الملف السياسي

المنافسة غير العادلة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة

17 سبتمبر 2018
17 سبتمبر 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تزداد أعداد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلاد نظرا لأهمية هذه المؤسسات في المنظومة الاقتصادية من جهة وإتاحة الفرصة للباحثين عن عمل بالتوجه نحو العمل الحر من جهة أخرى . كما أن قلة فرص العمل في المؤسسات والوحدات الحكومية يدفع بعضهم الى هذا الاتجاه.

وقد أصبحت أعدادها اليوم تزيد على 33 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة وفق البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، كثير منها تعمل في محافظة مسقط وبنسبة تزيد عن 30%، الأمر الذي يتطلب الوقوف مع هذه المؤسسات ومساعدتها لمواجهة التحديات والصعوبات التي تعاني منها، وتتمكن من تخطيها بأقل الخسائر الممكنة، بجانب وضع الحلول العملية التي من شأنها زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما أن تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يتطلب تضافر الجهود الحكومية من خلال تحديث منظومة القوانين والتشريعات وتهيئة بيئة الأعمال لتشجيع هذه المؤسسات على الاستمرار وتمكينها للدخول في شراكات ذات قيمة مضافة عالية للاقتصاد الوطني. فهذه المؤسسات تساهم في العالم بصورة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاديات الأكبر على مستوى العالم حيث يبلغ إسهامها في الصين 60% على سبيل المثال، وفي ألمانيا 54%، وفي اليابان 52%‘ وفي الولايات المتحدة 50%.

وهنا نرى بأن الجهود الوطنية مستمرة في تذليل الصعاب والتحديات التي تواجه هذه المؤسسات، والتي لا تختلف كثيرا عمّا تواجهها تلك المؤسسات المماثلة في دول المنطقة، وفي العالم عامة. ومن خلال تسميتها بـ «المؤسسات الصغيرة والمتوسطة» فانها تعني بأن يكون أصحابها من صغار المستثمرين ومن أصحاب الريادة ممن يبحثون عن فرص امتلاك مشروع تجاري صغير خاص بهم لتصبح لاحقا مؤسسة كبيرة. وهذا لا يتحقق إلا بأن تتوقف المؤسسات التجارية الكبيرة من منافسة المؤسسات الصغيرة الناشئة لتتمكن من الوقوف على رجليها والانطلاق في خططها.

إلا أن الأمر مختلف لدينا في السوق العماني ، حيث نرى المؤسسات الكبيرة العملاقة تقوم بانشاء مؤسسات صغيرة بأسماء أخرى ، لتنافس المؤسسات المبتدئة الصغيرة في عقر دارها، بدلا من أن تعتمد عليها في توفير المستلزمات التي تحتاج إليها. وهناك إحدى الدراسات البحثية المحلية تتناول أهم التحديات التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة حيث تشير في بعض محاورها إلى أن 93% من رواد الأعمال يرون وجود احتكار للشركات الكبيرة للسوق بحيث يؤثر ذلك بشكل سلبي على نشاطهم ونمو مؤسساتهم. ففي اليابان على سبيل المثال، نرى أن مؤسسة تويوتا للسيارات تتعامل مع أكثر من 40 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة في الحصول على مستلزمات صناعة السيارات وقطع الغيار وغيرها من الاحتياجات الأخرى، الأمر الذي يساعد على نمو تلك المؤسسات الصغيرة لتصبح لاحقا من المؤسسات الكبيرة.

