الاقتصادية

النفط والغاز في موريتانيا.. أفـق الاكتشـــافات الجــديـــدة

29 أغسطس 2018
29 أغسطس 2018

العمانية – فانا: تحتوي الأراضي والسواحل الموريتانية حسب المؤشرات المتوفرة على موارد هائلة من النفط والغاز الطبيعي مما يؤهلها لأن تكون إحدى الدول النفطية الرئيسية في منطقة شمال إفريقيا في المستقبل كما يساعدها موقعها الجغرافي على أن تكون أحد الموردين الرئيسيين للخام للأسواق الدولية والأوروبية تحديدًا.

وتشير مصادر وزارة البترول والطاقة والمعادن إلى أن كميات الغاز الطبيعي المكتشف قبالة السواحل الموريتانية تصل إلى 15 تريليون قدم مكعبة وتغطي من 30 إلى 50 سنة من الإنتاج المتواصل..

وفيما تتوقع المصالح التقنية لبريتش بتروليوم زيادة حجم الاكتشافات إلى أكثر من 50 تريليون قدم مكعب من الغاز أي ما يعادل إجمالي إنتاج إفريقيا مجتمعة لمدة سبع سنوات، تثير هذه المؤشرات الواعدة اهتمام العديد من شركات النفط العالمية في مقدمتها “بريتش بتروليوم” و”اكسون موبيل” و”شال” و”توتال” التي تعد أربعا من ضمن الشركات الخمس العملاقة في العالم.

وبدأ نشاط التنقيب عن النفط في موريتانيا في ستينيات القرن الماضي بعد استقلالها واستمر حتى عام 1992، دون أن يؤدي إلى اكتشافات تجارية.

وبعد فترة انقطاع استؤنفت العمليات بشكل مكثف إلى حد كبير في نهاية التسعينيات.

وفي هذا السياق كان التقييم الإقليمي لعام 1980 للأحواض الساحلية وحوض “تاودني” مساهما مهما في تسليط الضوء على إمكانات حقل نفطنا كما شكلت هذه الدراسة من بين أمور أخرى قاعدة معلومات عن هذه الأحواض خلال عمليات الاستكشاف اللاحقة.

وعلى الرغم من تضاعف هذه العمليات خلال هذه الفترة، إلا أن نطاقها يتناسب عكسيًا مع مناطق الحوضين المذكورين حيث خضع الحوض الساحلي الذي تبلغ مساحته 184 ألف متر مربع لحملات مكثفة بينما لم يعرف حوض “تاودني” بمساحة 500 ألف متر مربع إلا القليل.

وعلى مستوى الحوض الساحلي تم القيام بمسح زلزالي ثنائي الأبعاد لـ84694 كم مربعا ومسحا ثلاثي الأبعاد لـ85000 كيلومتر مربع في أكثر من 71 بئراً تم حفرها، 11 منها قبل توقف النشاط في عام 1992 و3 في الجزء البري.

ورغم الحماسة التي أثارها هذا المسح والتي أدت إلى الموافقة على عشرات من عقود المشاركة في الإنتاج مع العديد من الشركات بما في ذلك “توتال” و”ريبسول” و”وينترشال” ، فإن نتائج الاستكشاف لم تكن مرضية. ولهذا السبب يوجد حاليًا فقط عقدان للتنقيب عن الإنتاج في هذا الحوض الذي يعمل به المشغلان توتال وسبيك.

وتهدف سياسة قطاع النفط والغاز إلى ضمان الإدارة السليمة لصناعة النفط حتى تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الشاملة لموريتانيا.

وتدور هذه السياسة حول تنفيذ الإطار القانوني الجديد الذي يهدف إلى تحديث الشروط لمنح تصاريح النفط، وتحقيق أقصى استفادة من قبل الدولة وترقية المقاولة الوطنية (10 في المائة الآن بالنسبة لصندوق الشركة الوطنية للمحروقات خلال الاستكشاف والتحمل المالي من قبل المشغل)، مع الحفاظ على مستوى مقبول من التزام مشغلي النفط وقد خضعت تسعة عقود للإنتاج الاستكشافي التي تم توقيعها والموافقة عليها حتى الآن لهذا القانون وإنشاء قاعدة بيانات لتعزيز الترويج للمقاطع الحرة تعمل على تعظيم فوائد عائدات النفط من خلال زيادة التأثيرات الإيجابية والحد من الآثار البيئية والاجتماعية السلبية وحماية البيئة من خلال بذل جهد كبير أثناء تنقيح الإطار القانوني والتنظيمي لمراعاة المعايير الدولية السارية في صناعة النفط بهدف ضمان حماية أفضل لمواردنا السمكية وبيئتنا بشكل عام.

