الملف السياسي

قطاع غزة وضرورة التهدئة

27 أغسطس 2018
27 أغسطس 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

يعاني قطاع غزة في الأراضي الفلسطينية المحتلة مرارة الاحتلال من ناحية والمواجهة المسلحة مع الكيان الاسرائيلي من ناحية ثانية ، حيث يشهد القطاع مشكلات انسانية من خلال ماخلفه العدوان الاسرائيلي المتكرر علي القطاع وشعبه خاصة فيما يخص تدمير البني الاساسية وقتل المدنيين المتظاهرين سلميا .

وعلي ضوء التطورات الاخيرة وضرورة ايجاد مناخ للتهدئة مع الجانب الإسرائيلي فان ثمة جهود مصرية واضحة من خلال الاتصالات والتنسيق المصري مع حركة حماس مما يعطي مؤشرا بان قطاع غزة يحتاج الي تنمية بعد التدمير الاسرائيلي الممنهج والمستمر له . ومن هنا فان إعطاء فرصة للتهدئة قد يفضي الي إيجاد تفاهمات مشتركة تؤدي الي إعادة إعمار قطاع غزة من خلال خطة تنموية شاملة يكون للمنظمات الدولية والدول العربية وحتي الاتحاد الاوروبي دور كبير فيها .

الدور المصري

يعد قطاع غزة هاما للأمن القومي المصري وكان هذا القطاع في فترات ماقبل الاحتلال الاسرائيلي له تحت الادارة المصرية ، وهناك ارتباط شعبي كبير بين الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والشعب المصري ، خاصة في سيناء ، وهناك تواصل مجتمعي وروابط اجتماعية وهذا يعني ان استقرار قطاع غزة هو مصلحه وطنية مصرية .

كما ان ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس هو من اولويات اهتمام الحكومات المصرية المتعاقبة ، ومن هنا ندرك أهمية التدخل المصري لايجاد مناخ من التهدئة بين حركة حماس واسرائيل ، من خلال الاتصالات المشتركة والتي ادت مؤخرا الي خفض التوتر الي حد كبير من خلال كبح جماح تطرف الجيش الاسرائيلي ، الذي ارتكب جرائم بحق الفلسطينيين خلال تظاهرات حق العودة المتكررة كل يوم جمعة أمام الخط الفاصل بين غزة واسرائيل منذ نهاية مارس الماضي ، وهي تظاهرات سلمية .

ان قطاع غزه بمساحته المحدودة و عدد سكانه الكبير ، قياسا بتلك المساحة وما واجهه القطاع من حروب عدوانية من قبل المحتل الاسرائيلي ، يحتاح الى ايجاد مناخ من السلام والى ان يكف الجيش الاسرائيلي عن بطشه وتجاوزاته ضد الانسانية ، وهي جرائم نددت بها المنظمات الحقوقية والمدنية الدولية . ومن خلال ماتقوم به السلطات المصرية فان هناك امالا متزايدة بالتوصل الي حلول لتلك التهدئة والتي يحتاج لها القطاع والذي يواجه مصاعب في مجال مساعدة منظمة الانروا، التي تعنى بشؤون اللاجئيين داخل وخارج فلسطين المحتلة ، والتي قامت واشنطن بقطع جزء كبير من المساعدات التي كانت تقدمها لها .

معاناة قطاع غزة

شهدت السنوات الأخيرة عدوانا متكررا من قبل الجيش الاسرائيلي على القطاع ، وهو ما سبب مشكلات كبيرة في حياة الناس ، علاوة ان الاختلاف المتواصل بين السلطة الوطنية في رام الله و بين حركة حماس في غزة قد ساهم في تردي الاوضاع المعيشية للمواطنين خاصة علي صعيد صرف الرواتب . ومن هنا فان قطاع غزة يعيش معاناة حقيقية في ظل الضغوط الامريكية علي الفلسطينيين والتي كان اخرها قطع المساعدات الانسانية للشعب الفلسطيني والمقدره ب 200 مليون دولار في اطار حملة الضغوط من قبل ادارة الرئيس الامريكي ترامب على السلطة الوطنية للقبول بصفقة التسوية السياسية ( صفقة القرن ) .

