أفكار وآراء

تقارير المنظمات الدولية .. لمن ولماذا؟

02 سبتمبر 2018
02 سبتمبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

على الرغم من ردات الفعل العنيفة التي تثيرها هذه التقارير، وموقف الدول التي يكتب عنها، إلا أن هذه التقارير لا تتوقف، ولا يزال رعاة هذه المنظمات؛ غير الحكومية ؛ على وجه الخصوص يواصلون نشاطهم الإخباري عبر هذه التقارير، والسؤال الختامي: من يمول هذه التقارير، إذا كانت جل التقارير لا يكون لها صدى طيب من الدول المعنية بها؟

يسجل التاريخ الإنساني أول تقرير موجز مفحم بالأدلة والدلالة، هو ما نقله طائر الهدهد للنبي سليمان عليه السلام (جئتك من سبأ بنبأ يقين) ويسترسل الهدهد في تقريره أمام الحضرة النبوية للنبي سليمان، حتى يصل إلى آخر ما جاء في التقرير، ويرد عليه النبي سليمان للتيقن والتأكد؛ قبل أن يتخذ القرار النهائي الذي لا ظلم فيه، ولا شطط، ولا مجازفة (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) والقصة بكاملها معروفة لكل من يقرأ كتاب الله العزيز “القرآن الكريم”.

تقودنا هذه الحادثة أو الموقف الى الحديث عن التقرير، هذا النشاط أو الممارسة الخبرية الإعلامية بشموليتها الواسعة والكبيرة، لما تحتويه من معلومات، وما تتضمنه من أجندات: سواء سياسية، أو تنموية، أو توعوية، أو توجيهية لقيادة الرأي العام نحو موضوع بذاته، فعلى أثرها سوف تتخذ مواقف، وتترسخ قناعات، وقد تنشأ خطط وبرامج، وقد تصل الى ذروة تجهيز قوافل عسكرية، أو قطع علاقات، أو مناصرة هذا على ذاك، وهذا كله يرتكز على محور مهم، وهو صدق هذه التقارير وعدم مجانبتها للحقيقة، أو كذب هذه التقارير، ومجانبتها للحقيقة، ومن هنا نقرأ قول الحق سبحانه وتعالى في قول سليمان: (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) ومن هنا فقط تتمحور مناقشة هذا الموضوع، وهذا الأمر “التمحيص والتدقيق” في شأن التقارير التي ترفع، سواء على المستوى الدولي، أو على المستوى المؤسسي في الدولة الواحدة، أو على المستوى الفردي في وسط أية علاقة تكون: علاقة أسرية، أو علاقة صداقة ، أو علاقة مجتمع في زواياه المختلفة، يجب أن يظل الصدق من كاتب التقرير المحور المهم، ويجب أن يكون التدقيق والتمحيص من المنقول إليه التقرير أيضا المحور المهم، لأن الهدف هو السعي نحو الصلاح، ونحو إصلاح الثغرات، ونحو شيوع العدالة بين مجموعة المتعاملين في ذات الموضوع.

في النظام المؤسسي هناك تقارير مستمرة ترفع وتعرض، ويحتكم على ما يكتب فيها، ويكون مستوى الخطر؛ ربما ؛ أقل حدة، لأن النظام المؤسسي؛ وعلى مستوى المؤسسة الواحدة ؛ غالبا ؛ ما يعيد بناء نفسه بنفسه ، من خلال وسائل متعددة ، ويظل مجتمعا صغيرا يمكن تدارك أخطاء أفراده ؛ في حالة حدوثها؛ ولكن عندما يتجاوز التقرير ذات المؤسسة ، هناك تكون فداحة الأخطاء كبيرة، ونتائجها أخطر، وما ينطبق على المؤسسة؛ في هذا المثال؛ ينطبق على الدولة في المجتمع الدولي، ولذلك نقرأ؛ بشكل يكاد يكون شبه يومي؛ أن الدولة الفلانية تستنفر أجهزتها المختلفة للرد على تقرير المنظمة الفلانية التي أساءت التقدير في تقريرها، واعتمدت على معلومات مغلوطة، وإحصائيات غير حقيقية، ومصادر معادية، في الاعتماد على تقريرها، وتسرعت في نشره على الرأي العام العالمي، لأن في ذلك تشويه للسمعة، وإضرار بمصالح الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبذلك تضج القنوات الفضائية ذات البرامج الحوارية بالاستضافات من كل الطرفين، هذا يؤكد، وآخر يدافع، حتى تتقادم الحادثة في دولة ما، وتنشأ أخرى في دولة ثانية، وهكذا تتوالى التقارير الدولية، بعضها مرحب به، والأكثر منها يلاقي ردات فعل شديدة وعنيفة، وقد تؤدي الى قطع العلاقات، ووقف جميع التعاملات بين الدولة، وبين المنظمة الدولية معدة التقرير، وقد يؤزم الموقف السياسي بين الدولة المكتوب ضدها التقرير وبين دولة أخرى يشار إليه “بطرف خفي”.

