111556
111556
الاقتصادية

«التوافق مع العمل» .. بين النظرية والتطبيق

31 أغسطس 2018
31 أغسطس 2018

كتبت: خلود الفزارية -

نظرية التوافق مع العمل ليست حديثة العهد، فقد تم تطبيقها كثمرة لأكثر من 35 عاما من البحوث التي قام بها كل من رينيه داويز ولويد لوفكيست وزملائهما، وعكست نتائجهما منهج جامعة مينيسوتا، التي تطورت فيها البحوث بعد عدد غير يسير من التنقيحات والتحسينات النظرية، وتم تصميم مشروع التوافق مع العمل لتوفير خدمات إعادة تأهيل محسنة للعمال الذين يواجهون صعوبات مهنية.

وقدمت جامعة مينيسوتا، تقييما مهنيا للبالغين، وتم تصميم وحدة أبحاث لعلم النفس المهني لتطوير وتسجيل الاختبارات والمخزونات التي تشكل جزءا من نظرية التوافق مع العمل، تم تخصيصها لتلبية احتياجات التأهيل المهني، ثم أصبحت النظرية قابلة للتطبيق على الذين يرغبون في اتخاذ خيارات وظيفية أو أولئك الذين يعانون من مشاكل التكيف مع العمل.

تتكون نظرية التوافق مع العمل من 18 مقترحا تستند إلى الأبحاث التي قام بها هيسكيث فايس في عام 1968، ولوفكيست في عام 1964، وتم تعريف النظرية على أنها «تقديم عامل مساعد يسعى لتحقيق عملية توافقية مع بيئة العمل».

وتأتي أهمية النظرية مع القلق المتزايد أثناء شغل وظيفة جديدة والتخوف من الأداء، ويميز نظرية التوافق مع العمل عن النظريات الأخرى كونها تتعلق بالاختيار الوظيفي أو كما وصفها هيورس بالأداء الوظيفي، معتمدة على عنصرين رئيسيين، وهما التنبؤ بالعمل لتكون راضيا للقيام به، وإيجاد بيئة تنافسية للعمل.

ويشير مصطلح «الإرضاء الوظيفي» إلى الرضا النفسي عن أداء الفرد، الذي يتحقق بتلبية احتياجات الفرد ومتطلباته وعادة ما يتعلق ذلك بقبول الآخرين لنتائج العمل المكلف به، والذي يحقق المصلحة الوظيفية.

كما يجب الاهتمام بعنصر آخر غاية في الأهمية وهو الصحة النفسية للموظف، ليحقق الإرضاء الوظيفي وهو جانب مرتبط بالعديد من الجوانب مثل الراتب وطبيعة العمل التي ترتكز بشكل أساسي على العمل، ومع ذلك فإن النظرية تهتم أيضا بمؤشرات الارتياح والرضا الأخرى، بما في ذلك مدى الدوران الوظيفي، والتغيب عن العمل، والتأخر في العمل، والمعنويات المحفزة للعمل ، وتتيح جميع هذه الجوانب الإنتاجية المرضية في جو من التوافق مع بيئة العمل الاحتياجات المطلوبة والمهارات اللازمة لمتطلبات مهارات العمل والاحتياجات الشخصية للموظفين.

وإذا ما دققنا في النقاط السابقة وجدنا انها جميعا تشكل «جوهر الوظائف»، فضلا عن المهارات المطلوبة في مختلف الحقول، ومواجهة التحديات، وقد تطرق لوفكيست إلى مفهوم القدرات، الذي يجمع بين العناصر المطلوبة في العديد من النصوص، وعلى نفس المنوال، تقوم مقترحاته على تجميع الاحتياجات معا.

وتناقش النظرية الكثير من المخاوف لتقيس الغموض وتحدد القيم المطلوبة، ويعتمد ذلك على العمل على أنماط الشخصية والمصالح العامة التي يتم تحديدها من خلال التجربة، ولم تكن حينها على تلك الدرجة من التطور كعملها في العلاقات أو الاهتمامات المحددة، وهي انعكاس لقيمة القدرة في وصف نظرية التوافق مع العمل، ولكنها تستخدم مفاهيم محددة بوضوح وتتبع ذلك بنماذج مدروسة.

تبدأ نظرية التوافق مع العمل بتقييم القدرات، وقد استخدم أوفكويست نظرية اختبار البطارية كمقياس للقيم كما قام بتطوير المتابعة الميدانية بإنشاء قسم لجولات العمل، وقد دعمته جامعة مينيسوتا، لما للأمر من أهمية لفهم نظرية التوافق مع العمل، وتم تحديد نمط الشخصية، بالنظر في المصالح على أنها تعبير عن القدرات.

