أفكار وآراء

إسرائيليون ينتقدون قانــون «القومية اليهودية»

11 سبتمبر 2018
11 سبتمبر 2018

ماجد كيالي -

كاتب فلسطيني -

لم يتوقّف نقد قانون «إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي»، الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي مؤخّراً (19/‏7)، بأغلبية 62 نائباً، كقانون أساس ـ دستوري، على الفلسطينيين فقط، إذ أنه شمل اليهود الإسرائيليين أيضاً.

وقد يجدر التنويه هنا إلى أن نقد هؤلاء للقانون المذكور ربما كان أكثر دلالة وعمقاً، في كثير من الأحيان، لا سيما إذا استثنينا الناحية القومية، الأمر الذي قد يفسح المجال لصوغ نوع من مشتركات، يمكن الاستثمار فيها، في المدى المستقبلي، للكفاح ضد إسرائيل باعتبارها دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية؛ وهي مسألة يفترض أن تولى أهمية كبيرة من قبل حركة التحرر الوطني الفلسطيني، أو ما تبقى منها، باعتبار أن الفلسطينيين لا يواجهون دولة استعمارية، أو جيش دولة، فحسب، وإنما يواجهون دولة ومجتمعا، في آن واحد، في تجربة فريدة من نوعها، حتى بالقياس لتجربة الكفاح ضد نظام الأبارثايد في جنوب أفريقيا.

أيضاً، يلفت الانتباه أن نقد القانون المذكور لم يقتصر على الباحثين أو المحّللين السياسيين الإسرائيليين، فهذا مردخاي كرمنتسر، المستشار القانوني للحكومة، صرّح، في وقت مبكرّ، بأنه إذا تمت المصادقة على مشروع القانون فستحدث ثورة في إسرائيل...وإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ستنتهي...إسرائيل ستنتقل الى موقف رائد بين الدول الوطنية (يقصد ذات الطابع الشوفيني) مثل بولندا وهنغاريا». («هاآرتس»، 11/‏‏7) في حين عبر الموسيقار اليهودي العالمي دانئيل برانبويم عن خجله من كونه إسرائيلياً، بقوله: «بعد مرور 70 عاما...أقرّت حكومة إسرائيل قانوناً جديداً يستبدل مبدأ المساواة والقيم العالمية بالقومية والعنصرية...لدينا الآن قانون يحوّل العرب في إسرائيل إلى مواطنين من الدرجة الثانية. هذا شكل واضح جداً من الفصل العنصري. أجد صعوبة في تصديق أن الشعب اليهودي قد حافظ على وجوده لمدة 2000 سنة، على الرغم من الاضطهاد المستمر وأعمال القسوة، لكي يصبح قامعاً ويتعامل بقسوة مع شعب آخر. لكن هذا بالضبط ما يفعله القانون الجديد. لذا أخجل بأن أكون إسرائيليا.ً» («هاآرتس»، 24/‏‏7)

ولعل ما ينبغي توضيحه هنا أن هذا القانون لم يأت بجديد على صعيد رؤية إسرائيل لذاتها كدولة يهودية، ولا على صعيد تحديدها مكانة العرب، في منزلة دونية بالنسبة لليهود (سواء كانوا مواطنين في إسرائيل أم لا)، وهذا ما يلخّصه الشاعر الإسرائيلي «ب. ميخائيل» باعتباره أن «مشروع سحق حقوق العرب (تمييز في الأراضي، البنى التحتية، التعليم، الفرص، التمثيل، التشغيل، التطوير والثقافة)...بدأ غداة الإعلان عن إقامة الدولة واستمر حتى أيامنا هذه». وعنده فإن الجديد، الذي أحدثه القانون المذكور، هو أن التمييز الحاصل بات «أخيراً مشروعا قانونيا وحلالا تماماً.

من الآن يمكن مواصلته دون خوف من محكمة العدل العليا.» ويتابع: إن « القانون ليس فقط طهرنا، نحن الطاهرين، من الأنواع الدرزية، والشركس، والمسلمين، والسامريين والمسيحيين، بل أيضا حرّرنا من 400 ألف، معظمهم من الروس، اندمجوا داخلنا بطرق احتيالية...قانون القومية أيضاً حسم أخيراً النقاش التاريخي حول مسألة: اليهودية هل هي دين أم قومية. القانون حدّد...بأن اليهودية هي دين...الطريقة الأفضل...للانضمام إليها...فقط تعلم عدد من المبادئ الأرثوذوكسية والاستحمام بوجود عدد من حكماء الدين، وفجأة تصبح واحدا منهم. («هاآرتس»،14/‏‏8)

وفي الواقع فإنه منذ البداية، ما كان لفكرة أو لادعاء أن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية في الآن ذاته أن تكون صحيحة، بالنسبة لإسرائيل ذاتها، وخاصة بالنسبة لتعاملاتها مع الفلسطينيين، لذا فقد جاء القانون لكي يمحو هذا التناقض، أو ليحله لصالح اليهودية ـ العنصرية. وهذه المسألة بالذات أكد عليها الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفيي المعروف بتضامنه مع حقوق الفلسطينيين، فالقانون بالنسبة له أنهى «مهزلة» اليهودية – الديمقراطية، وهذا برأيه لم يكن في أي يوم موجوداً، ولم يكن بإمكانه الوجود بسبب التناقض في المعنى بين القيمتين، حيث لا توجد سبيل للتوفيق بينهما، فقط التضليل. إذا كانت يهودية فهي لن تكون ديمقراطية بسبب عدم المساواة.

