إشراقات

المسقري: «تقوى الله» تقي الإنسان من الوقوع في المصائب

06 سبتمبر 2018
06 سبتمبر 2018

ذنوب الخلوات أصل الانتكاسات وسبب خاتمة السوء -

عرض: سالم بن حمدان الحسيني -

أكد ناصر بن مطر المسقري مؤلف كتاب: «تحصين وتأمين للنفس والمال والولد» أن أكثر الذنوب التي يقع فيها الناس هي ذنوب الخلوات ، فلذلك نبّه القرآن الكريم على الإيمان بالغيب، مؤكدا أن العارفين بالله أجمعوا أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وسبب خاتمة السوء، وأوضح المسقري في كتابه الدلالة القرآنية أن المعاصي التي يقترفها العبد هي سبب كل مصيبة وهي سبب كل بلاء؛ وأن التحصينات التي تقي الإنسان من الوقوع في هذه المصائب هي: «تقوى الله» فإذا اتقى الله وترك المعاصي ضمن دوام عافية الله له منها.

وجاء في هذا الكتاب: أن القرآن الكريم نص على أن كل مصيبة تصيب الإنسان سببها المعاصي، مستشهدا بقوله سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )، وقد قَالَ الْحَسَن: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ اِخْتِلَاج عِرْق وَلَا خَدْش عُود وَلَا نَكْبَة حَجَر إِلَّا بِذَنْبٍ وَلِمَا يَعْفُو اللَّه عَنْهُ أَكْثَر» فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: التعثر بحجر لا يكون ألا بسبب ذنب فما بالك بالمشاكل والمصائب الأخرى . مستشهدا كذلك بقول ابن القيم في كتاب «الفوائد» ان قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وربه، ومنع إجابة الدعاء، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء، وطول الهم والغم وضنك المعيشة، تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء، والاحتراق عن النار وأضداد هذه تتولّد عن الطاعة. قال العباس رضي الله عنه: (اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة).

وأضاف: لا شك أن على العبد أن يعتقد أن كل مصيبة تصيبه هي مكتوبة ومقدرة ولكن لماذا قدر الله عليك هذه المصيبة ولو كانت عثرة حجر لا بد أن تكون عقوبة على ذنب أنزلها الله لعلك تنتبه وترجع وتتوب لتفوز يوم القيامة. ويستثنى من ذلك ما يصيب الأنبياء والصالحين فهذا نزول البلاء عليهم من باب الرفعة والكرامة في الآخرة لتعلو منزلتهم في الجنة. كما أن المعاصي تميت القلب وعلامته الأساسية : عدم الحزن على ما فاتك من الطاعات، فلا يهمك إن صليت مع الجماعة وكسبت مضاعفة الأجر أو لم تقرأ القرآن. وتعمل المعصية فلا تندم على تفريطك في حق من خلقك فهذا دليل على موت القلب.

وأشار الى أن أكثر الذنوب التي يقع فيها الناس هي ذنوب الخلوات فلذلك نبّه القرآن على الإيمان بالغيب قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) فإياك وذنوب الخلوات فقد أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وسبب خاتمة السوء، فخاتمة السوء تكون بسبب دسيسةٍ باطنة بين العبد وربه فلو اختفيت عن أعين الناس فعقوبة المعصية ستظهر قانونٌ لا يتخلف: ما أسَرَّ عبدٌ سريرة إلا أظهرها الله على قَسَماتِ وجهه.

وأورد المسقري في كتابه التحصينات التي تقي الإنسان من الوقوع في المصائب أولها: «تقوى الله» مشيرا الى أن تقوى الله عز وجل تحصين للمسلم من وقوع المصائب فإذا اتقى المسلم الله وترك المعاصي التي هي سبب المصائب ضمن دوام عافية الله له من المصائب قال الله تعالى (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) يعني إن لم تفعلوا المعاصي التي تستوجب العقوبة لماذا يعذبكم أيتشفى به من الغيظ، أم يدرك به الثأر، أم يستجلب به نفعاً، أم يستدفع به ضرراً، وهو الغنيّ الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك. وإنما هو أمر أوجبته الحكمة أن يعاقب المسيء، فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب. مشيرا الى أن قول الله تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) يؤكد هذه الحقيقة والتقوى تحصين من ضرر وكيد الأعداء، كما أن التقوى تفتح لك بابا للخروج من كل ضيق ومأزق قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) فمن كان الله معه ووليه فماذا يخاف والله بيده الأمر كله.

