أفكار وآراء

تقلبات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

28 أغسطس 2018
28 أغسطس 2018

عاطف الغمري -

عندما بدأت مراكز الفكر السياسي في الولايات المتحدة، تناقش قضية البحث عن عدو بديل للاتحاد السوفييتى من بعد انتهاء الحرب الباردة ابتداء من عام 1989، لوحظ أن هناك تركيزا بشكل خاص على المنطقة العربية، وظهور مصطلح العدو المسلم عام 1990، والذي لم يقدر له البقاء طويلا، لكن ذلك لم يمنع من تتابع طرح أفكار تستهدف المنطقة العربية تحديدا، شملت مفاهيم إعادة رسم حدود دولها، وأفكار التقسيم الداخلي للمجتمعات العربية، والتي بدأت بشكل صريح بالنسبة للعراق، والمناداة بتقسيمه إلى ثلاث دويلات – سنية وشيعية وكردية.

وظهر تركيز واضح على هذه الأفكار منذ تولى جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة عام 2001، واستعانته بأقطاب حركة المحافظين الجدد، في تولي أهم المناصب في إدارته، والمعروف عنهم ارتباطهم عقائديا وسياسيا بإسرائيل، والذين توالت كتاباتهم وتصريحاتهم التي راحت تتحدث صراحة عن اعتبار حرب العراق عام 2003، وما يلحق بها من تنفيذ خطة تغيير الأنظمة، بداية لاستمرار الطريقة نفسها في الشرق الأوسط بأكمله، لإحداث تغييرات شاملة: سياسية، واقتصادية، وثقافية، وأمنية، بما يكفل إعادة صياغة الهوية القومية للعالم العربي، حسب رؤيتهم للأمور .

وارتباطا بهذه التوجهات في الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، فإن خط المواجهة الذي كان ممتدا داخل أوروبا في فترة الصراع الأمريكي السوفييتي، قد انتقل جغرافيا إلى منطقة الشرق الأوسط.

ومعنى ذلك أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة قد ابتعدت بالضرورة عن مفهوم الاستقرار الإقليمي، الذي كان مطلبا للشعوب بعد انتهاء الحرب الباردة، وتم إدراجه ضمن أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ودوره المهم في عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وما أوضحه من أن التسوية الشاملة للنزاع العربي الإسرائيلي على جميع المسارات، هي خطوة ضرورية لإقرار الاستقرار الإقليمي في المنطقة، كمصلحة حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة، لكن هذا التطور أصيب بنكسة جمدت حركة تسوية النزاع، بعد مجيء المحافظين الجدد إلى الحكم في عهد بوش الابن، وبعد أن ساندوا كافة السياسات الإسرائيلية المعرقلة للسلام، والرافضة لحق الفلسطينيين الطبيعي في دولتهم المستقلة.

وبعد انتهاء فترة حكم بوش ومجيء أوباما رئيسا، فإن السياسة الخارجية الأمريكية لم يلحق بها التغيير المأمول، بسبب ارتباطه الواضح بخطط تفتيت المنطقة والفوضى الخلاقة، واستمرارية سياسات تغيير الأنظمة، مع تصاعد العنف والإرهاب، والذي لم تكن لإدارة أوباما سياسة ذات مصداقية في التصدي له، رغم دعوته لإقامة التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، وهو ما شكك فيه خبراء ومحللون كثيرون في الولايات المتحدة، إلى أن صرَّح ترامب نفسه بأن أوباما كان عاملا مساعدا في انتشار الإرهاب في المنطقة.

لكن ما الذي جرى في عهد ترامب؟

في البداية لفتت تصريحاته عن مكافحة الإرهاب الأنظار، وكذلك حديثه عن رغبته في حل نهائي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بما يضمن حقوق الفلسطينيين. لكن تصريحاته اصطدمت بتناقضات عديدة في مواقفه السياسية، تصاعدت إلى ذروتها بعد التغييرات في المناصب الرئيسية في حكومته بتعيين مؤيدين متعصبين لإسرائيل في مناصب رفيعة ومؤثرة إلى حد بعيد في صنع القرار السياسي الأمريكي حيال الشرق الأوسط ، بالإضافة إلى ما سبق ذلك من تكليف شخصيات امريكية مرتبطة أصلا باليمين الإسرائيلي وبحركة المستوطنات، كمسؤولين عن ملف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، مثل جاريد كوشنر، وجرينبلات، ودفع المنطقة إلى مزيد من عدم الاستقرار، بعد قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وبهذا تعود السياسة الخارجية الأمريكية إلى الممارسات التي سبق أن أعقبت نهاية الحرب الباردة، حسبما يري الكاتب، والتي تركز على استهداف المنطقة العربية، والمرتبطة بانحياز مطلق لإسرائيل،