الملف السياسي

تحــديات كـبيرة أمام التهـدئة بين حـماس وإسـرائيل

27 أغسطس 2018
27 أغسطس 2018

د.أحمد سيد أحمد -

إن التحديات التي فرضها قرار الرئيس الامريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس ، وإبرام الكنيست الإسرائيلي قانون الدولة القومية الذي يتضمن تمييزا واضحا ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل ، ومساعي الإدارة الأمريكية لطرح ما يعرف بصفقة القرن, يفرض على الفصائل الفلسطينية خاصة فتح وحماس الإسراع بإتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام والاتفاق على رؤية موحدة يواجه اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل ولادة عسيرة رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها مصر والأمم المتحدة من أجل إبرام التهدئة بين الجانبين, فرغم الإعلانات المتكررة عن قرب التوصل إلى هدنة والإعلان عن بنودها الستة وهي وقف إطلاق نار شامل, وفتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد. وتقديم مساعدات طبية وإنسانية للقطاع. وإبرام صفقة لتبادل أسرى ومفقودين. وترميم واسع النطاق للبنية التحتية المتهالكة في القطاع بتمويل أجنبى, وإجراء محادثات حول ميناء ومطار. إلا أن المفاوضات تأجلت أكثر من مرة حيث تواجه عملية التوصل إلى اتفاق نهائي للتهدئة عدة تحديات كبيرة:

أولا: تحديات ترتبط بالجانب الفلسطيني وتصاعد الانقسام والخلاف بين الفصائل الفلسطينية خاصة بين حركتي فتح وحماس وعدم تحمس السلطة الفلسطينية لإبرام التهدئة, حيث إن المباحثات حول التهدئة أقيمت في وقت اجتماعات المجلس المركزى وهو ما اعتبرته رسالة سلبية، كما أن المباحثات والمفاوضات قطعت شوطا طويلا دون الرجوع إلى الرئيس عباس، كذلك أكدت السلطة الفلسطينية أن عنوان أي اتفاق يجب أن يكون منظمة التحرير ، وليس فصيلا أو فصائل مختلفة، واعتبرت السلطة أن المفاوضات تحولت إلى مهرجان يضم فصائل غير معروفة أو مؤثرة، ودورها فقط أنها محسوبة على حماس. وأكدت السلطة الفلسطينية أن أي اتفاق حول التهدئة يجب أن يتضمن اتفاقا لرفع الحصار وإعادة بناء المطار والميناء، وهذا لن يتم دون وجود حكومة فلسطينية هناك. واعتبرت فتح أنها ترفض أي تهدئة بين حماس وإسرائيل مقابل أثمان سياسية، وأشارت إلى أن هذه الخطوة ستمثل بداية لانفصال قطاع غزة بشكل كامل عن الأراضي الفلسطينية, وأن أي تهدئة مع إسرائيل فى قطاع غزة قاعدة لصفقة القرن الأمريكية الساعية إلى تدمير المشروع الوطني الفلسطيني.

ولذلك فإن حركة فتح تربط أي اتفاق للتهدئة باتفاق للمصالحة يضمن سيطرة السلطة على كامل قطاع غزة, خاصة ان اتفاق التهدئة المطروح ما هو إلا نسخة معدلة لاتفاق التهدئة الذي أبرم في عام 2014 في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة, وتم تحت إشراف السلطة ومصر, ولذا ترى السلطة أن اي اتفاق للتهدئة مرفوض بعيدا عن مظلة منظمة التحرير وتحت إشراف السلطة الفلسطينية.

في المقابل تركز حماس على الجانب الإنساني وترى ان التهدئة تمثل خطوة مهمة لرفع المعاناة عن سكان القطاع خاصة أنها تتضمن رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع وفتح المعابر المختلفة مع إسرائيل مثل معبر كرم أبو سالم المخصص لنقل البضائع, ومعبر بيت حانون المخصص لنقل الاشخاص, وتسعى لفصل اتفاق التهدئة عن اتفاق المصالحة, ولذلك عكس غياب وفد حركة فتح أكثر من مرة عن مفاوضات القاهرة مع الفصائل الفلسطينية التي شملت حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية, مدى الخلاف الفلسطينيي/ الفلسطيني حول اتفاق التهدئة رغم الجهود المصرية الكبيرة لتقريب وجهات النظر وتحقيق التهدئة فى القطاع وتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني.

ثانيا: هناك انقسام إسرائيلي حول اتفاق التهدئة مع حماس ما بين مؤيد خاصة من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو و وزير الخارجية افيجدور ليبرمان اللذين يسعيان لتحقيق تهدئة مع قطاع غزة ، ووقف الهجمات بالطائرات الورقية الحارقة للمزروعات في البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المجاورة للقطاع ، والتي تسببت في خسائر كبيرة فى الزراعة، ودفعت إسرائيل إلى شن هجمات صاروخية على القطاع واستهداف أماكن إطلاق تلك الطائرات الورقية المسيرة وإغلاق معبر كرم أبو سالم وتقليل المساحة البحرية للصيد للفلسطينيين من سبعة عشر ميلا إلا سبعة أميال فقط, ومنع دخول البضائع للقطاع .

