أفكار وآراء

التحالفات الدولية .. صعوبات وتحديات تفرض نفسها !!

16 سبتمبر 2018
16 سبتمبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

منذ الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م) وصولا الى بدء وانتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ظلت فكرة التحالفات قائمة، وتكون خلال هذين الحربين حلفان، كل حلف روج لنفسه أنه جاء ليوقف غطرسة الحلف الآخر، ويقيم العدالة في العالم، وتكوّن على إثر ذلك معسكران متناوئان عبر حلفي وارسو والأطلسي «الناتو» خلال الحرب الباردة التي سبقت سقوط الكتلة الشيوعية،تفرض بعض المفاهيم سطوتها وقوتها، انعكاسا، لما تظهره من نتائج على الوقع، ومن خلال هذه النتائج تستحوذ على الاهتمام الخاص والجاد، وبالتالي تصبح مثار جدل، وأسئلة تبحث عن إجابات مقنعة، خاصة عندما يحمل الواقع صورا غير تلك التي تشير إليها هذه المفاهيم أو تلك، ومن هذه المفاهيم «التحالفات والتكتلات الدولية» والحديث هنا لا يبحث عن النشأة والتطور، لأنها مفهوم قديم ومعروف، ويعود الى العصر الجاهلي، كما توثق بعض المصادر عن «حلف الفضول» على سبيل المثال: «أحد الأحلاف الجاهلية التي شهدتها قريش، حيث تم عقد هذا الحلف في دار عبدالله بن جدعان القرشي، وهو من أسياد قبيلة قريش وكان الحلف بين عدد من عشائر القبيلة في مكة المكرمة، في شهر ذي القعدة من عام (590 ) ميلادي وذلك حدث بعد شهر من انتهاء (حرب الفجار) بين قيس عيلان وكنانة، وقد شهد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ذلك الحلف قبل البعثة حيث كان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم 20 سنة، حيث قال: «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبدالله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» وذلك حسب موقع (https:/‏‏/‏‏mawdoo3.com/‏‏) ويأتي العصر الحديث، وتتأصل أكثر وأكثر مفاهيم الأحلاف والتكتلات الدولية، ولدواع سياسية بحتة، تحت عناوين كثيرة، معلنة وغير معلنة، منها ما تكون على مستوى الإقليم الواحد، ومنها ما يتخذ بعدا دوليا أكبر، حتى يتجاوز مساحة القارة الواحدة، ويؤرخ العصر الحديث لأهم تحالفين أنشئا بعد الحرب العالمية الثانية، وهما: حلف شمال الأطلسي «للكتلة الغربية» وحلف وارسو «للكتلة الشرقية»، وهما الحلفان المعلن عنهما وفق معاهدات جمعت بين مختلف الدول في كل حلف على حدة، ومنذ ذلك التاريخ؛ أي في منتصف القرن العشرين المنصرم، والى اليوم ظل مفهوم التحالفات والتكتلات الدولية يأخذ مساره عبر مختلف العناوين: السياسية منها، والاقتصادية، ويتكئ؛ في كثير من الأحيان على مبررات ربما قد لا تكون منظورة لمختلف الأطراف، إلا للأطراف التي تتقارب لتكوين حلف ما، تحت عناوين مخفية، تظهر بعد ذلك؛ وخاصة عندما تنشب صراعات ومواجهات عسكرية بين أطراف الحلف، وبين أطراف أخرى تجر إلى ميادين الصراع من غير حول منها ولا قوة.

يذهب الحديث هنا أكثر الى الإجابة عن الأسئلة التالية، وهي الأسئلة التي تتقارب إلى البحث عن ما يحمله العنوان أعلاه، ومن ذلك: هل هي حقيقة أن التحالفات أيا كان نوعها ومقاصدها تبحث عن مسحة شرعية للبقاء والوجود لمجالات عملها؟ محور البحث عن «قوة» إضافية هو الهاجس قبل البدء في تكوين تحالف ما، هل يعتبر ذلك نية مبيتة لحقيقة توجهات هذه التحالفات إقليميا ودوليا؟ هل تخرج مجمل التحالفات عن مبادئ التأسيس التي تعلن عنها في بداية التكوين؟ ما مدى قوة المجتمع الدولي – الممثل في منظماته المختلفة – في الحد من التقليل من التحالفات الدولية؟ وإلى أي حد يستطيع المجتمع الدولي أن ينظم آليات العمل في هذه التحالفات عندما يشعر أنها تعمل خارج إطار القانون الدولي؟ ومن خلال الخبرة المتراكمة لدى المجتمع الدولي للآثار التي تنتج عن هذه التحالفات؛ هل بإمكانه الحد منها؟

