أفكار وآراء

برلين وأنقرة.. شراكة لا غنى عنها

25 أغسطس 2018
25 أغسطس 2018

سمير عواد -

بعد بضعة أسابيع على نشوء الأزمة المالية الحادة في تركيا، وصل إلى أنقرة خبر من ألمانيا أثار ارتياح القادة الأتراك مفاده، أن ألمانيا بغض النظر عن توتر العلاقات السياسية بين البلدين، قررت مواصلة تقديم ضمانات مالية للشركات الألمانية التي تعمل في تركيا والتي تُعرف باسم “ضمانات هيرمس”، وهذا دليل على ثقة الألمان بقدرة تركيا على تجاوز محنتها. كما ارتاح الاتراك لدعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل السياح الألمان الذين يوصفون بأبطال السياحة في العالم، لقضاء الإجازات في تركيا، لأن السياحة تشكل عماد الاقتصاد التركي.

أما على الصعيد السياسي، فإن برلين تلتزم الصمت، حيث المعروف أنه من عادة ميركل الانتظار للبت في موضوع بعد سماع ما يقوله الآخرون. ولكن شركاءها في الائتلاف الذي تتزعمه من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يريدون سماع موقف واضح منها بشأن تركيا والأفضل أن يدعو لمساعدة أنقره للتغلب على محنتها.

فبعدما أعلنت أندريا ناهليس، زعيمة الحزب الاشتراكي أن ألمانيا ستجد نفسها في القريب العاجل أمام احتمال لا مفر منه، وأن تقدم الدعم المالي لتركيا، كان زيجمار جابرييل، وزير الخارجية الألماني السابق، قد حذر في مقابلة صحفية من استمرار الغرب في تجاهل ما تواجهه تركيا. وقال إنه من صالح الغرب بقاء تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي كي لا يحصل فيها تغيير يوما ما وتأتي قوى متشددة إلى السلطة تعمل من أجل امتلاك البلاد أسلحة نووية. وركز جابرييل على دور تركيا في التغلب على أزمة اللاجئين بحكم وجود ثلاثة ملايين لاجئ سوري في أراضيها ودعا الدول الغربية إلى عمل كل ما من شأنه تجاوز أنقره محنتها.

غير أن سياسيين ينتمون إلى حزب ميركل، قالوا إنه ينبغي على أنقره تقديم تنازلات سياسية، مثل عودة الديمقراطية ودولة القانون ، وأيدهم في ذلك مسؤولون في الحزب الليبرالي وحزب الخضر الألمانيين المعارضين.

ويوضح النقاش الحاد في ألمانيا حول الأزمة المالية التركية ، وإذا ما ينبغي على برلين المسارعة للمساعدة كما فعلت مع اليونان عندما واجه اقتصادها أزمة مالية خانقة قبل سنوات، وجود خلاف بين الأحزاب الألمانية حول السياسة تجاه تركيا. وفي السنوات الأخيرة، نشأت خلافات كثيرة بين برلين وأنقرة، مثل إيقاف صحفيين ومواطنين ألمان من أصل تركي وكردي، وشكاوى أنقرة من سماح برلين لأعضاء ومتعاطفين مع حركة “فتح الله جولن” و”حزب العمال الكردستاني “ المحظور، القيام بنشاطات معادية لتركيا في ألمانيا، ورفضها تسليمهم للحكومة التركية ، التي تعتبرهم إرهابيين. ثم أنه لا يمر يوم دون نشر انتقادات في وسائل الإعلام الألمانية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوجان. وأدى خلاف البلدين حول قاعدة “أنجرليك” الجوية التركية القريبة من العراق وسوريا ، إلى نقل طائرات من نوع “تورنادو” الألمانية والفرقة العسكرية المشرفة عليها في إطار محاربة “داعش” من القاعدة المذكورة إلى قاعدة “الأزرق” في الأردن بعد أن رفضت تركيا السماح لبرلمانيين ألمان بتفقد الفرقة الألمانية في قاعدة “أنجرليك”.

وفي خطوة لفتت الأنظار، وجه الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، أخيرا دعوة رسمية إلى نظيره التركي الذي سيلبي الزيارة يومي 28 و29 سبتمبر المقبل. وقال هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، أنه سيتم خلال الزيارة التطرق إلى قضايا الخلاف بين البلدين وبحث سبل حلها. ومثلما استخدم الألمان الورقة التركية في حملة الانتخابات العامة الأخيرة، استخدم الأتراك الورقة الألمانية في انتخابات الرئاسة الأخيرة مما أكد توتر العلاقات بين البلدين بشكل غير مسبوق.

وصب الزيت على النار ذلك الجدل الذي نشأ في ألمانيا بعد خروج ألمانيا الباكر من بطولة العالم لكرة القدم في روسيا، حيث أدلى راينهارد جريندل رئيس اتحاد الكرة الألماني ومدير المانشافت أوليفر بيرهوف، بتصريحات غير موفقة، حملا فيها لاعب المنتخب التركي الأصل، مسعود أوزيل، مسؤولية هزيمة المنتخب الألماني، انتقاما من التقاط صورة له جمعته مع زميله التركي الأصل في المنتخب الألماني، إلكاي جوندوجان، مع الرئيس التركي أردوغان.

كما لم تغفر أنقرة لبرلين تقاعسها عن تهنئة أردوغان بالسلامة بعد نجاته من محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف عام 2016 .

ويعتقد الخبير الاقتصادي الألماني من أصل تركي يونس أولسوي، من “مركز الدراسات التركية والاندماج” في مدينة “إيسين” الألمانية، أن العلاقات بين برلين وأنقره تمر في مرحلة صعبة للغاية لأنها قائمة على أحكام مُسبقة وسوء فهم كل طرف للآخر. وأضاف “أولسوي” أن وسائل الإعلام الألمانية تستخدم أسلوبا قاسيا في الحديث عن أردوغان واحيانا تسميه الدكتاتور مما جعل وسائل الإعلام التركي ترد بدورها ونشرت صورا لميركل وقد وضع المونتاج شارب هتلر على وجهها علما أن وسائل الإعلام في البلدين خرجت عن الأصول.

وبرأي المراقبين فانه من المتوقع أن تُسهم زيارة أردوغان القادمة إلى ألمانيا الشهر القادم في حدوث انفراج في علاقات البلدين، لما تربطهما من مصالح فهناك أكثر من أربعة ملايين تركي يعيشون في ألمانيا، وساهم الجيل الأول من “العمال الضيوف “ الذين أتوا من تركيا في عودة تعمير ألمانيا على أنقاض الحرب العالمية الثانية، ولهما مصالح سياسية، حيث كلاهما يسعى لإيجاد حل للأزمة السورية وهدفهما عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم (ثلاثة ملايين لاجئ سوري في تركيا) وأكثر من نصف مليون لاجئ سوري في ألمانيا.

وقال “أولسوي” أن هناك الكثير للحديث عنه وعلى البلدين محاولة فهم كل منهما الآخر، والترفع عن الأحقاد وتعزيز الحوار بين البلدين، لاسيما وأن هذه الشراكة تساعد تركيا في التقرب من الاتحاد الأوروبي كما تساعد ألمانيا في التقرب من منطقة الشرق الأوسط.