كما تمت مناقشة مكونات نظرية التوافق مع العمل لأبيليتيز ولوفكيست على أنها قدرات ذات «أبعاد مرجعية للمهارات»، ينظر إليها على أنها تشمل القدرات، وهي المهارات المتوقعة، على نقيض المهارات المكتسبة، وبالنسبة لدويس ولوفكويست، هناك حاجة إلى القدرات غير النادرة للوصول إلى مجموعة واسعة من مهارات العمل، يمكن أن تشمل الكتابة، والانتظار على الطاولات، وإدارة الأدوات أو المحركات والخشب والجص، وبيع وثائق التأمين، وغير ذلك المئات وربما آلاف من هذه المهارات، تقيس اختبارات التحمل والعوامل المشتركة بين هذه المهارات، حيث تقيس العديد من اختبارات القدرة على التحمل، ويصف داويز وزارة العمل الأمريكية، ببطارية اختبار الكفاءة العامة وهو مقياس يستخدم على نطاق واسع من قبل وكالات الإرشاد في مجال العمل، وصحتها التنبؤية.

وهناك أمثلة على البحث والتطوير الحالي بوظائف الولايات المتحدة، ونسخة جديدة من القانون، يحدد القدرة على التكيف، كما أن هناك نماذج متنوعة عن نظرية العمل، وهي مشابهة جدا لمقترحات النظرية، حيث تقيس تسع قدرات محدد وهي: القدرة العامة على التعلم، والقدرة اللفظية، والقدرة العددية لكومبوتاريوم، والقدرة على أداء الحسابات الأساسية، والقدرة على استخدام المهارات الرياضية والمنطقية، والقدرة على حل المشكلات في العمل، واستخلاص مهارات جمع وفرز المعلومات.

أما القدرة الفلكية فتشمل كل من الكلمات والأرقام كتنسيق المحرك، والقدرة على تنسيق حركات اليد مع الإدراك البصري، وإصبع البراعة لنقل الأجسام الصغيرة بسرعة وبدقة في استخدام اليدين والذراعين، والتعامل مع الأشياء بسرعة وبمهارة فائقة.

ويمكن استخدام اختبارات القدرة الأخرى على أن تكون نظرية ضبط العمل متسقة ولكن هذا القانون هو الأكثر عملية لأن المعلومات متوفرة للمستشارين لاستخدامها في وظائف مطابقة للقيم الفردية.

وبصفة عامة، فإن القانون يدمج القدرات المطلوبة لكثير من الوظائف ويقيس قاعدة أوسع من القدرات الأكاديمية، ويمكن للمرء أن يتوقع أن يكون كهربائيا على سبيل المثال، عن طريق قياس (ملامح القدرة) وحساب مهارات العمل المتوفرة لديه.

فالبيئة المهنية تتطلب مهارات دقيقة، لممارسة العمل بطريقة مشبعة من الكفاءات المهنية والشخصية، ويمكن تعزيز ذلك بتطوير وتحسين الأداء من خلال إزالة الحواجز المحتملة وتوفير الخدمات الملائمة والممارسات الأخلاقية باستباط منهجيات البحث اللازمة للمساهمة في خدمة المجتمع.

والقيم الأخلاقية تعزز أهمية النظام، كما أن محاولة الخروج من الأفكار العامة يؤدي إلى الإبداع، فتطوير الأفكار يجعل العمل أكثر كفاءة بالإضافة إلى ضرورة عدم إهمال المبدأ التوجيهي، لأن الخبرة في العمل تصقل الكثير من المهارات وتساعد الموظفين الجدد في اتخاذ القرارات الخاصة بهم، ومن ثم تؤدي إلى الرضا الوظيفي في المهن المختلفة، والاعتراف بالعمل الذي يقومون به.

ومن جانب آخر فإن نمط الشخصية هو قدرات فردية تتفاعل مع القيم وقد تم تحديدها في أربع خصائص شخصية وهي: الإيقاع، والقدرة على التحمل، والسرعة، والاجتهاد، فالوقت يقترن بالسرعة مع الجهد الذي ينفقه الفرد في العمل، والإيقاع هو التحمل والتكيف مع المهام المنوطة بالفرد.

وكأحد الأمثلة التي يمكن أن نسوقها وقد ذكرت في كتب نظريات العمل، فإن إحدى النساء العاملات في الولايات المتحدة المريكية تقول إنها عندما كانت طالبة في المدرسة لم تستطع أن تلتحق بدورات عملية في التسويق، فالدورات كانت متاحة للذكور، وكانت تعلم برغبة والدتها لأن تكون سكرتيرة، وكانت تعيش في حالة من التشتت لأنها لم تكن تحمل تلك المؤهلات أو القدرات، ومع ذلك فقد التحقت بالعمل برغم أنها لم تكن تعرف كيفية كتابة القوائم الوظيفية، وتمكنت من الانخراط في العمل بعد أن حددت ما تريد وما كانت تستطيع القيام به بدعم من زوجها وأحد الاستشاريين، فالإنجاز هو المطلوب.