يسجل الواقع أنه منذ الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م) وصولا الى بدء وانتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ظلت فكرة التحالفات قائمة، وتكوّن خلال هذين الحربين حلفان، كل حلف روج لنفسه أنه جاء ليوقف غطرسة الحلف الآخر، ويقيم العدالة في العالم، وتكوّن على إثر ذلك معسكران متناوئان عبر حلفي وارسو والأطلسي «الناتو» خلال الحرب الباردة التي سبقت سقوط الكتلة الشيوعية، وبعدها، يبدو أن المسالة أخذت أبعادا مختلفة دولية وإقليمية، فباستطاعة كل مجموعة دول أن تكون حلفا مناوئا لقوة دولية لا تتفق مع أجندة هذه الدول، وتتطور المسألة من مناوشات إعلامية الى مواجهات عسكرية.

يظل غير منكور إطلاقا أن التحالفات تسعى بتكوينها الى البحث عن «مسحة شرعية» دولية، وهذه المسحة هي التي تقدمها قربانا للمجتمع الدولي، على أنها جاءت لإشاعة العدالة والسلام لدى المجتمع الإنساني الذي تتكالب عليه القوى صغيرها وكبيرها من هنا وهناك، ولذلك تنتقل مجموعة أنشطتها بعد ذلك سيئها وحسنها الى مقار ومجالس منظمات المجتمع الدولي للبحث عن حلول وعن دعم، خاصة بعد أن تتعقد القضية التي أنشئ لأجلها التحالف، وكان من المفترض أن تذهب جهود دول التحالف الى حل القضية لا إلى تعقيدها، وهذه من الإشكاليات التي تقع فيها التحالفات المعلن عنها أمام المجتمع الدولي، ولكن يبدو ثيمة البحث عن «قوة» إضافية بمباركة دولية هي حقيقة ما في الأمر، ليس إلا، لأن كثيرا من التحالفات التي كانت، وبعضها لا يزال في الميدان، لا ينبئ عن توجه يرغب في إشاعة السلام والأمن الدوليين، وإنما السعي الى تحقيق مصالح معينة على حساب شعوب ودول أخرى، وهذا ما يشار إليه في حقيقة توجهات مجمل التحالفات الدولية، وهو ما يثبته الواقع عبر ممارسات كثيرة منذ أواخر القرن العشرين المنصرم، والى يومنا هذا.

ولذلك -دائما- ما يكون المجتمع الدولي، غير قادر على وقف ما تقوم به التحالفات الدولية، خاصة إذا ظهرت قوى أو أطراف أخرى داعمة لتوجهات هذا التحالف أو ذاك بناء على أسباب أو مصالح أو مبررات ما.

وتبقى الظروف هي الفاصل المحوري لتصدع كثير من التحالفات، وذلك عندما تتغير القناعات، كما حدث بالنسبة لحلف وارسو بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق عام 1990، أو عندما تستجد أحداث تربك هذه الكتلة التحالفية أو تلك إما لتنازع المصالح بين أطراف التحالف، وإما لتقاطع الأهداف، وإما لمكوث عمل التحالف أكثر مما هو متوقع، وإما لحدوث أزمات تنغص البقاء وتحمل الأطراف تكلفة تربك برامجها في الداخل.

لذلك تظل حسابات الربح والخسارة هي المعول عليها لبقاء التحالف أو تشتت أعضائه، وهي حسابات تظل قائمة في ظل ظروف غير مستقرة، وفي ظل غياب نظرة مستقبلية لها بعد محدد، خاصة وأن الدول تمتحن أكثر في برامجها التنموية، وقدرتها على التوفيق بين مختلف القوى في محيطيها المحلي والإقليمي. ولعل ذلك هو ما يفسر صعود وانتهاء الكثير من التحالفات التي ظهرت على مدى العقود الأخيرة إقليميا ودوليا أيضا.