أفكار وآراء

المواجهة الأمريكية الروسية إلى أين؟

29 أغسطس 2018
29 أغسطس 2018

‎عبد العزيز محمود -

‎بالعقوبات الجديدة التي فرضتها الإدارة الأمريكية ضد روسيا، وإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده لن تغير سياساتها الإقليمية والدولية، يبدو أن العلاقات الأمريكية الروسية تمر بأسوأ مما كانت عليه إبان الحرب الباردة بين عامي ١٩٤٧ و١٩٩١.

‎فالعقوبات الجديدة التي بدأ سريانها يوم ٢٧ أغسطس الجاري وتشمل حظر توريد الاسلحة والتكنولوجيا الأمريكية والقروض الى روسيا، بذريعة محاولتها تسميم جاسوس سابق وابنته بغاز الأعصاب في مدينة سالزبوري البريطانية هذا العام ، تندرج بالفعل في اطار الحرب الاقتصادية.

‎وهي تأتي في إطار سلسلة من العقوبات الأمريكية التي بدأت في يناير عام ٢٠١٧ واستهدفت ٢١٧ من المسؤولين ورجال الاعمال والشركات الروسية، منها ١٤ بنكا و٢٠ شركة طاقة، بهدف اجبار روسيا على تغيير سياساتها في أوكرانيا وسوريا وحيال إيران ووقف محاولاتها “ المزعومة” لعرقلة الديمقراطيات الغربية.

‎والمؤكد أن هذه العقوبات تكلف روسيا مئات المليارات من الدولارات، بعد أن تسببت في ابطاء نموها الاقتصادي، وخفض الاستثمار الأجنبي المباشر، وتأخير تنفيذ مشروعات كبرى للطاقة، وتقييد صادراتها من السلاح والتكنولوجيا، وخسارة شركاتها لربع إيراداتها التشغيلية تقريبا .

‎كما تهدد - وهذه أيضا حقيقة - بوصول العلاقات الأمريكية الروسية الي نقطة اللاعودة، مما يعيق التعاون بين البلدين في قضايا الامن العالمي، وخاصة فيما يتعلق بمنع انتشار الاسلحة النووية ومكافحة الإرهاب.

‎ومن الواضح ان هذه السياسة تواجه عقبات، فالرئيس ترامب يسعى لدعم علاقاته مع الرئيس بوتين، لوقف التقارب الروسي الصيني، وهو ما لم يحدث، بينما تكثف إدارته الضغوط الاقتصادية على روسيا، لإجبارها على تغيير سياساتها في أوكرانيا وسوريا، وهو أيضا ما لم يحدث ، حتى الآن على الاقل .

‎ولعل هذا ما دفع الكونجرس الأمريكي لوصف سياسة ترامب ازاء روسيا بالتضارب وعدم الانضباط، وهو نفس توصيف وكالات الامن القومي الامريكية، التي تتهم روسيا بالتدخل في انتخابات عام ٢٠١٦، وهو ما نفته ، ولا تزال تنفيه ، موسكو.

‎لكن الشكوك حول هذا التدخل تتزايد مع اعلان شركة مايكروسوفت احباطها محاولة قراصنة روس انشاء مواقع وهمية علي الانترنت، للتأثير على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، المقرر اجراؤها في شهر نوفمبر المقبل.

‎وهكذا يتصاعد التوتر بين البلدين في ظل الخلافات الحادة بينهما حول منع الانتشار النووي، والعلاقات مع الصين وإيران وأفغانستان وأوكرانيا وسوريا وتركيا. وهي خلافات ساهمت في تحقيق التقارب بين كل من روسيا والصين، ومعهما إيران، خاصة بعد فرض واشنطن عقوبات ضد روسيا، ورسوما جمركية إضافية على الصين، وعقوبات تستهدف صادرات النفط الايراني.

‎وبدا التقارب الروسي الصيني شبيها بالتقارب الأمريكي الصيني الذي بدأ في عام ١٩٧٢، واستغلته واشنطن لتفكيك الاتحاد السوفيتي في عام ١٩٩١، ويبدو أن هذا ما تخطط له موسكو، التي تخطط لأن تكون المزود الأول للصين بالنفط والتكنولوجيا والمعدات العسكرية.