وقام محللون في الولايات المتحدة بتقييم الأفراد العاملين في المهن التي خضعت لقانون نظرية التوافق مع العمل، وتم اختيار مجموعات خضعوا للدراسة حددوا وظائفهم بنجاح، فالنظرية من خلال الدراسة بدت ناجحة من خلال تقييم القدرات وتحديد الإمكانات الكافية.

ووضع الباحثان لوفكويست وداويس قائمة من قيم الأنماط لتقييم مدى تعزيز القيام بالعمل، من خلال الوصف الوظيفي بإشراف جامعة مينيسوتا.

وبينت النتائج احتياجات الفرد التي تتماشى مع المعززات التي تقدمها العديد من المهن بعد التقييم، وتم وضع جداول معنية بتوثيق التصنيفات ضمن جدول زمني مقابل الخدمة الاجتماعية، بمساعدة عدد من الاستشاريين للموظفين الخاضعين للاختبار.

وفي نهاية المطاف خلصت التجرية إلى ضرورة تكوين صداقات أثناء العمل، وتجنب السخرية، فضلا عن تعريف الموظفين بالقيمة الأخلاقية، والخطأ الأخلاقي.

وبشكل عام نظرية التوافق على العمل ربما تكون بحاجة إلى اهتمام أكبر من جانب النساء، فالحاجة إلى التوسع والتكيف على حد سواء ينبغي مراعاتهما للمرأة لتمكينها ودعمها، لأن القضايا التي تتعرض لها المرأة متشعبة أكثر من قضايا الرجل، لذلك ينبغي التشديد على جانب التأسيس، ومن ثم التعامل مع العوائق بمختلف أنواعها، لتحقيق النجاح والارتياح.

وهناك إرشادات خاصة لمن يرغب بتنمية قدراته أهمها محاولة التعبير عن الأفكار والمشاعر لجهات موثوقة تساعدهم على تنمية قدراتهم وتحديد ما هو ملائم لهم.

كما يمكن أن يلجأ هؤلاء الباحثون عن التنمية الذاتية إلى المستشارين الذين قد يكونوا سندا لهم، من خلال تقديم البيانات، أو المساعدة في إيجاد القدرات والاهتمامات ، وتوفير بحوث ودراسات لعينات سابقة، قد لا يستطيع إيجادها بنفسه، وتكون الإجراءات والخطوات فاعلة ومرضية من بعد مناقشة النتائج.

ولكي يقوم الموظف بإعداد نفسه للوظيفة يجب أولا أن يراعي الاستجابة الداخلية التامة لديه للعمل، ثم حاجة سوق العمل، والحصول على درجات التعليم العالي قد تساعد هذا الموظف على التكيف مع تخصصه، بالتهيئة الذاتية للمهنة الجديدة، فالتنمية المهنية ظاهرة مستمرة على مدى مراحل الحياة، لا تتوقف في أي فترة زمنية خلال العمل، وينبغي أن يكون ذلك من مراحل دراسية مبكرة، كأن تقوم المدرسة باستعراض المواهب الطلابية، وتهيئتهم لمعرفة دواخلهم، لبذل الجهود فيما بعد لتنميتها، ومواصلة العمل في المجالات التي يختارها الطلبة أنفسهم دون ضغط من الأسرة أو أي طرف آخر.

وبعد ذلك يكون من السهل دمج خبرات الطلبة بسوق العمل ومتطلباته، بمناقشة التحديات والمشاكل التي يواجهونها في وظائفهم، ويمكن تدوين ملاحظاتهم ليكون من السهل التعريف بتجاربهم لتكون مثالا للآخرين.

فالإرشاد الوظيفي من أولويات الطلبة التي ينبغي أن يعملوا بها، من خلال المشورة المهنية والتخطيط لحياة عملية ناجحة وتوفير المهارات التي يتطلبها سوق العمل والاطلاع على نتائج التطوير الوظيفي السابقة ومتطلبات سوق العمل، والنقطة الأهم هي الثقة بالنفس وتحقيق الذات.

أما تقييم أنماط القدرات المهنية، فيتم تقييم الفرد والمهنة في جامعة مينيسوتا بنظام التصنيف الاحترافي في التقرير، وهو يقوم على تحديد قوة المراسلات مع تصنيف آخر لأهميته لدى البعض، كما تمت مطابقته من خلال مؤشر آخر وهو المؤشر «P»، الذي يقوم على احتمالية الارتباط، ويمكن للموظف والمستشار أيضا أن يتطابقا مع درجات القدرة باستخدام أنماط المهن أو النظام المهني.