وهنا ما زلنا نسمع الكثير حول المعاناة والتحديات والصعاب التي تواجهها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أعمالها منذ أول لحظة، لتستمر هذه المعاناة لدى بعض المؤسسات لسنوات، وتؤدي أحيانا إلى نفور أصحابها من استكمال دورهم في إدارة مشروعاتهم الصغيرة التي تصاب بتعثر نتيجة للمنافسة غير العادلة من المؤسسات الكبيرة من جهة، وممارسات التجارة المستترة من قبل القوى العاملة الوافدة في الأعمال التجارية التي يدخل فيها العمانيون من جهة أخرى. وهذه القضايا يتم بحثها على مختلف المستويات من الجهات المعنية، حيث تبدي غرفة تجارة وصناعة عمان، ومؤسسة «ريادة» اهتماما كبيرا لمساعدة هذه المؤسسات في مواجهة المشاكل التي تمر بها، وتعقد اللجان المختصة بها للوقوف على التحديات والصعاب والخروج بنتائج إيجابية تدعم من استمرارية هذه المؤسسات في العطاء، ومعرفة طرق الارتقاء بأدائها لتعزيز سوق العمل. ومن التحديات التي تواجه المؤسسات الصغيرة في البلاد ، تلك التي تتعلق بتنفيذ توصيات الجهات المعنية بتخصيص بنسبة 10% من عطاءات المشاريع لها سواء من قبل المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الأهلية الكبيرة.

فوجود قانون خاص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة سوف يعمل على تفعيل تطبيق التوصيات الصادرة بهذا الشأن، وفي تسهيل الإجراءات والإعفاءات، أو تقليل الضرائب والرسوم التي بدأت تفرضها بعض المؤسسات الحكومية على أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دون مراعاة لأحوال هذه المؤسسات ورواد الأعمال المبتدئين، كما سيعمل القانون على تبسيط الإجراءات في الجهات ذات الاختصاص، والتركيز على تفعيل آلية تطبيق إسناد نسبة 10% من عطاءات المشاريع لهذه المؤسسات.

ومن جملة تلك التحديات ما يتعلق بإجراءات التشغيل، حيث تبدي وزارة القوى العاملة اهتمامها بأوضاع القوى العاملة التي تحتاج إليها هذه المؤسسات، خاصة تلك التي تحصل على المأذونيات بجلب القوى العاملة الوافدة للبدء بمشاريعها، إلا ان البعض منها تواجه الحظر وتحصل على إنذارات ومخالفات تؤدي إلى عرقلة أعمالها، وربما يعود ذلك إلى عدم فهم أصحاب المؤسسات الصغيرة للمعايير التي يجب أن يتقيد بها في تشغيل المؤسسات الصغيرة مثل تشغيل عمال دون ترخيص لما يترتب عليها من آثار سلبية، ناهيك عن بعض المخالفات والسلبيات الناجمة عن مخالفة تلك المؤسسات – دون قصد على الأرجح - لقانون تحصيل الضرائب والرسوم الحكومية، أومخالفة قانون العمل والتشريعات العمالية، أومخالفة قانون السجل التجاري وتشريعات تنظيم ممارسة العمل التجاري، أومخالفة قانون إقامة الأجانب، أوالعمل الحر، وتأثير ذلك على وضع المستهلكين بالإضافة إلى التأثيرات السلبية الناجمة عن احتساب الضرائب والرسوم، بجانب عدم معرفة المؤسسات الحكومية بالبيانات والإحصائيات الرسمية والوطنية عن أعمال هذه المؤسسات خاصة في حالة تشغيلها من قبل القوى العاملة الوافدة، وما ينتج عن ذلك من خلل في عملية «التعمين» بهذه المؤسسات وعلى تنظيم سوق العمل العماني. ولا شك أن هذه القضايا تحتاج إلى تنظيم مزيد من الندوات لتسليط الضوء عليها وتعزيز التوعية في هذه المجالات والقيام بتنظيم الحملات الوطنية التوعوية لطرح جميع السلبيات الناجمة عن العمل دون ترخيص رسمي من الجهات المختصة.

