك أنك قادمٌ إلى مدينةٍ صغيرة لتكتشف أن بين جوانحها انطوى العالم الأكبر.

معادلةٌ تستعصي على العقل وتستغلق مداركه ، لكنك لا تراها بأم العين فقط بل تعيشها بجوارحك ، إلى الحد الذي تقف أمامه كل مفردات اللغة عاجزة تختار أن تتنحى ، معترفة بتقصيرها وضيق ذات حروفها وتراكيبها.

صلالة .. وهل أتاكَ حديث صلالة ؟

بل هل أتاكَ مشهدها قطعة مستعارة من الجنة أشبه بلوحةٍ ربانيةٍ معجزةٍ ؟

شلالات مياهٍ وبحيرات وجبال وقلاع وحصون وعيون وسهول ونسائم عليلة وغيوم عابقة بالرذاذ وضباب يتيه بك عن الأرض ويلقيك في مظنّة التحليق في السماوات .

خضرةٌ على مد النظر تناديك لتستلقي على سندسها الندي ، خضرةٌ تلّفك في خريفٍ كنت تتوهم أنك ستفتقدها فيه ، فإذا بك تبحث عن أوراقه الصفراء عبثا، ليشدّك صوت منادٍ : استفق أنت في صلالة حيث إعجاز المناخ ، وحيث الفصول تكتب قصائدها بلغةٍ لم يعرفها ولم يعتدها البشر .

صلالة .. وهل أتاكَ حديث صلالة ؟

شطآنٌ وخلجانٌ تتغلغل خطوطها عميقاً في روحك ، وتدثرك بدفء رمالها التي تسرق من أشعة الشمس تارةً ألوانها ، وتارةً من الغيوم بياضها ، فتختار أن تحتفي بمتعةٍ لا تُضاهى ولا تتكرر .

أشجار تتعشق النباتات تسلّق جذوعها حتى لتكاد تحتار من أين تبدأ وأين تنتهي ، ولا تلبث جوقة متنوعة من الأوركيديا أن تغمرك بإحساسٍ غامض لا تدرك كنهه ، ربما تخبرك به ربوع هذه الأرض التي ما أينعت هذه الزهرة كما أينعت بها .

كيف لا وقد احتضنتها عيونٌ منبجسة من جبالٍ وكهوفٍ يتدفق لجينها رقراقا، وينسكب دفّاقاً في شلالاتٍ باذخةٍ تغسل أدران الروح وتعيدها كما يوم خُلِقَتْ نقيّة طاهرة.

صلالة .. وهل أتاكَ حديث صلالة ؟

تلك المحروسة بالجبال والمتوّجة أميرة على عرشها ، تغريك صخورها بالتسلّق نحو الأعالي لعلّك تقبس شيئا من الشموخ والسمو فتتيه معها بين ضبابٍ وسحاب ، ويندفع خيالك للتحليق بعيدا ..بعيدا .

أما صحاريها فتلك قصةٌ لوحدها حيث التأمل باللانهايات ترفٌ لا يُقاوم، بدءا من التشكيلات البديعة للكثبان وانتهاء بإغراء التزلج على الرمال مصحوبا بمتعة فريدة لا يمكن أن تنالها إلا هاهنا ، هائما تارةً بين رمال صحراءٍ مسكوبةٍ من ذهب ٍ، وتارةً على رمال شواطئ تناديك لركوب أمواجها ، فإذا ما رغبتَ عنها منحتك متعة الغوص لاستكشاف أعماقها وفضِّ كنوزها . وبين هذا وذاك قد تتوقف لتأمّل مشهد تلك النوافير التي تنبثق من صراعٍ أبدي بين الأمواج والمنحدرات الصخرية مشكّلةً لوحة يندر أن ترى لها مثيلا.

صلالة .. وهل أتاكَ حديث صلالة ؟

مواقع أثرية تعبق بأمجاد التاريخ وحكايات أبطاله ، ومزارات ومساجد ومقامات تُفصح عن مكانةٍ كبيرة للدين ورجالاته ، متجذرة عميقا في مدارك أهلها ، وأسواق تقليدية يضوع منها شذى البخور واللبان ، وتزهو بملابس تراثية ومصوغات بديعة صبَّ فيها العمانيون خلاصة تاريخهم وحضارتهم .

صلالة .. وهل أتاكَ حديث صلالة ؟

مهرجانها، مهرجانٌ فريد يتقاطر إليه البشر من أرجاء المعمورة وينتظرونه من عامٍ إلى عام ..

مهرجانٌ يتسع ليمنحك كل ما تشتهيه من قرية التسوق إلى القرية التراثية ، إلى المطاعم والمعارض والعروض الثقافية والرياضية والحفلات الموسيقية والغنائية والرقصات الشعبية حتى لتكاد تتمنى ألا تنتهي أيامه من رحابة المتعة وبهجة اللحظات وإبهار المشهد .

صلالة .. وما أدراك ما صلالة ؟

مدينةٌ تسحرك وتستولي على لبّكَ بشرا وشجرا وحجرا ، فلأهلها وللعمانيين عموماً حكايةٌ تُروى : صنفٌ نادر من البشر ، كنز وداعةٍ وطيبة ٍوكرمٍ ، وقبل هذا وكله وبعده ، حبٌ لا متناهٍ لبلادهم وفخر بتاريخها وأصالتها ، وانهماكٌ مخلصٌ وجاد في بناء حاضرها ، و توفير سبل مستقبل ٍزاهرٍ لها .

خلطةٌ عجيبةٌ هي

باختصار سر عُمان الذي لا يدركه إلا من يزورها ويعيش بين جنباتها . لا غرابة بعد ذلك كله أن تصبح عُمان قبلة الأنظار بكل ما حباها الله به من سمات طبيعية وبشرية ، لتكتمل الهبة الإلهية بوجود قائد فذ مثل جلالة السلطان قابوس المعظم بسياسته الحكيمة وبالتخطيط الرشيد والتنمية المتوازنة التي تجلّت في مسيرة نهضةٍ مكللةٍ بالنجاحات ، وحافلةٍ بمؤشرات اقتصادية واجتماعية وصحية وتعليمية باهرة تستجيب لحاجات المجتمع وتواكب تطلعاته ، جعلت من عُمان نموذجا فريدا وقصة نجاح تُحكى ويشار لها بالبنان .

لعُمان الإنسان والمكان .. للناس الطيبين النبلاء .. للشلالات الدافقة بالحب والجمال والعطاء .. قوافي الشوق والوفاء.