أفكار وآراء

النازيون الجدد والشعبويون يثيرون القلق في ألمانيا

31 أغسطس 2018
31 أغسطس 2018

سمير عواد -

لا يُعتبر “غزو “ ولاية “زاكسن” في ألمانيا الشرقية – إذا جاز التعبير - من قبل النازيين الجدد مفاجأة للعديد من المراقبين، فهذه الولاية أصبحت منذ فترة مأوى لليمين المتطرف الألماني، ومن أبرز المؤشرات والدلائل على ذلك، كون عاصمتها مدينة “دريزدن” المكان الذي تأسست فيه حركة “باجيدا” العنصرية عام 2014 بعد عام واحد فقط على تأسيس حزب”البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي. وقد انتشرت أخيرا في أنحاء العالم صور مسيرات النازيين الجدد في مدينة “كمنتز” الواقعة في هذه الولاية والتي أصبحت مكانا خطيرا على حياة اللاجئين والمواطنين من أصول مهاجرة، وعلاوة على ذلك فإن شرطتها متهمة بالتعاطف مع النازيين الجدد، وبرأي المراقبين فإن هذا ليس جديدا، فهناك تاريخ طويل لارتباط بعض العاملين في الشرطة باليمين المتطرف ولعل آخر دليل عقب الأحداث الدامية في مدينة “كمنتز”، أن النازيين الجدد حصلوا على نسخة من مذكرة الإيقاف التي صدرت بحق لاجئ عراقي متهم بقتل المواطن الألماني “دانييل” الذي استغل النازيون الجدد مصرعه يوم الاثنين الموافق 27 أغسطس 2018 ليثيروا الأمور رأسا على عقب ويضعوا حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام تحديات جسام وهي تحكم ولايتها الأخيرة حسب تأكيد المراقبين.

وتجدر الإشارة إلى أن عودة النازيين إلى مسرح السياسة الألمانية بعد عقود على انتصار الحلفاء الأربعة “الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفييتي، بريطانيا وفرنسا” على الزعيم النازي أدولف هتلر ودفعه إلى الانتحار واستسلام ألمانيا في 8 أبريل عام 1945، كانت مسألة تتعلق بالوقت فقط. ومع تأسيس حزب “البديل من أجل ألمانيا” وظهور حركة “باجيدا” وتركيزهما على استقطاب المؤيدين عبر التحريض ضد اللاجئين والإسلام وفي هذه الأثناء أصبح الحزب المذكور ثالث أكبر حزب في ألمانيا وممثل في عشر ولايات ألمانية إضافة إلى البرلمان الألماني “بوندستاج” منذ 24 سبتمبر 2017، ومرشح قوي ينافس الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الفوز بالسلطة في ولاية “زاكسن” في العام القادم، الأمر الذي جعل بعض المسؤولين في حزب ميركل في ولاية “زاكسن” التفكير بإمكانية التحالف مع الحزب الشعبوي حتى لا يفقدوا السلطة في هذه الولاية وتُصبح أول ولاية يحكمها الشعبويون الألمان. ونشرت صحيفة “دير تاجيس شبيجل” كاريكاتير ظهر فيه هتلر وهو يستحم ويقول: إذا عدت إلى الحياة سوف ادعو إلى مؤتمر في مدينة “كمنتز”. ولعل هذا أبرز دليل على أن المدينة المذكورة أصبحت منذ فترة بأيدي النازيين الجدد.