تفرض بعض الأسئلة حضورها هنا، ومن ذلك: ما مدى مراعاة “الاستقلالية وإجراء التحقيقات الميدانية والمقابلات مع مسؤولين وشهود عيان لكافة الأطراف بحيادية” عند إعداد مادة التقرير؟ وهل المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان – على سبيل المثال - تلقى الترحيب لدى المنظمات الدولية الحكومية ؟ ومن المستهدف من التقارير الدولية، ولماذا هي للرأي العام أيضا، وليس فقط لأصحاب الاختصاص؟ وهل تنظر هذه التقارير؛ في مناطق النزاع ؛ إلى الأطراف المسلحة بعين واحدة ، أم أنها تخضع هي الأخرى لأجندات سياسية توحي أمام الجمهور العام أنها تلتزم الحياد؟ وما هو دور الأطراف التي تسلط عليها التقارير الدولية ؟ هل ترجع الى ميادينها للتحقق من مزاعم هذه التقارير، أم أنها تسعى الى تبرئة نفسها، واتهام من قام بكتابة هذه التقارير؟ والى أي حد يستطيع المجتمع الدولي أن يقتنع بما يجيء في هذه التقارير من معلومات وانتهاكات في حق الطرف الآخر، وهل يكون في موقف المستمع فقط، وليس الواقف على حقيقة الموقف؟ وماذا باستطاعة المنظمات الدولية المتبنية لهذه التقارير أن تقدم أكثر للمجتمع الدولي أكثر من هذه المعلومات الواردة في التقارير؟ والسؤال الختامي: ما هو الأثر الذي تتركه هذه التقارير على الواقع أكثر من إثارة البلبلة الكلامية ، ما تلبث أن تخفت بعد فترة من الزمن؟

تنبئ هذه الحالة المتكررة في التقارير الدولية التي تعدها المنظمات الحكومية وغير الحكومية عن صورتين، الأولى: أن المعلومات التي يتضمنها التقرير غير صحيحة، وبالتالي فهذا التقرير مدسوس من جهة معادية لتك الدولة المعنية ، وهذا ما يستنفر الدولة التي كتب عنها التقرير.

الثانية:أن المعلومات التي يتضمنها التقرير صحيحة، ولكن الدولة المعنية به لا تريد أن تعترف بارتكاب الأخطاء سواء في حق مواطنيها، أو حتى لا تربك علاقاتها بالمجتمع الدولي الذي يطالبها بالنزاهة والحكمة، وحقوق المواطنة العادلة.

في كلا الصورتين لا بد من دراسة حال المنظمة المعدة للتقرير، ونزاهتها، ونقاوتها من أنها تحمل أي أجندة سياسية خاصة ، تريد أن تستغلها أو تستفيد منها؛ بصورة أو بأخرى، أو أنها تعمل لأطراف أخرى يهمها زعزعة الأمن والاستقرار في الدولة التي يتحدث عنها التقرير.

فهناك من يصف هذه التقارير في عموميتها بـ”الانحياز وعدم الحياد وعدم احترام المعايير المرتبطة بطلب رأي الدولة المعنية أو الاستناد على شهادات لا يمكن الاعتماد عليها” ويرى آخرون – في شأن التقارير التي ترفع عن مناطق النزاعات العسكرية: “أن المنظمات الدولية لا تقدم أدلة وإنما ادعاءات ومزاعم على أنها جرائم حرب، وهي تؤكد ذلك، وعلى أطراف النزاع أن تحقق في مثل هذه التقارير، ولا يجب ان تتبنى النفي دون أن تقوم بالتحقيق “.

لعل ما يثير حفيظة الدول التي تكتب عنها تقارير دون علمها، هو نشر نتائج التقارير على الرأي العام العالمي من ناحية، وربما؛ لا يشرك من الدولة ذاتها أحد في التأكد من مجمل البيانات والإحصائيات قبل نشرها من ناحية ثانية؛ وفوق ذلك يلاحظ أن بعض التقارير تتحدث عن نسب مرتفعة على طرف واحد، وهذا ما يسمها بشيء من عدم المصداقية، فليس هناك من يحدد توجهات هذه التقارير على وجه الدقة إلا صانعوها فقط ، وهم الذين يعتمدون على شهود العيان أكثر ، وهذا لا يكفي للاتكال على هذه المعلومات لإقناع الرأي العام المحلي أولا في ذات الدولة، والرأي العام العالمي ثانيا، لأن ما يحدث أن هناك تباينا في الأرقام بين ما تتكئ عليه المنظمة في تقريريها، وبين الأرقام التي تتكئ عليها الدولة التي صدر في حقها هذا التقرير، خاصة عندما يدوّل الموقف، وقد يصل الى منصات المحاكم الدولية.

تسجل قاعدة البيانات لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للامم المتحدة في قاعدة بيانات المنظمات غير الحكومية بفرع المنظمات غير الحكومية للأمم المتحدة في نيويورك أنه “في الوقت الراهن هناك (4862) منظمة غير حكومية تحمل الصفة الاستشارية” وهذه المنظمات غير الحكومية تشهد نشاطا أكثر في إعداد التقارير الدولية المختلفة، سواء من مناطق النزاع، أو عند الدول الأخرى، وهي التقارير التنموية المختلفة، او تلك التقارير المختصة بحقوق الإنسان، والسؤال: ما هو مستوى الرقابة الذي تمر به هذه التقارير قبل نشرها على الرأي العام، وهل تقبل المنظمات الحكومية هذه التقارير هكذا على علاتها دون تمحيص؟

الملفت للنظر هنا؛ هو أنه على الرغم من ردات الفعل العنيفة التي تثيرها هذه التقارير، وموقف الدول التي يكتب عنها، إلا أن هذه التقارير لا تتوقف، ولا يزال رعاة هذه المنظمات؛ غير الحكومية ؛ على وجه الخصوص يواصلون نشاطهم الإخباري عبر هذه التقارير، والسؤال الختامي: من يمول هذه التقارير، إذا كانت جل التقارير لا يكون لها صدى طيب من الدول المعنية بها؟