3
3
إشراقات

خطبة الجمعة تدعو إلى تجديد العهد مع الله وإعطاء الأخوّة الإسلاميّة معناها الصّحيح إفناء الأوقات في طاعة الله تعالى هو الغنيمة الكبرى

06 سبتمبر 2018
06 سبتمبر 2018

مع استقبال العام الهجري الجديد -

تؤكد خطبة الجمعة اليوم على أهمية الزمان في حياة الإنسان، مبينة أنفس ما يمتلكه الإنسان في هذه الحياة، وهو السّفينة الّتي تحمله إمّا إلى شطّ الجنان، وإمّا إلى فوّهة البركان، ولبيان مكانته أقسم الله تعالى به وبأجزاء منه، ولا يقسم جلّ وعلا إلا بشيء معظّم لديه، فحريّ بالمؤمن أن يقدّره حقّ قدره، وأن يستغلّه الاستغلال الأمثل المحمود، وأن يحاسب نفسه على اللّحظة والخطرة والنّفس الذي يتنفّسه فيه. مؤكدة أنّ إفناء الأوقات في طاعة الله تعالى هو الغنيمة الكبرى، وإنّ تضييعها في اللّهو وفيما لا يعود بطائل هو الخسارة العظمى. وتنبه خطبة اليوم التي جاءت تحت عنوان: «ما بين عام مضى وعام آت» من لا يقدّر للعمر قدره، ولا يعرف للزّمان منزلته.

وأكدت أن المسلمين اليوم وهم يودّعون عاما ويستقبلون عاما جديدا أحوج ما يكون إلى أن يجدّدوا عهدهم مع الله وكتابه وسنّة نبيّهم، صلى الله عليه وسلم فيستلّوا السّخائم والأحقاد من قلوبهم، ويعودوا إلى المودّة والصّفاء، والألفة والإخاء، ويعطوا الأخوّة الإسلاميّة معناها الصّحيح.. وهنا نص الخطبة كاملا:

الحمد لله الرّحيم الرّحمن، خالق الزّمان والمكان، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، مقدّر الأعمار والآجال، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدا عبد الله ورسوله، عمر حياته بالطّاعة والإحسان، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم يبعث الله فيه الإنس والجانّ.

أمّا بعد، فيا عباد الله:

اتّقوا الله تعالى العزيز الغفّار، الّذي يكوّر النّهار على اللّيل، ويكوّر اللّيل على النّهار، لأجل أن تستمرّ حياة الإنسان، يقـول سبحانـه: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا)، فالزّمان - يا عباد الله - ظرف لأعمال العباد، يقدّمونها إلى الله جلّ وعلا راجين بها الزّلفى لديه، فالنّهار له ما يلائمه من نشاط وعمل، واللّيل له ما يلائمه من راحة وسكن، فقد ورد في الأثر: (( واعلم أنّ لله عملا بالنّهار لا يقبله باللّيل، وعملا باللّيل لا يقبله بالنّهار))، ومن أدرك الزّمان بهذا المعنى حرص على أن يملأه بصالحات الأعمال، وزاكيات الخصال، وبما يعود عليه بالنّفع في العاجل والمآل.

أيّها المؤمنون:

ها نحن نودّع عاما هجريّا يمضي بما فيه من حلو ومرّ، ومن عسر ويسر، ومن شدّة ورخاء، وسقم وعافية، وهذا مولود يفد وذاك مودّع يرحل، فهلا اعتبرنا بمضيّ الأعمار، وتصرّم الأوقات، وذهاب الأزمنة والأعوام، لم لا يبكي الواحد منّا على عمر فات لم يستغلّه في طاعة الله؟ ولم لا يتحسّر على فوات زمن مضى في غير ما يرضي الله؟ إنّ الزّمان – يا عباد الله - أنفس ما يمتلكه الإنسان في هذه الحياة، وهو السّفينة الّتي تحمله إمّا إلى شطّ الجنان، وإمّا إلى فوّهة البركان، عياذا بالله. وحسبنا في بيان مكانة الزّمان أنّ الله تعالى أقسم به وبأجزاء منه، ولا يقسم جلّ وعلا إلا بشيء معظّم لديه، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، وقال: (وَالضُّحَى)، وقال: (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)، وقال: (وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ) وخلق من خلق الله تعالى هذا شأنه حريّ بالمؤمن أن يقدّره حقّ قدره، وأن يستغلّه الاستغلال الأمثل المحمود، وأن يحاسب نفسه على اللّحظة والخطرة والنّفس يتنفّسه فيه.

