أفكار وآراء

الحرب في اليمن .. و القرار المنتظر !!

04 سبتمبر 2018
04 سبتمبر 2018

عوض بن سعيد باقوير /صحفي ومحلل سياسي -

الحرب في اليمن حان وقت نهايتها ، ولم يعد هناك متسع من الوقت لاستمرار ذلك الوجع اليمني ، الذي يشاهد على القنوات العربية والدولية يوميا للأسف ، ومن هنا فإن الضمير الإنساني لابد أن يكون حاضرا في هذه المأساة الكبيرة التي حلت بالشعب اليمني الشقيق .

حسب تقديرات الخبراء الاستراتيجيين ومنظري الحروب فإن شن أي حرب تبدو سهلة من الناحية النظرية قياسا بالحسابات العسكرية ، وتقدير قوة الخصوم ، ومع ذلك فإن الغزو السوفييتي لأفغانستان في نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي انتهى بنكسة وهزيمة للجيش السوفييتي ، ولم يكن السبب هو التفوق العسكري واللوجستي للخصوم ، ولكن جغرافية أفغانستان التي كان لها الدور الكبير في وقوع الاتحاد السوفييتي في المستنقع الأفغاني ، كما حدث للقوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية في عقد الستينيات من القرن الماضي أيضا التي انتهت بنكسة أمريكية أخلاقية وسياسية.

والفارق الزمني ليس كبيرا بين تورط القوتين الأكبر عالميا من الناحية العسكرية في كل من أفغانستان وفيتنام. ومن هنا نقول إن الجغرافيا وحرب المليشيات الجبلية تجعل من تلك الحروب ذات تكلفة عالية ، كما أنه من الصعب حسمها، ولعل نموذج الحرب في اليمن هو أقرب للنموذجين الأفغاني والفيتنامي المشار إليهما ، مع الفارق بالطبع .

القرار المنتظر

الحرب في اليمن دخلت قبل أشهر عامها الرابع ، دون حسم لصالح أي طرف، كما أن الخاسر الأكبر في تلك الحرب هو الشعب اليمني الشقيق ومقدراته الوطنية ، حيث إن التقديرات لهذه الحرب تجاوزت الظرف الزمني ، وتحول اليمن بالفعل إلى نموذج يقترب كثيرا من النموذجين الأفغاني والفيتنامي ، أولا بسبب الطبيعة الجغرافية المعقدة لليمن ، وثانيا دخول أطراف أخرى في الحرب لتعطي الصراع المسلح بعدا إقليميا ودوليا .

فالحرب في اليمن مع تزايد سقوط المدنيين ومعاناة الشعب اليمني وانتشار الفقر والأمراض ، باتت تحتاج إلى قرار شجاع من الحكومة اليمنية ودول التحالف من جانب ، وجماعة الحوثيين وحلفائهم من جانب آخر؛ لاتخاذ القرار بوقف العمليات العسكرية وإعطاء الحوار فرصة حقيقية من خلال جهود مبعوث الأمين العام للأمم المتحده البريطاني «جريفيث» .

فالحرب في اليمن مع تداعياتها الإنسانية ، وتقرير الخبراء بالأمم المتحدة المفزع وإعلان التحالف عن فتح تحقيق في مقتل عشرات المدنيين في صعدة ، ومعظمهم من الأطفال ، وردود الأفعال الغاضبة على مستويات عديدة ، فإن الوقت أصبح مناسبا لإنهاء الحرب ، وفتح المجال لأولى جولات جنيف المقرر أن تبدأ غدا الخميس ، لتعقد في أجواء مناسبة ومشجعة ، لأن استمرار الحرب ستكون صورة مكررة إلى حد غير قليل لما يحدث من مآس دامية للشعب اليمني حيث إن الحروب ومساراتها لايمكن أن تكون منضبطة تماما ، أو مركزة بشكل تام وحصري على الأهداف العسكرية ، لأسباب كثيرة . ومن هنا فإن الشعب اليمني الشقيق والمنطقة والعالم ينتظرون ذاك القرار الشجاع لإنهاء الحرب وفتح مسار المفاوضات التي تعد الخيار الوحيد لإنقاذ اليمن ، وإطلاق عملية سياسية تعيد السلام والاستقرار إلى اليمن المنكوب .

مسار الحوار

ليس هناك في الحروب ما يمكن تسميته بضياع الكبرياء ، بدليل أن الولايات المتحدة ومن خلال الضغوط السياسية والإعلامية ، ومن الداخل الأمريكي ، جلست في حوار مع الجانب الفيتنامي رغم مرارة وقسوة الحرب الفيتنامية ، وانتهى الحوار باتفاق للسلام وانتهت الحرب. ومن هنا فإن قرار إنهاء الحرب في هذا التوقيت وفي ظل المشاهد المأساوية وردود الفعل الاقليمية والدولية والغاضبة، بل وباعتراف دول التحالف بأن هناك أخطاء حدثت في مسار القصف الجوي ، فإن المنطق السياسي وتقدير الموقف من قبل صناع القرار يقتضي الحكمة لأن حسم هذه الحرب المعقده عسكريا ، أصبح من المستحيلات أو يكاد . إن مسار جنيف للمفاوضات بين الفرقاء الذي سيقوده البريطاني «جريفيث» ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن ، هو خطوة مهمة ، ويعطي مخرجا ملائما لفرقاء الحرب ، ويوفر فرصةلاستعادة السلام في اليمن من خلال وضع حد لهذه الحرب المدمرة .