ومعظمنا أصبح اليوم يدرك بأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تلعب دورا كبيرا في تحريك الاقتصادات وتنمية المجتمعات، وتوفير فرص العمل المجدية للشباب الباحث عن عمل، بعيدا عن العمل في المؤسسات الحكومية التي أصبحت اليوم مكتظة، الأمر الذي يؤدي بالحكومات الى الاهتمام بهذه المؤسسات وزيادة عددها وتعزيز أعمالها وأنشطتها، بالإضافة إلى تنميتها بالأسس والسبل الكفيلة لزيادة إنتاجها السنوي وتفعيل دورها في تنويع المشاريع التي تحتاج إليها المجتمعات المحلية، الأمر الذي يتطلب التركيز على هذه المؤسسات وتثبيت أسسها بصورة تتناسب وأوضاع المجتمع وتمكينها لتصبح مؤسسات رائدة في الدولة لتحقيق الفوائد المرجوة لصالح الاقتصاد الكلي، إضافة إلى الحصول على الفوائد الشخصية والذاتية لأصحاب هذه المؤسسات ، كما نشاهد ذلك في عدد كبير من دول العالم. والكل يعلم بأن نجاح هذه المؤسسات وعملها غير مفروش بالورود، بل يتوقع أصحابها بأن يواجهوا التحديات الجسام التي قد تعترض مسيرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومن يعمل فيها، الأمر الذي يتطلب من المؤسسات الحكومية والمعنية بها أن تقف معها ومعرفة أسباب تعثرها، ورفدها بتجارب الآخرين لكي تتمكن من الوقوف والسير في عملها. فقد تكون التحديات والمشاكل التي تعاني منها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ناجمة على الخلل في أوضاعها الإدارية والتوظيفية ، وربما من عدم استجابة المؤسسات الحكومية والمجتمع في دعم أعمال هذه المؤسسات الجديدة ، نتيجة لقلة الخبرة وضيق التجربة لها في العمل التجاري، الأمر الذي يتطلب الاهتمام بالموارد البشرية التي تعمل بها وتدريبها وتأهيلها لدرجة تمكنها من السير في الاتجاه الصحيح لتحقيق الفوائد المرجوة، والالتزام بالأعمال التخصصية في بداية عمل المشاريع الصغيرة، وعدم التوسع السريع في السنوات الأولى بحيث لا يؤدي ذلك إلى التعثر والفشل، خاصة الدخول في مشاريع متخصصة لا يمتلك أصحابها درجة كبيرة من الفهم بها، الأمر الذي يتطلب تهيئة جيدة وكاملة للمؤسسة المنتجة في حقلها دون التوسع في مشاريع أخرى لحين شعور الفرد بالنجاح فيها، وبالتالي النظر في تبني استراتيجية عمل المؤسسة للسنوات المقبلة والالتزام بالأمور المالية لها، خاصة إذا كانت تعاني من قلة التمويل والضمانات المقدمة لدعم المشروعات والأنشطة الخاصة بالمؤسسة.

إن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة تحتاج إلى حلول عاجلة في حالة التعثر لكي تتمكن من تجاوز التحديات، والعقبات، الأمر الذي سوف يساعد على إنعاشها وتعزيز نشاطها وحركتها التجارية. فهذه المؤسسات تحتاج إلى الحصول على مستحقاتها المالية فورا على سبيل المثال، لتتمكن من تطوير منظومة أعمالها ومعالجة أي قصور في إمكاناتها المالية والتجارية، والتقليل قدر الإمكان عن فرض الرسوم الحكومية الناجمة عن المخالفات غير المقصودة لها في العمل اليومي، وتسهيل مهامها في بعض عمليات المناقصات المحلية بتخصيص النسب المحددة لها من قبل المؤسسات الحكومية في المناقصات نظراً لأهميتها في الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى أهمية الالتزام بسداد المستحقات المالية لها في الوقت المحدد، لارتباط هذا الأمر باستمرار التدفق النقدي لديها في العمل اليومي، وتمكينها من سداد التزاماتها المالية للعاملين لديها، بالإضافة إلى تقديم الضمانات لها لكي تتمكن من الوصول إلى الأسواق الخارجية. كما أنها تحتاج إلى إيجاد آليات مبسطة وموحدة، يمكن من خلالها إزالة المعوقات والإجراءات والرسوم والمخالفات الكبيرة التي تعرقل عملها أحيانا، وضرورة إيجاد التنسيق مع المؤسسات المعنية لتسهيل ممارسة أعمالها اليومية، وتتمكن من المنافسة. وإن على الجهات المعنية في الدولة ضرورة الالتزام ببنود برنامج المشتريات الحكومية، والتفاعل مع رواد الأعمال المواطنين، وشرح المتطلبات وبنود العقود والمشاريع لهم في إطار الدعم لهم، وتحفيزهم على الاستمرار والتوسع في مشاريعهم المستقبلية.