وإذا كانت ديمقراطية فهي ستكون غير يهودية لأنه لا يوجد للديمقراطية مزايا على أساس عرقي. الآن، الكنيست تختار اليهودية. إسرائيل تعلن أنها دولة القومية اليهودية، وأنها ليست دولة كل مواطنيها. ويرى ليفي أن هذا القانون مهم جداً. فهو قانون الحقيقة. بل إن ليفي يسخر من ادعاءات إسرائيل بشأن أن «الابارتهايد يوجد فقط في جنوب إفريقيا...وعندنا لا يوجد...لأنه لا يوجد لدينا تشريع له. وأن الخليل ليست ابارتهايد وغور الأردن أيضاً. وأن الاحتلال ليس جزءا من النظام. وأننا الديمقراطية الوحيدة، مع الاحتلال...كم نحن جيدون!!...الآن سيكون هناك قانون يقول الحقيقة. إسرائيل لليهود فقط...العرب هم مواطنون من الصنف ب، والرعايا الفلسطينيون هم هواء غير موجودين». («هاآرتس»، (13/‏‏7)

من جهته فإن المحلّل السياسي والشاعر الإسرائيلي «يرون لندن» اعتبر أن قانون إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي يثير تناقضاً بين هويتين، بين اليهودية (أي اليهود في العالم)، وبين الإسرائيلية (أي يهود إسرائيل)، كما يرى فيه تناقضاً بين المجتمعات المنفتحة التي تلائم التطور وحركة التاريخ، وبين المجتمعات المغلقة، الرجعية، التي تعبّر عن نكوص في حركة التاريخ. يقول «لندن» في مقال له عنوانه: «الكنعانيون الجدد»: «الإسرائيليون اليهود يطوّرون قومية منفصلة، رغم أنف مشرعي قانون القومية بل حتى بمعونتهم. فالشعب المتجدّد يعرف وفقاً للغته ووفقا لحدود الأرض الإقليمية التي يسيطر عليها، وهو سيضم في المستقبل غير البعيد أيضا العرب مواطني إسرائيل. والسؤال هو اذا كان هذا التطوّر سيشبه التطور المأساوي للمستوطنين الهولنديين الذين أصبحوا بويريين، أبناء الأقلية العنصرية البيضاء بجنوب إفريقيا، أو سيشبه ذاك الذي وقع في الديمقراطيات الكبرى. فسكان نيوزيلندا ليسوا من الإنجليز، رغم أنهم يتحدثون اللغة الأقرب الى الانجليزية، ومواطنو محافظة كويبك في كندا يتحدثون نوعاً من الفرنسية، ولكنهم ليسوا فرنسيين بل كنديين. ومواطنو استراليا هم استراليون، مهما كان أصلهم العرقي ومهما كان دينهم. ومعظم الناس في العالم يعيشون في مدن آخذة في ان تشبه الواحدة الأخرى، ولذلك فان القول إن «الإنسان ليس سوى مضمون مشهد وطنه» يحتاج الى تعديل. ليس وجه الأرض هو الذي يخلق المضمون بل المجتمع الناشئ في أرض إقليمية معيّنة وثقافتها تتغيّر بلا توقّف بتأثير علاقات الإنسان بالإنسان. المجتمع الإسرائيلي في 2018 ليس ذاك الذي كان في 1948، ومضمون الإنسان الذي نشأ فيه ليس ذاك الذي كان في حينه. قانون القومية هو تعبير عن الرجعية، ويشكل مظاهر منازعة حياة الهيمنة اليهودية وليس تعزّزها.» («يديعوت احرونوت «، 14/‏‏8)

على أية حال فإن ما أثار قلق بعض المحللين الإسرائيليين ليس تشبيه إسرائيل بنظام التمييز العنصري السابق في جنوب أفريقيا، فقط، وإنما تشبيهها، أيضاً، بأنظمة قومية وعنصرية، مثل بولندا وهنغاريا، التي تدعم اليمين الإسرائيلي. وعن ذلك يقول «زئيف سترنهل»: انه «منذ فترة يعمل رئيس الحكومة الإسرائيلية من أجل دمجنا في الكتلة القومية، العنصرية، اللاسامية، البولندية والهنغارية، عدو الغرب الليبرالي...إضافة الى ذلك، إسرائيل هي دولة نموذجية حيث إن العنصريين البيض في أوروبا يستطيعون فقط أن يتعلموا منها كيفية التعامل مع الأجانب الأفارقة والمسلمين المحليين...هذه رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف والعنصري، والذي يكره الأجانب بصورة لا تقل عن البولنديين والهنغاريين...من هو ليس يهوديا يمكنه أن يكون مواطناً، ولكن هل يمكن وصف وضع يتم فيه قرار يمس «المناطق» ويتخذ في الكنيست بأصوات العرب ويعتبر شرعيا في نظر هذه الحكومة؟ من مثل زعمائنا يفهم الهنغاريين والبولنديين، ومن مثلهم يشمئزون من قيم الغرب العالمية؟! («هاآرتس»، 14/‏‏7).