وتم دمج هذا الإجراء مع تنفيذ نظام معلومات بيئي في عام 2011 والانتهاء من دراسة استراتيجية اجتماعية بيئية أيضا في عام 2012 وضعتها لجنة البيئة، المنصوص عليها في العقد الذي يحكم حقل شنقيط واعتماد قواعد الشفافية في إدارة الإيرادات النفطية بهدف الحد من الفقر.

وشهدت أنشطة الاستكشاف خلال السنوات الأخيرة زخمًا كبيرًا بعد تطبيق قانون المحروقات الجديد (القانون رقم 2010-033 المعدل في 2011 و2015 على التوالي بموجب القوانين (2011-044 و2015/016) التي تمثل إطارا جديدا يهدف إلى تحديث شروط منح تصاريح النفط وتحسين حصة الدولة وتعزيز المؤسسة الوطنية.

ويقضي القانون الجديد بحصول الشركة الوطنية للمحروقات على 10 بالمائة من أسهم الشركة طيلة فترة الاستغلال مع تحمل المشغل ماليا لذلك مع الحفاظ على مستوى مقبول من التزام مشغلي النفط.

وأثناء تنقيح هذا القانون أُعطيت الأهمية للمعايير الدولية المطبقة في الصناعة النفطية، بهدف ضمان حماية أفضل لمواردنا السمكية وبيئتنا بشكل عام كما تم التركيز على اعتماد قواعد الشفافية في إدارة عائدات النفط التي تهدف إلى الحد من الفقر.

ونتيجة لذلك، تم توقيع أربعة عشر (14) عقداً للاستكشاف والإنتاج في المواقع البحرية والبرية بعد موافقة مجلس الوزراء منها 11 عقداً في مرحلة الاستكشاف كما تم الانتهاء من آخر عملية تقسيم مساحية في يوليو عام 2017، بموجب المرسوم رقم 0693 الصادر عن وزارة النفط والطاقة والمعادن والذي يرفع عدد الكتل البحرية إلى 32 وداخل الساحل إلى 44، مما يسلط الضوء على الشركات الرئيسية التي لديها تصاريح استكشاف في موريتانيا وهي شركة بريتيش بتروليوم /المملكة المتحدة واكسون موبيل/ الولايات المتحدة الأمريكية وكوزموسنيرجي /الولايات المتحدة وتوتال /فرنسا وتيلواويل المملكة المتحدة وسيبيك من الجزائر.

ويضاف إلى هذه الشركات شركة بتروناس المشغلة لشركة شنقيط التي يحكمها عقد مشاركة الإنتاج والتي تم إغلاقها في بداية عام 2018 بالإضافة إلى ذلك، تميزت هذه الفترة بدراسة استراتيجية اجتماعية بيئية في عام 2011 وإنشاء اللجنة البيئية لحقل شنقيط ومراجعة تكاليف النفط المتكبدة خلال السنوات التي قضتها بموجب عقود مشاركة الإنتاج وإجراء العديد من المسوح الزلزالية البرية والبحرية كما شهد الإطار التشريعي والتنظيمي للقطاع الفرعي تحسينات.

وشكلت مشاركة موريتانيا لأول مرة في أكبر مؤتمر للنفط البحري خارج البورصة في العالم في هيوستن خلال شهر مايو والعرض الذي قدمه وزير البترول والطاقة والمناجم حول حالة النشاط النفطي في موريتانيا واحتمالات تنميتها فرصة لجذب اهتمام كبار المشغلين وشركات الخدمات في الخارج الموريتاني.

وفي نوفمبر 2017، افتتح وزير الطاقة والمناجم في لندن مجلس الأعمال البريطاني الموريتاني ليعمل كمنصة للتداول ويزيد من تدفق الاستثمارات البريطانية إلى موريتانيا.

وبناءً على الشراكات التي تم تطويرها مع مشغلي النفط الموجودين في موريتانيا، تم التركيز بشكل خاص على إدارة البيانات النفطية. وفي هذا السياق أوفدت شركة BP فريقاً من الخبراء في هذا المجال قاموا بتنظيم ورشة عصف ذهني مع فريق إدارة البيانات، وإعداد تقرير تشخيصي وتوصيات في هذا الصدد.

وتطور اهتمام كبريات الشركات العاملة في مجل النفط والغاز مؤخرا بالمياه العميقة لإفريقيا الغربية، حيث وقعت شركة أكسون موبيل في أوائل ديسمبر ثلاثة عقود لتقاسم الإنتاج مع موريتانيا في المقاطع البحرية C14 وC17 وC22 تحصل المجموعة الأمريكية بموجبها على 90 بالمائة من هذه التراخيص مقابل 10 بالمائة للشركة الموريتانية للمحروقات.

