أفكار وآراء

روسيا تشن هجوما دبلوماسيا لإعادة بناء سوريا

05 سبتمبر 2018
05 سبتمبر 2018

ديفيد جاردنر- الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

فيما تميل الحرب الأهلية السورية بشكل نهائي - على نحو لا رجعة عنه - لصالح نظام الرئيس بشار الأسد الذي تسانده روسيا وإيران، تستمر القوى الغربية والإقليمية التي تدخلت في الصراع خلال السبعة أعوام الماضية في التهوين من خطورة هذه الحرب فيما يخص قدرتها على الإسهام في تشكيل»اللا نظام» العالمي الجديد. لقد ساعدت الحرب على تغذية القوى المقوِّضة للنظام العالمي (القائم) والمتمثلة في شعبوية أبناء البلد الأصليين (سياسة الإعلاء من مصالح المواطنين بالميلاد على مصالح المهاجرين- المترجم ) وآيديولوجيا العزلة (سياسة الابتعاد عن شؤون ومصالح البلدان الأخرى- المترجم) في الغرب. فعلت الحرب ذلك بداية من قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعدم تنفيذ تهديده بمعاقبة نظام الأسد على الهجوم على المدنيين بغاز الأعصاب وإلى طوابير اللاجئين السوريين المتجهين إلى أوروبا مشيا على الأقدام في عامي 2015 و2016. إن روسيا وإيران هما المستفيدتان في سوريا في الوقت الحاضر على الأقل. فحين أوشكت قوات الرئيس الأسد على الانهيار في عام 2012 أبقى على تماسكها الحرس الثوري الإيراني وحلفاؤه من القوى الشيعية شبه العسكرية. وأنقذت القوة الجوية الروسية النظام بداية من سبتمبر 2015.

وصلت هذه الحملة (الروسية الإيرانية) إلى نهايتها الآن. كما يقترب إرهاب داعش من نهايته. لقد هُزمَت هذه الجماعة في سوريا أساسا على يد المحاربين الأكراد بإسناد جوي أمريكي. كما هزمت في العراق المجاور إلى حد بعيد بواسطة المليشيا الشيعية المدعومة إيرانيا وفي تحالف مع الولايات المتحدة. لكن أمريكا تريد التخلي عن سوريا. ويريد ذلك أيضا حلفاؤها الغربيون (المترددون دائما في التدخل في سوريا فيما في الأثناء يشجعون على تمرد لا يسارعون إلى تزويده بالمعدات اللازمة لانتصاره) وفي هذا الشهر ذكرت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أنهما تريدان تقليص التزاماتهما. وتتحول فرنسا إلى تقديم المساعدات الإنسانية التي تنقل إلى سوريا بواسطة روسيا.ويبدو أن الاتجاه الحالي هو « تطبيع» العلاقات مع نظام الأسد.

فتركيا التي كانت معارضتها للأسد في يوم ما عنيفة إلى حد أنها سمحت بتحوُّل أراضيها إلى معبر للجهاديين تشكل الآن القائم الثالث لحاملٍ (قِوَي) جديدٍ في سوريا ثلاثي القوائم طرفاه الآخران هما إيران وروسيا. لقد شَنَّت موسكو، الشريك الأكبر في توازن القوى الإقليمي الجديد، هجوما دبلوماسيا يرتكز على فرضيتين هَشَّتَين هما أولا: إيجاد مناخ استقرار جديد بقيادة الأسد لتمكين عودة ما يقرب من 6 ملايين لاجئ من خارج سوريا وثانيا: يترتب عن ذلك فتح المجال لتمويل اعادة إعمار سوريا بقيادة أوروبا.

لقد دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذه الأطروحة في اجتماعه الأخير مع مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل التى أدت سياستها تجاه الهجرة إلى هز حكومتها الإئتلافية وتتلهف لإعادة اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى بلدهم.

يرغب الكرملين في إيجاد آلية دبلوماسية جديدة لسوريا تتمحور حول روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا. ما مدى واقعية هذا المسعى؟ أولا، من غير الحكمة افتراض أن نظام الأسد سيكون مرساة للاستقرار. لقد شن حربا شاملة ضد شعبه ذي الأغلبية السنية أدت إلى فقدان حياة نصف مليون شخص وهجَّرَت نصف السكان. فسياسات النظام تنتج متطرفين، يقوم لاحقا بالمناورة بهم، سواء بتسريب المسلحين منهم إلى داخل العراق كما حدث بعد الغزو الأمريكي في عام 2003 أو إطلاق سراح المئات من كوادرهم من السجون في أثناء التمرد الحالي في سعي ماكر من جانبه لدفعهم إلى اختطاف قيادة التمرد من قادته التقليديين.

أما تحالف سوريا مع إيران والذي يأمل الغرب في سذاجة بأن تتولى روسيا تفكيكه فعمره أربعة عقود. لقد ولد حزب الله في عام 1982 في السفارة الإيرانية في دمشق. ثانيا، لا يبدو أن الأسد يتفق مع حلفائه خصوصا أولئك الذين يأملون في أن يشرع اللاجئون السوريون في العودة إلى بلدهم. فهو يبدو شديد الرغبة في الحيلولة دون عودة التركيبة السكانية ذات الأغلبية السنية التي أوشكت على إقصاء نظامه. فمثلا في وقت مبكر من هذا الصيف كان من المقرر عودة ثلاثة آلاف سوري من لبنان الذي ينوء بعبء ما يزيد عن مليون لاجئ يشكلون أكثر من ربع السكان. لكن السلطات السورية قبلت بعودة أربعمائة لاجئ فقط عاد منهم في النهاية مائتان. فقد رفض الباقون تفكيك عائلاتهم بعد أن منع النظام عودة أفرادها من الرجال والأولاد ممن هم في سن تجعلهم قادرين على القتال.

يجب قياس صحة مزاعم روسيا حول قدرتها على تيسير عودة اللاجئين بناء على هذا الواقع. وكذلك قياس صحة شكوى وزير خارجيتها سيرجي لافروف في بيروت هذا الشهر من أن أسبابا «مختلقة» تمنع عودة السوريين وتعرقل الإعمار التي تريد موسكو من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سداد تكلفته. ثالثا، وهذا اعتبار مثير للقلق، تستعد قوات الأسد إلى جانب القوة الجوية الروسية لشن هجوم عسكري للسيطرة على آخر معقل للمعارضة في إدلب شمال غرب سوريا. يوجد عشرات الآلاف من المسلحين في إدلب ينتمي أغلبهم إلى جماعة مرتبطة بالقاعدة. كما تكتظ البلدة باللاجئين من المناطق التي اندحر فيها التمرد ويشكلون تقريبا نصف سكانها (3 ملايين نسمة.) ومن الممكن أن تفر هاتان المجموعتان إلى الحدود مع تركيا التي تستضيف سلفا 3.5 مليون لاجئ سوري. وسيشكل ذلك تحديا أمنيا واقتصاديا يصطدم بأزمة العملة التركية الراهنة ومواجهة أنقرة مع الولايات المتحدة. يبدو أحيانا أن السياسة الحالية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ترتكز على الأمل بأن مشكلة سوريا (والسوريين) ستختفي. لن تختفي. وليس واضحا أن بمقدورهما الأمل في ذلك.