ويستهدف نيتانياهو تهدئة الجبهة مع قطاع غزة للتفرغ للأوضاع الملتهبة في الشمال خاصة على الحدود مع سوريا وهضبة الجولان المحتلة, وما بين معارض للتهدئة مثل وزير التعليم نفتالي بينيت, ووزيرة القضاء إيليت شاكيد، وهما من حزب البيت اليهودى, والذين اتهما نيتانياهو وليبرمان بالرضوخ لتهديدات حماس, ودخلت القضية في إطار المزايدات السياسية الداخلية ولعبة الانتخابات في إسرائيل مما يشكل عائقا وتحديا أمام إبرام اتفاق للتهدئة طويل المدى.

ثالثا: هناك تحديات تربط ببنود الهدنة ذاتها وصعوبة تنفيذ بعضها وتعارض مطالب كل طرف وأولوية تنفيذ تلك البنود, ففي الوقت الذى تريد فيه إسرائيل أن تقوم حماس بالإفراج عن جثث الإسرائيليين المفقودين لديها وتسليمها الجنود الأسرى أولا قبل رفع الحصار, تطالب حركة حماس برفع الحصار كاملا أولا قبل التفاوض حول قضايا الأسرى والمفقودين, كما أن الاتفاق حول مدة التهدئة وما إذا كان قصير المدى أم طويل المدى يمتد إلى ما بين خمس وعشر سنوات يظل نقطة اختلاف كبيرة بين الجانبين وداخل كل طرف, أما النقطة الأبرز محل الخلاف فهى قضية بناء الميناء والمطار, حيث تطالب حماس أن يكون هناك ميناء بحري للقطاع يربطه بجزيرة قبرص وأن يكون تحت إشراف السلطة الفلسطينية وبمراقبة دولية, بينما تهدف إسرائيل إلى تأجيل تلك القضية إلى مرحلة لاحقة والتركيز فى المرحلة الأولى على وقف إطلاق النار وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة مقابل تخفيف الحصار عن القطاع وإدخال المساعدات الإنسانية والسماح بالتمويل الخارجى لإعادة بناء البنية الأساسية فى القطاع, وأن يكون التقدم فى قضية المطار والميناء مرتبطا ومرهونا بمدى التقدم فى المرحلة الأولى والالتزام بالتهدئة.

وبالطبع فإن اتفاق التهدئة ليس أمرا جديدا فهو نسخة مكررة من تفاهمات سابقة تعقب كل توتر أو تصعيد بين حماس وإسرائيل, حيث تقوم مصر بجهود كبيرة من أجل احتواء الموقف ومنع تصاعده أو دخول الطرفين في مواجهة شاملة من شأنها ان تؤثر سلبا على حياة سكان قطاع غزة الذين يعانون بالفعل من تحديات كبيرة فى ظل نقص الخدمات الاساسية مثل المياه والغذاء والكهرباء والوقود وغيرها, ومع تقلص جهود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين, الأونروا, التابعة للأمم المتحدة, بعد قيام الولايات المتحدة بوقف دعمها للوكالة بمقدار 300 مليون دولار, وبالتالي تعتبر مصر أن انجراف حماس وإسرائيل إلى المواجهة العسكرية سيزيد من أوضاع سكان القطاع سوءا, ورغم ان بنود الهدنة ليست جديدة حيث تم طرحها أكثر من مرة خاصة في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 2014, إلا أن جهود تحقيق وتثبيت التهدئة بشكل دائم بين حماس وإسرائيل سرعان ما تنهار، نظرا للعدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع وممارسة سياسة الحصار عليه عبر غلق المعابر وشن هجمات صاروخية ضد أهداف في القطاع وهو ما يدفع إلى توتير الأجواء بين حماس وإسرائيل.

وبالتالي فإن تحقق اتفاق التهدئة من شأنه أن يساعد على الأقل في تهدئة الجبهة بين إسرائيل وقطاع غزة ويمنع تحول التوتر بين حماس وإسرائيل إلى حرب شاملة ستكون أكثر ضراوة وتدميرا, كما أن اتفاق التهدئة من شأنه أن يمهد البيئة للتفرغ لإنجاح اتفاق المصالحة الفلسطينية, ولكن بشرط أن يكون اتفاق التهدئة فى إطار شامل يضمن المصالحة ويدفع فى اتجاه تحقيق الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية ويضمن إشراف السلطة الفلسطينية على إدارة قطاع غزة والمعابر والمطار والميناء المقرر بناءهما وفقا للتهدئة, فإبرام اتفاق التهدئة بشكل منفصل عن اتفاق المصالحة من شأنه أن يشكل عائقا امام اتمام خطوات المصالحة بين فتح وحماس والتى تم الاتفاق عليها فى القاهرة فى ديسمبر 2014 ويقضي بإشراف حكومة الفلسطينية على إدارة قطاع غزة.

ولاشك أن التحديات التى فرضها قرار الرئيس الامريكى بنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس ، وإبرام الكنيست الإسرائيلي قانون الدولة القومية الذي يتضمن تمييزا واضحا ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل ، ومساعي الإدارة الأامريكية لطرح ما يعرف بصفقة القرن, يفرض على الفصائل الفلسطينية خاصة فتح وحماس الإسراع بإتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام والاتفاق على رؤية موحدة لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة على حدود 1967, وبدون ذلك فإن الشعب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر من استمرار تلك الأوضاع واستمرار حالة الانقسام والصراع.