وتبلغ مساحة المنطقة التي دفعت شركة أكسون مقابل توقيع عقود الإنتاج بها 70 مليون دولار، حوالي 34.000 كم 2 بعمق 1000 إلى 3500 متر.

وبالإضافة إلى اكسون موبيل تتوفر لدى شركتي بريتيش بتروليوم وتوتال أيضاً مشاريع مهمة في أعماق البحر في موريتانيا حيث وقعت المجموعة الفرنسية في الربيع الماضي عقدًا لتقاسم الإنتاج بالمقطع C7 يمتلك مقابل 90 بالمائة. كما أنها حاضرة بـ 90 بالمائة أخرى في رخصة المقطع C9.

وفي مايو الماضي أعلنت شركتا BP و Kosmos Energ عن اكتشاف جديد في “سيار”في عرض المياه العميقة لموريتانيا والسنغال.

وفقا لشركة كوزموس ، فإن الحقل المعني ، الواقع بالقرب من حقل ‏Turtle يتوفر على 425 جم 3 من الاحتياطي القابل للاسترداد وتعتزم الشركة تركيب محطتي تسييل عائم بسعة إجمالية قدرها 4.6 مليون طن سنويا بهدف الحد من الاستثمار المطلوب.

وتخطط شركة BP لاتخاذ قرار استثماري مع شركائها بخصوص ‏Tortue في عام 2018 على أن يبدأ الإنتاج في عام 2021 وتشغيل أول قطار تسييل بسعة (2.3 مليون طن / سنة) في نفس العام وقطاع آخر بسعة مماثلة في عام 2023.

وبعد استثمار الشركة لمليار دولار في شراء 62 بالمائة من حصة كوسموس أنرجي والمتعلقة بالمقاطع C6 ، C8 ، C12 ،C13 وتموقعها كفاعل وشريك اقتصادي مهم في السوق الواعدة للغاز بموريتانيا ، وبعد تنظيمها بنواكشوط للعرض الشامل حول توقعات أسواق الطاقة على مدى العشرين سنة القادمة، جاءت زيارة الرئيس التنفيذي لهذا العملاق النفطي والغازي مؤخرا لموريتانيا لتؤكد التقدم الحاصل في مشروع تورتي الكبير آحميم وسط التأكيد على أن كميات الغاز المحقق اكتشافها إلى الآن 15 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة.

كما تتوقع المصالح التقنية لبريتيش بتروليوم زيادة حجم الاكتشافات إلى أكثر من 50 تريليون قدم مكعب من الغاز أي ما يعادل إجمالي إنتاج افريقيا مجتمعة لمدة سبع سنوات مع التأكيد على أن بمقدور كميات كهذه تغطية 30 إلى 50 سنة من الإنتاج.

ووقع عملاق النفط والغاز توتال مؤخرا مع الحكومة الموريتانية على عقد استكشاف وإنتاج للنفط والغاز بالمياه الإقليمية لموريتانيا في المقطع س7 بالحوض الساحلي. ويأتي توقيع هذا العقد في ظروف مواتية للاستثمار مافتئت موريتانيا تعمل على تحسينها وتوفرها للمستثمرين والفاعلين الاقتصاديين.

وبدأت توتال، التي عززت وجودها في موريتانيا خلال العام الماضي، برنامج استكشاف واسعا في أوائل عام 2018 ، شمل 3 مسوحات زلزالية تغطي 13000 كيلومتر مربع في المياه الإقليمية الموريتانية. كما تخطط لحفر بئرين استكشافيين بحلول عام 2019.

ويعتبر دخول كبريات الشركات العالمية واستثمارها بقوة في مشاريع النفط والغاز في موريتانيا دليلا على نجاعة وكفاءة الخطط الاستراتيجية والاقتصادية للدولة. وبانطلاق استثمارات شركات النفط والغاز الكبرى عبر توقيع عقد الاستكشاف والإنتاج تكون موريتانيا قد دخلت من الباب الواسع لدائرة الاهتمام والاستثمار العالميين في مجال النفط والغاز.

ويؤكد كي موريس رئيس دائرة إفريقيا بشركة توتال “لقد وجدنا هنا بموريتانيا ميزة تنافسية كبيرة وسهولة كبرى في مدونة الاستثمار وتطوير الأعمال ويمكننا العمل في ظل مناخ يطبعه الأمن والاستقرار والشفافية” ويواصل “بالمقابل هناك اكراهات بيئية ومحيطية تفرض الدولة الموريتانية الالتزام بها والعمل بمقتضاها وسنعمل جادين على التقيد بها”.