وهناك مشكلة متكررة هي أن الفرد يمكن أن يواجه صعوبة في المنزل لتحديد الاستقلال الذاتي فيناقش الشخص الذي يسعى إلى الاستقلالية المشرف أو ينظر إلى المعززات خارج بيئة العمل كالقيام بالهوايات والعمل بدوام جزئي أو العمل التطوعي.

كما أن هناك صعوبات تواجه المستشار كتخوف الموظف من التقاعد وعدم المقدرة على الانخراط في الأنشطة، ويمكن الاستعانة بكتيبات عن الأنشطة المقترحة في هذه الحالة.

إن مفهومي الانقسام والرضا، يمكن تطبيقها على التكيف التربوي وتحفيزا للطلبة الموهوبين الذين يبلغون من العمر 13 عاما، فقد قام الخبراء بفحص المعززات التعليمية للمراهقين، وشرحوا كيف يتمكن هؤلاء الشباب من اتخاذ قرارات تربوية في سن مبكرة بالإشارة إلى المفاهيم الأساسية لنظرية التوافق مع العمل.

ففي دراسة شملت مراهقين من أعمار 13 عاما على مدى 20 عاما، وجد أصحاب النظرية أن التكيف مع العمل نظرية تحفيزية ومفيدة في فهم الخيارات التعليمية.

وكان هناك دور واضح لأدوات التقييم تم استخدامها بغض النظر عن تقديم النصائح من قبل المستشارين التي أولت أهمية أخرى لاستخدامها الوصف الوظيفي وقد وضعت أدوات لاختبار نظرية مينيسوتا من خلال الاستبيان.

إن نظرية التكيف مع العمل يمكن أن تعالج التمييز على أساس العرق، كما أن احتياجات العمل يمكن توسيعها لتشمل البيانات التي تعالج المشرفين بإيجاد بيئة جيدة، فضلا عن الترقيات التي تقوم بها سياسات الشركة خاصة، وهناك عدد من الموظفين خضعوا لتقييم نظرية التكيف مع العمل وكانوا أمريكيين من أصل أفريقي وأشاروا أن التحديات التي تواجههم تتلخص في العمل المزدحم والاستقلالية والتعويض والأمن.

ونظرية التوافق مع العمل يمكن أن تكون مفيدة في مساعدة المرأة في نهج للتطوير الوظيفي، ويجب على المستشارين تحديد احتياجاتهم وقيمهم الخاصة، والوعي باحتياجاتهم وقيمهم التي تساعدهم على فهم التأثير الذي يمكن أن يكون في جلسة المشورة، كما يجب أن يكون المستشار قادرا على تحديد نوعية الموظف الذي يتعامل معه. وعلى سبيل المثال، إذا كانت لدى المستشار الحاجة العالية للخدمة الاجتماعية فإنه يمكن أن يعيد تشكيلها بإيجاد التوازن، والتعزيز في المسؤولية، مما سيساعد المستشار على أن يكون أقل إحباطا وأكثر فعالية.

وبحسب لوفكويست وداويز فإنهما غير مؤمنين بأنه من الضروري أن يقوم المستشار بتحديد القدرات الأساسية للقائمين بالتنفيذ من أجل الموظف، بحيث يمكن تقديم المشورة الفعالة له.

وتركز النظرية على التنبؤ بالتكيف مع العمل من خلال القدرات والقيم والتعزيز واستمرار التدريب على وظيفة معينة، كما أن تداعيات النظرية لها آثار ليس فقط على اختيار المهنة ولكن أيضا على عدد كبير من حالات المشورة الأخرى في التكيف الوظيفي ومشورة التقاعد.

وختاما علينا أن نعي بأن نظرية التوافق مع العمل، يحتاجها أي عامل في مختلف القطاعات المهنية حيث يتوجب عليه في البداية التحلي بالصبر والتهيئة النفسية للاندماج مع عمله الموكل إليه فضلا عن الكفاءة التي يحتاجها برفع مهاراته والارتقاء بها في أرفع المستويات وأرقاها؛ ليكون أهلا لما أوكل به وليستمتع بالعمل ولا يكون مجرد آلة ينهي ما يطلب منه.

وكل ذلك لا يتم إلا بتقييم القدرات والقيم والشخصية والمصالح العامة، وقياس متطلبات وأوضاع المهن المختلفة، والتطابق بين القدرات والقيم، والتعرف إلى معززات الإرشاد الوظيفي، والتكيف مع التقاعد، ومتابعة التطورات الجديدة أولا بأول، بالإضافة إلى الإلمام بأدوات التقييم، ودورالمعلومات المهنية، وتطبيق النظريات المتعلقة بالمرأة والمسائل المتنوعة ثقافيا، وقضايا المستشارين.