sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: ما بيني وبينه

19 سبتمبر 2018
19 سبتمبر 2018

شريفة بنت علي التوبية -

كل شيء قابل للنقاش، قابل للأخذ والعطاء، قابل للحوار بالعقل والمنطق، إلا أن تحاور بعضهم في موضوع ديني أو تختلف معه في رأي فقهي، فذلك أمر قد يصيبه بالغضب ويصيبك بالصدمة الفكرية لردة الفعل المضادة تجاهك كإنسان مثقف لك رأي معين في مسألة قابلة للقياس نظراً لاختلاف الآراء فيها، بل مجرد اختلافك في الرأي قد يدخلك في دائرة من الشك حول مدى التزامك الديني أو صحة عقيدتك، فتقف مبهوتاً مندهشاً مصدوماً أمام أولئك الذين نصبّوا أنفسهم حماة للدين وحراساً لحدوده الملّغمة بنار الحقد والضغينة، فيدخلونك الجنة أو يخرجونك منها من خلال هيئتك أو شكلك الخارجي وما يوحي لهم انطباعهم الخاطئ عنك.

فالدين لدى بعضهم فكرة غيبية ثابتة متوارثة لا يمكن الاقتراب منها، رغم أن كثيرا من الأفكار تم إلصاقها بالدين وليست منه، فيصدّقها البعض ويدافع عنها وهو لا تتجاوز معرفته ومحتوى حصيلته الفكرية أكثر من حضور بعض حلقات الدرس، أو الاستماع إلى بعض المقاطع المسجّلة، وهي التي لا تمثل أكثر من رأي قائلها فقط .

فليتهم يدركون أن الدين ليس تراثاً حتى نحنّطه، وليس مادة قابلة للفساد حتى نجمّده، إنه دين الإنسانية الصالح لكل زمان ومكان، إنه محبتنا الخالصة مع الله، تلك العلاقة التي لا دخل ولا شأن لأحد بها، فما بيني وبين الله لي، وما بيني بين الآخر سلوكي وتعاملي وأخلاقي، فلا تحدثني عن الله وأنت لم تعرفه إلا من خلال تلك النصوص الفقهية الجامدة التي تعتقد بأنها ستكون حجتك الثابتة أمامه يوم القيامة، فكم مؤسف ما يعيشه البعض من وهم وجمود فكري يسعون من خلاله إلى استغفال أولئك الذين اكتفوا بقشور المعرفة وأطراف الفكرة، فلم يبحثوا خشية الاقتراب من حقيقة مختلفة لا تناسب ما حفظوه دون أن يعقلوه أو يشعروا به. الإيمان ليس ثوبا أسود، ولا لحية طويلة، ولا أن تعتمر في العام الواحد أكثر من خمس مرات وأنت عاجز عن أن تترجم كل ذلك إلى سلوك ومعاملة تخبر بها الآخر عن أخلاقك كمؤمن، الإيمان ليس مجرد أداء الشعائر والعبادات وفي نفس الوقت أنت باغض للآخر، فمن يؤمن بالله لن يُسيء لكائن حي ولن يقتل طفلاً ولن يكفّر مخلوقاً يعبد الله، الدين ليس عباءة تتسترون بها وأنتم عراة بسوء ما تفعلون، ولا تجعلوا الدين قضية محرّمة لا يجوز الاقتراب منها، فالقلوب المؤمنة هي الأقرب إلى الله والأقرب إلى عباده.