ولم تكن ألمانيا لتصل إلى هذا الوضع حيث يهدد الشعبويون السيطرة على السلطة في إحدى ولاياتها ثم الزحف إلى برلين حيث يأملون بأن يكونوا شريكا للاتحاد المسيحي عند تشكيل حكومة تخلف حكومة ميركل في الانتخابات العامة التي ستجري في عام 2021. والملاحظ هو عدم وجود فرق يُذكر حول الشعارات التي تروج لها حركة “باجيدا” العنصرية وحزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي. وقد ثبت ذلك عقب أحداث مدينة “كمنتز” حيث أدان الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والمستشارة الألمانية ميركل ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أعمال العنف والشغب التي قام بها النازيون الجدد، إضافة إلى أحزاب المعارضة مثل حزب الخضر والحزب الليبرالي وحزب اليسار، لكن قادة حزب “البديل من أجل ألمانيا” أعربوا عن تفهمهم لمطالب من وصفوهم بالمواطنين القلقين، أي الخائفين على هيمنة اللاجئين والمهاجرين وخاصة المسلمين على وطنهم. ويرى المراقبون أن هذا الموقف عبارة عن أسلوب رخيص لكسب المتطرفين اليمينيين في ألمانيا الشرقية كناخبين في المستقبل القريب. وأوضحت عملية استقراء للرأي أن معظم ناخبي حزب “البديل من أجل ألمانيا” يتفهمون موقف النازيين الجدد، الأمر الذي يؤكد أن هذا الحزب أصبح في غضون سنوات، مأوى للعنصريين الألمان. وفي المقابل تجد الأحزاب التقليدية الكبيرة صعوبة بالغة في إيجاد وصفة ناجعة لإضعاف الحزب الشعبوي واستعادة ناخبيها الذين تخلوا عنها وأصبحوا يؤيدوا الشعبويين مما جعل الحزب الشعبوي يفرض نفسه على مسرح السياسة الألمانية. وبحسب المراقبين كان حزب”البديل من أجل ألمانيا” على وشك الاندثار بعد وقت قصير على تأسيسه، لولا اتخاذ ميركل في سبتمبر 2015 قرارا بالسماح لمئات الآلاف من اللاجئين دخول الأراضي الألمانية بدون وثائق سفر، الأمر الذي كان ولا يزال، ورقة انتخابية بالنسبة لهم، لأنهم استغلوا الوضع ليحرضوا الشعب الألماني على اللاجئين متهمينهم بجلب الإرهاب والأمراض إلى ألمانيا.

ويشعر هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني بقلق بالغ على سمعة ألمانيا في الخارج، وهو ما أكده في الكلمة التي ألقاها أمام السفراء الألمان في الخارج عندما وصف الاعتداءات التي وقعت في مدينة “كمنتز” بالعار. وفي هذا السياق ندد الأمير الأردني زيد رعد الحسين المفوض السامي لحقوق الإنسان بأعمال العنف المفرط التي شهدتها مدينة “زاكسن” وقال أنه لا ينبغي السكوت على أشخاص استغلوا الوضع للاعتداء على مواطنين أجانب أبرياء. وطالب المسؤول الأممي السياسيين الألمان بإدانة الاعتداءات واتخاذ ما يلزم لتفادي تكرارها. وهذا دليل على أن اليمين المتطرف في ألمانيا أصبح تحت مجهر العالم. فقد شكا الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير أخيرا من أنه تلقى اتصالات من نظرائه في الخارج أعربوا فيها عن قلقهم حيال ما تشهده ألمانيا من عنف ضد اللاجئين والمواطنين من أصول أجنبية. ومما يزيد الطين بلة، أن بعض الخبراء الأمنيين في ألمانيا، يخشون انتقال الأحداث التي شهدتها ولاية “زاكسن” إلى مناطق أخرى في ألمانيا ، بسبب وجود جماعات يمينية متطرفة تمارس نفس النشاطات وتشارك المتطرفين في “زاكسن” نفس التوجهات، ويؤكد ذلك سفر آلاف المتطرفين اليمينيين الألمان إلى مدينة “كمنتز” بعد مقتل المواطن الألماني “دانييل” الذي استغله اليمين المتطرف لإشعال ثورة ضد النظام في ألمانيا. فقد أعلنت حركة “من أجل كمنتز” المتطرفة التي أشعلت نار النزاع في المدينة بالتعاون مع حركة “باجيدا” وحزب” البديل من أجل ألمانيا”، تنظيم مسيرات جديدة تستقطب النازيين الجدد من مختلف أنحاء ألمانيا. وقد أعرب الاقتصاد الألماني عن خشيته خسارة الولاية مكانتها كموقع للاستثمار وهذا ينطبق بصورة عامة على ألمانيا الشرقية حيث الاستثمارات الداخلية والخارجية تتركز على مواقع استثمار في الشطر الغربي فقط. هذه صورة كئيبة لألمانيا في صيف 2018.