إن مسار الحرب في اليمن وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات قد وصل مداه ، وأصبحت تلك الحرب تسير في إطار تعقيدات ، وأصبحت عدد من المدن اليمنية تعاني الأمرين على الصعيد الأمني والمعيشي ، وهذه مشكلة كبيرة تنذر بتمزيق الوطن اليمني من خلال صراعات قبلية وحزبية وأطراف أخرى ، يتم استقطابها من فرقاء الحرب في اليمن ، وهذا يضيف أعباء أخرى ويعقد من مسار تلك الحرب وعلى ذلك فإن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لديه خطة للمفاوضات ، ويبدو لي أن اقتناع الفرقاء بأن حسم الحرب أصبح أمرا غير ممكن ، وبأن الضغوط الدولية تزداد ، و لايمكن التساهل في مسار هذه الحرب وخسائرها المدنية المتواصلة ، فإن ثمة أمل في اتخاذ ذلك القرار الذي يضع حدا للحرب اليمنية .

صحيح أن لكل حرب أجندات وخططا استراتيجية ، ولكن من المهم ادراك أن الحروب ونتائجها ليست بالضرورة تحقق الأجندات أو الطموحات ، في صورتها الأولى ، كما أن اليمن الشقيق هو جزء أصيل من شبه الجزيرة العربية ، وهو جزء مهم من الأمن القومي العربي ، وأمنه واستقراره وتنميته سوف يكون مهما وإيجابيا لاستقرار المنطقة وأمنها ، مما يستدعي الإسراع في إيجاد مظلة الحوار من خلال جولة جنيف التي تبدأ غدا ، وبحضور الفرقاء لأن ذلك هو الخيار الذي يخلص اليمن وشعبه من براثن الحرب الحالية .

الحرب ودور الإعلام المؤثر

كما حدث في حرب أفغانستان والحرب في فيتنام وهما نموذجان تقليديان للحروب الطويلة والمعقدة جغرافيا ، فإن الإعلام لعب الدور الحاسم خاصة في وقف الحرب في فيتنام ، وهذا يعود إلى قوة الإعلام الأمريكي وتأثيره الكبير لدى الرأي العام . ومن خلال المتابعة للإعلام العربي والدولي ، فإن تسليط الضوء على الحرب في اليمن وتداعياتها الإنسانية بشكل خاص كان كبيرا وملفتا .

فقد أفردت العديد من الصحف الغربية والأمريكية تحقيقات واسعة لمشاهد الدمار في اليمن ، كما أن التقارير الحقوقية من قبل المنظمات الدولية المعنية ، قد جعلت كل أطراف الحرب في اليمن تشعر بالإحراج ، ومن هنا نشدد على أهمية أن يلعب الإعلام دوره في وقف الحروب في مكان من العالم ، لأن الحروب مهما كانت أهدافها تبقى ذات ضرر بالغ على الشعوب ومستقبلها .

إن الإعلام العربي لابد أن يلعب دوره المحوري في العمل على وقف الحروب ليس فقط في اليمن ، ولكن في كل مناطق النزاع ، في سوريا وليبيا والصومال ، وأن تكون هناك منهجية جديدة في حل الصراعات حيث إن إهدار المقدرات المالية وزرع الكراهية بين الشعوب هي أمور سلبية ، وذات أثر بالغ بين الشعوب والمجتمعات . ومن هنا فإن الصحافة والإعلام يقع عليها الدور الاخلاقي والتنويري للتحذير من مخاطر الحروب حيث إن المنطقة العربية دخلت في حروب مدمرة خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة . الحرب في اليمن حان وقت نهايتها ، ولم يعد هناك متسع من الوقت لاستمرار ذلك الوجع اليمني ، الذي يشاهد على القنوات العربية والدولية يوميا للأسف ، ومن هنا فإن الضمير الإنساني لابد أن يكون حاضرا في هذه المأساة الكبيرة التي حلت بالشعب اليمني الشقيق . الأمل كبير في أن تشهد المرحلة القادمة نهاية لهذه الحرب ، وأن تكون جولة جنيف للمفاوضات بين أطراف الصراع في اليمن غدا ، هي أولى الخطوات على طريق السلام والاستقرار وإطلاق العملية السياسية وأن تكون سمة المفاوضات هي المرونة والتنازلات المتبادلة ، كما يحدث في إطار أية مفاوضات لإنهاء أية حرب لأن أي طرف لايمكنه الحصول على كل شروطه ، بل إن تلك التنازلات المتبادلة هي الإطار الصحيح نحو وقف الحرب ، والانطلاق نحو مسار السلام لانهاء هذا الجرح اليمني الذي آن له أن يتوقف ويلتئم بشكل صحيح .

فالحروب في النهاية هي مأساة كبيرة للشعوب وهي مؤشر علىعجز الانسان عن ابتكار طرق حضارية لإيجاد الحلول السلمية للمشكلات ، ولذا تبقى الحروب ، بكل أنواعها وعلى مدار التاريخ البشري جزءا أصيلا من أنانية الإنسان وحساباته الدنيوية التي لا تنتهي ، وما الصراعات في العالم الآن ، شرقه وغربه ، والمؤمرات المختلفة لتدمير الآخر، سوى جزء من هذه المنظومة الفكرية المدمرة التي تهدر السلام والاستقرار والتنمية لشعوب العالم .