وقال: كما أن بتقوى الله ييسر الله أمورك، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) ويفتح لك البركات من السماء والأرض، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) وجعل الله لك العاقبة الطيبة قال تعالى: (إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) ويؤمنك من كل غم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).. مبينا كذلك أن من التحصينات التي تقي الإنسان من الوقوع في المصائب (الاستغفار). فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الاستغفار أمان من العذاب قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فقد جعل الله سبحانه وتعالى للناس أمنَين هما رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فأما الأمان الأول الذي هو النبي فقد زال بوفاته، وأما الاستغفار فهو حصن من العذاب باقٍ إلى قيام الساعة، كما ان الاستغفار مخرج من الهمّ والضيق قال صلى الله عليه وسلم: أنه «مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» رواه أبو داود عن ابن عباس. كما أن الاستغفار جالبٌ للنسل، ونماءٌ في الرزق، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا). ويزيد قوة الجسم وصحة البدن قال تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)، كما انه سبب في هناء العيش قال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)، قال القرطبي: أي يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش.

وأضاف: ومن تلك التحصينات كذلك هو «التوكل على الله» فهو سبب للوقاية من الشر قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً). وكيف يخاف من الله كافيه، و قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي وغيره: من قال حين يخرج من بيته «باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله» يقال له: وقيت وكفيت وتنحى عنه الشيطان»، ويرشد العلماء إلى قراءة قوله تعالى: (حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) كل يوم صباحا ومساء 7 مرات. ومن التحصينات كذلك «صنائع المعروف» فصنائع المعروف مع الآخرين حصن حصين للنفس والمال والولد فهي من أهم أسباب دفع المصائب: فإن أحسنت أحسن الله إليك ستجني ثمرة إحسانك بجلب نفع أو دفع ضر فقد وعد الله بالإحسان للمحسن قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، وتكون رحمته قريبة منك قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، ويكون الله معك قال تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) فمن كان الله معه ورحمته قريبة منه ماذا يخاف؟ أنظر قول الله تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، وقد ثبت أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وتدفع ميتة السوء، وصدقة السر تطفأ غضب الرب، ففي الترمذي: «إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء» وفي الترمذي أيضا من حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار». قال ابن القيم في «الوابل الصيب»: فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرّون به لأنهم جربوه «فما عليك إلا ان توطن نفسك لعمل الخير وتبادر بالإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف والله يبارك لك ويحفظك ومالك وأولادك.

وبيّن المسقري أن «الدعاء».. كذلك يحقق للمسلم عوامل الراحة النفسية والاطمئنان على المال والأهل الولد؛ فهو يقرّب العبد من ربه ويفتح الأبواب المغلقة، ويحقق للعبد ما يتمنى. وقد أمرنا الله به وهو قريب سميع مجيب (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). فدعاءُ اللهِ والتضرعُ إليه والانكسار بين يدَيه وتفويض الأمر إليه أمانُ الخائفين وملجَأ المضطرِّين فالدُّعَاءُ، عَدُوُّ الْبَلَاءِ، يَدْفَعُهُ، وَيُعَالِجُهُ، وَيَمْنَعُ نُزُولَهُ، وَيَرْفَعُهُ، أَوْ يُخَفِّفُهُ إِذَا نَزَلَ، وَهُوَ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ. «وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» الطبراني. وعن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) مسند الإمام أحمد. وقد أمرنا الله أن ندعوه ونتوسَّلَ إليه تعالى بأسمائه الحُسنى: قال تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا).

وأضاف: إن «التحصين بالدعاء» له شقين الأول: أن تسأل ربك الحماية والكفاية والوقاية وأن يحرسك الله في نفسك و دينك ومالك وولدك، وأن تجلب دعاء الناس لك بالخير وذلك بالمعروف إليهم والثاني ان تتقي دعاء الآخرين عليك بعدم الإساءة إليهم ولكن الواقع أن كثيرا من الناس لا يبالون بما يفعلون من تخريب، وإيذاء الناس في الشوارع، بطريقة سياقتهم وبأضوائهم العالية وبدخولهم الشارع فجأة ويضطرون المار أن يمسك الفرامل، وقد يكون عنده ما يتضرر كطفل أو امرأة حامل، فيتأثر جنينها وقد يتسبب في حادث، وتكون ردة فعلهم بالدعاء على فاعله فيستجيب الله له لأنه مظلوم، ودعوة المظلوم لا ترد و لو كان كافرا.