عباد الله:

إنّ إفناء الأوقات في طاعة الله تعالى هو الغنيمة الكبرى، وإنّ تضييعها في اللّهو وفيما لا يعود بطائل هو الخسارة العظمى، وابتلينا - يا عباد الله - بمن لا يقدّر للعمر قدره، ولا يعرف للزّمان منزلته، فما بين جوّال وجوّال، وأجهزة ذكيّة سلبت من عقول بعض النّاس الذّكاء، وجعلتهم يعيشون في غير عالمهم، وتتساقط السّاعات من أعمارهم تساقط قطرات الماء، فلا هم بكتاب الله مشتغلون، ولا على كتب العلم عاكفون، وتقام الصّلاة وهم على أبواب المساجد بهواتفهم ملتهون، هكذا تنقضي أعمارهم، فهل سيوقظهم مرور عام واستقبال عام؟ إنّ العادة متى رسخت في النّفس فهي كالشّجرة لا تزال تنمو حتّى يشقّ اقتلاعها، ومن اعتاد في ليله ونهاره على لهوه بهذه الوسائل الحديثة كان التفاته إلى مراشد القرآن وما تطالبه به أمّته التفات من ينادى بواد سحيق، فالعين على الشّاشات لا على الآيات، والأذن في سماع النّغمات لا سماع التّلاوات.

عباد الله:

لقد ندبك القرآن لرسالة سامية، وأنت غال عند الله، فلا تلق نفسك في مراعي الإهمال، ولا يكن حظّك القيل والقال، أين جهدك ومثابرتك؟ وأين استباقك للأوقات والأزمان؟ كم من عام يمضي ويتلوه عام ولا تزال صفرا على الشّمال، أترضى لنفسك أن تخرج من دنياك ولا أثر خير لك في أمّة محمّد وإنّما أنت فيها مجرّد رقم من الأرقام، ألا تجدّ فيما جدّ فيه الفطناء والعقلاء فاكتسبوا في دنياهم المحامد والمآثر، وكان لهم حميد الذّكر في الدّنيا وجميل المقام في الآخرة؟ فردّد قول إبراهيم عليه السّلام: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ).

أيّها المؤمنون:

إنّ من أسّس بنيانه على تقوى من الله تعالى ورضوان، ينظر بعين بصيرته إلى صالح الأعمال لا إلى طالحها ليبني مجدا على مجد ويصعد سلّم العلياء. ألا فاتّقوا الله -عباد الله- وأيقنوا أنّ الله تبارك وتعالى قد استخلفكم في الأرض لينظر كيف تعملون، فليأخذ العاقل من ماضي أيّامه ما يضيء له حاضره ومستقبله. ؛ ففي التّاريخ دروس بالغة وعظات، فخذوا العبر ممّن غبر، وهذا كتاب الله تعالى كم يلفت النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مواقف المرسلين قبله ليستبصر بها فيما يعالجه من الأحداث الّتي تشغله، والمواقف الّتي تمرّ عليه، يقول جلّ وعلا: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)، واستبصروا في تعاملكم مع الأحداث المحيطة بكم بكتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم ومواقف علمائكم العاملين.

أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كلّ ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنّه غفور رحيم، وادعوه يستجب لكم إنه برّ توّاب كريم.


الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، ونشهد أنّ سيّدنا محمّدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أمّا بعد، فيا عباد الله:

ما أحوج المسلمين وهم يودّعون عاما ويستقبلون عاما جديدا إلى أن يجدّدوا عهدهم مع الله وكتابه وسنّة نبيّهم، صلى الله عليه وسلم فيستلّوا السّخائم والأحقاد من قلوبهم، ويعودوا إلى المودّة والصّفاء، والألفة والإخاء، ويعطوا الأخوّة الإسلاميّة معناها الصّحيح، ويحقّقوها في حياتهم عملا وواقعا. ألا يكتفون بما جرّ عليهم التّشرذم من ويلات، وما نجم عنه من التدخّل السّافر للآخرين في شؤونهم الدّاخليّة، وهذا كتاب الله تعالى ينذر من هذا بقوله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، ويقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، وما أجمل مقولة الفاروق رضي الله عنه حينما قال: « نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله».

هذا وصلّوا وسلّموا على إمام المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين، فقد أمركم الله تعالى بالصّلاة والسّلام عليه في محكم كتابه حيث قال عزّ قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). اللّهمّ صلّ وسلّم على سيّدنا محمّد وعلى آل سيّدنا محمّد، كما صلّيت وسلّمت على سيّدنا إبراهيم وعلى آل سيّدنا إبراهيم، وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آل سيّدنا محمّد، كما باركت على سيّدنا إبراهيم وعلى آل سيّدنا إبراهيم، في العالمين إنّك حميد مجيد، وارض اللّهمّ عن خلفائه الرّاشدين، وعن أزواجه أمّهات المؤمنين، وعن سائر الصّحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدّين، وعنّا معهم برحمتك يا أرحم الرّاحمين.

اللّهمّ اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرّقنا من بعده تفرّقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيّا ولا محروما.

اللّهمّ أعزّ الإسلام والمسلمين، ووحّد اللّهمّ صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحقّ، واكسر شوكة الظّالمين، واكتب السّلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللّهمّ يا حيّ يا قيّوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلاّ أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألاّ تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كلّه يا مصلح شأن الصّالحين.

اللّهمّ ربّنا احفظ أوطاننا وأعزّ سلطاننا وأيّده بالحقّ وأيّد به الحقّ يا ربّ العالمين، اللّهمّ أسبغ عليه نعمتك، وأيّده بنور حكمتك، وسدّده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللّهمّ أنزل علينا من بركات السّماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكلّ أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام . ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار.اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات،المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنّك سميع قريب مجيب الدّعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).