ومن خلال المعاناة اليومية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة كان هناك استشعار مصري-فلسطيني مشترك باهمية إيجاد خيارات تبعد القطاع عن مزيد من التصعيد مع الجانب الاسرائيلي خاصة وان الضغوط الامريكية متواصلة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال عدد من الاجراءات غير القانونية والتي تتحدث عن موضوع اسقاط حق العودة للاجئيين الفلسطنيين كما كشفت عنه بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية وهو اجراء ضد قوانين الشرعية الدولية ومن هنا فان الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة الغربية ومدينة القدس المحتله يحتاج الي وحدة الموقف والهدف في ظل الظروف الحالية الصعبة والمعقدة

فهناك مشاريع للتسوية التي تعد خطرا علي القضية الفلسطينية ويحتاج قطاع غزه بالتحديد الي التهدئة حتي يتم التفرغ للمصالحة مع حركة فتح والتي تقودها القاهرة للتوصل الي حلول وطنية تتماشى والمخاطر التي تحيط بالقضية الفلسطينية ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني والذي تتهدده المشاريع المشبهوهة علي غرار صفقة القرن والتي اسقطها الشعب الفلسطيني مما جعل الرئيس الامريكي يعاقب الشعب الفلسطيني وحكومته علي مواقفها الثابتة .

المصالحة الوطنية

في ظل التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الاوسط وفي ظل أوضاع عربية صعبة فان المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح هي المدخل الصحيح لصمود المشروع الوطني الفلسطيني والذي ينص علي اقامة الدولة الفلسطينية علي حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفي إطار من قرارات الشرعيه الدوليه والمبادرة العربية التي اقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002

وحتي تكون الاجواء مناسبه لانجاح التهدئة في قطاع غزه لابد من وجود مناخ للمصالحة والتي بدات تحضيراته تتواصل في القاهرة لان الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية كبير وواضح ومن هنا فان الجهد المصري في هذا الاطار يستشعر ذلك الخطر ان المعادلة لانجاح المشروع الوطني الفلسطيني تقوم على وجود الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني وقيادته الموحدة ومن خلال المؤسسات الدستوريه والقانونية والتشريعية في ظل مناخ يتسم بالحساسية والمشكلات الإقليمية والدولية العديدة . فالعالم العربي يعيش في ظل ظروف معقدة وهناك حروب تعيشها عدد من الدول العربية وهناك خلافات عميقة تشهدها دول عربية اخري والمناخ الدولي يعيش فترة استقطاب ومنافسة استراتيجية بين القوى الكبري خاصة الولايات المتحدة وروسيا وهناك الحرب التجارية والتنافس على النفوذ في اكثر من منطقة .

وامام هذا المناخ السياسي الاقليمي والدولي المتوتر لابد للقيادات الفلسطينية ان تستشعر ذلك الخطر علي الوحده الفلسطينية في ظل الانقسام الحالي وايضا الخطر على حلم الشعب الفلسطيني من خلال مشروعه الوطني والذي تحمل من اجله الكثير من التضحيات والمعاناة ومن هنا فان الكرة الان في ملعب القيادات الفلسطينية وخاصة بين حركتي فتح وحماس فاستمرار الوضع الراهن من الخلافات لايخدم القضية الفلسطينية بل يساهم في تنفيذ المخططات الاسرائيلية والامريكية التي تتضح ملامحها بشكل علني في الفتره الاخيرة .

الاستراتيجية الفلسطينية

الشعب الفلسطيني بكل كفاحه ونضاله خلال اكثر من سبعة عقود هو الرهان الحقيقي لنجاح المشروع الوطني الفلسطيني ولكن في مجال الصراعات والسياسة لابد من التكتيك والموضوعية في إدارة الصراع ومن هنا تاتي اهمية الجهود السياسية لايجاد التهدئة في قطاع غزة ، ولاشك ان الشعب الفلسطيني قد اثبت جدراته في المواجهة مع قوات الاحتلال رغم فارق الامكانيات العسكرية ومن هنا فان ايجاد تهدئة سوف يعطي مناخا جديدا يساعد علي التركيز على نجاح المصالحة الوطنية الفلسطينية وايضا ايجاد التلاحم الشعبي والذي يبقي القضية الفلسطينية دائما متوهجة وفي قلب الاحداث الدولية .

ومن هنا فان الاستراتيجيه الفلسطينية وفي ظل المخططات الحاليه لتصفية القضية الفلسطينية تحتاج الي تكتيك سياسي محدد والي الموضوعية بعيدا عن المزايدات فالقضايا الوطنية الكبري تنجح عند ما تتوحد الرؤي وتتوحد السياسات ، وهذا بلاشك يضع مسؤولية تاريخية على القيادات الفلسطينية من اجل التوصل الى مصالحة والي عمل وطني موحد يواجه المخاطر التي تتزايد كل يوم

ومن خلال ايجاد خيارات موضوعية ومن خلال نجاح الجهود المصريه علي المحاور الفلسطينية المتعددة فان مرحلة جديدة من العمل الوطني الفلسطيني الموحد سوف تكون خطوة مهمه لايجاد التكتيك المناسب لاحباط تلك المخططات ولايجاد خطط مستقبلية لتوحيد الصف واستمرار النضال الفلسطيني حتي يتحقق الأمل الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.