‎وفي محاولة لتخفيف المواجهة الامريكية الروسية عقدت قمة ترامب –بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي في يوليو الماضي، كما التقى جون بولتون مستشار الامن القومي الأمريكي مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في جنيف بسويسرا يوم ٢٣ أغسطس الجاري، لكن الحوار بين البلدين لم يحقق تقدما كبيرا في الظروف الراهنة. فبينما تدعو موسكو لتمديد معاهدة الحد من نشر الاسلحة النووية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والتي تنتهي في عام ٢٠٢١، مازالت واشنطن مترددة بشأن تمديد المعاهدة او استبدالها بمعاهدة جديدة، وهكذا لم يتم الاتفاق على موعد لاستئناف المفاوضات.

‎ومن جانبها ترفض موسكو تقديم التزام علني بعدم التدخل في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، حتى لا يفسر ذلك بأنه اعتراف ضمني بتدخلها في انتخابات عام ٢٠١٦.

‎وعلى الصعيد الأوروبي يتصاعد الخلاف بين البلدين ، وايضا بين موسكو وكل من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الاوروبي ، بسبب التدخل الروسي في أوكرانيا وسيطرتها علي شبه جزيرة القرم ، ومحاولتها التدخل في دول البلطيق بشكل ما .

‎ومع فشل الوساطة الفنلندية في الحوار بين الأطراف الأربعة حول تركيب الناتو لأنظمة مضادة للصواريخ المتقدمة ، ونشر ٤ آلاف جندي علي الحدود الروسية مع شرق أوروبا ، نشرت موسكو مزيدا من قواتها في أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا.

‎وبدا واضحا ان الخلافات بين الجانبين تتعمق بشكل أكبر في أفغانستان ، حيث تدعم واشنطن الحكومة الأفغانية، وتدعم موسكو حركة طالبان ، حيث رفضت واشنطن ومعها الحكومة الأفغانية المشاركة في المحادثات التي تستضيفها روسيا يوم ٤ سبتمبر المقبل لإحلال السلام في أفغانستان، بمشاركة الدول المجاورة، وأيضا حركة طالبان.

‎وفيما يتعلق بإيران فشلت واشنطن في اقناع موسكو بالتوافق معها حول خروج القوات الايرانية والميليشيات الحليفة لها من سوريا، حيث اعتبر الروس هذا المطلب غير قابل للتطبيق، بينما استمرت الخلافات بينهما حول العقوبات الامريكية علي ايران، والانسحاب الأمريكي احادي الجانب من الاتفاق النووي الايراني الموقع في عام 2015 .

‎من جهة أخرى لا تخفي واشنطن انزعاجها من التقارب الروسي التركي ، خاصة في مجالي الدفاع والطاقة، والذي يتزامن مع الصراع الجيوسياسي الذي تخوضه امريكا في مواجهة روسيا والصين وإيران. ومع اعلان موسكو أنها سوف تسلم أنقرة منظومة صواريخ “ إس – ٤٠٠” عام ٢٠١٩، قدم اعضاء في مجلس الشيوخ الامريكي مشروع قانون بفرض عقوبات علي تركيا، يقضي بمنعها من الحصول علي طائرات “ اف ٣٥” الامريكية المتطورة ، وهو ما قد يدفع الأخيرة للخروج من حلف شمال الأطلسي.

‎وعلى الصعيد السوري يبدو ان النجاح الذي حققه التحالف السوري الروسي الايراني على الأرض يثير أعصاب واشنطن، التي تهدد بتوجيه ضربة جديدة محتملة لسوريا، في حالة وقوع هجوم كيماوي في إدلب، التي يستعد الجيش السوري لاستعادتها في مواجهة عسكرية ستكون صعبة على الارجح ، بينما تهدد موسكو بنشر أسلحة نووية تكتيكية علي الأراضي السورية حال وقوع هذه الضربة.

‎ومع وصول المدمرتين الامريكيتين (ساليفانز) الى مياه الخليج، و(روس) الى مياه البحر المتوسط، حركت روسيا جزءا من اسطولها في البحر الأسود الي البحر المتوسط ، وبدا واضحا أن سوريا ستظل ساحة للحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا ، عبر الحلفاء المحليين لكل منهما.

‎ومع تهديد واشنطن بفرض خمس حزم جديدة من العقوبات ضد روسيا خلال العام الحالي، تتصاعد حدة المواجهة بين البلدين، بينما تواصل روسيا تمددها الجيوسياسي في الشرق الاوسط والعالم ، باعتبار ذلك هو الرد الأمثل من وجهة نظرها ، برغم ما يمكن ان يثيره من نتائج وردود فعل امريكية وغربية .