1419336
1419336
إشراقات

السرحني: الحاج بعد عودته عليه أن يفتح صفحة جديدة مشرقة من حياته

23 أغسطس 2018
23 أغسطس 2018

يعمرها بالطاعات ويسطرها بالأعمال الصالحات -

حاوره - سالم الحسيني -

المسلم بذهابه إلى الحج يفتح صفحة جديدة مشرقة من عمره حيث تاب إلى الله تعالى، وتطهر من الذنوب، والآثام، فعليه أن يحرص كل الحرص بعد عودته أن تبقى هذا الصفحة بيضاء نقية، يعمرها بالطاعات، ويسطرها بالأعمال الصالحات وأن يكون بارًا بوالديه، وراعيًا لأسرته مشفقًا عليها، محافظًا على صلاته في الجماعة، مخلصًا في عمله، متحليًا بالأخلاق الكريمة والفضائل الحميدة، مترفعًا عن الرذائل وسفاسف الأمور.. ذلك ما أوضحه الشيخ د. يوسف بن إبراهيم السرحني.

وأشار في أثناء حديثه في هذا اللقاء إلى أن الصلاة تأتي في مقدمة العبادات، ولها أثرها الإيجابي في حياة المسلم؛ في سلوكه ومعاشه، وهي سبب في تهذيب الأخلاق وترقيق الطباع وتقويم السلوك، وانشراح الصدر، وسكينة النفس، وهدوء البال، وراحة الضمير، وسلامة القلب، وطهارة الجوارح، مشيرا إلى أن من يصلي لا أثر للصلاة في واقعه يعود إلى وجود خلل في أدائها كالإخلال في شيء من أركانها أو واجباتها، أو عدم الخشوع فيها الذي هو روح الصلاة.. نقرأ المزيد من ذلك في اللقاء التالي:

هل لكم بداية أن تحدثونا عن المنافع التي يحصل عليها الحاج.. وكيف يكون أثر فريضة الحج المبرور على حياة الحاج وانعكاس ذلك على حياته اليومية وتعاملاته الحياتية؟

للحج منافع جليلة وفوائد كثيرة يمكن إجمالها في قسمين: منافع دينية ومنافع دنيوية؛ فالمنافع الدينية هي المقصد الأساسي لمشروعية الحج، ويتمثل هذا المقصد في تقوية صلة العبد بخالقه سبحانه وتعالى، وذلك بغرس التقوى في القلب، يقول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب)، ويقول سبحانه: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون)، ويقول تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، ويتمثل أيضًا في محو الذنوب، وتكفير الخطايا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه » رواه البخاري ومسلم. وجاء في الحديث القدسي إن الله تعالى يقول للملائكة يوم عرفة: «انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم» رواه أحمد وابن حبان. وأيضًا تذكير الأمة الإسلامية بذكريات عزيزة، وربطها بمواقف إيمانية خالدة منها ذكريات أبي الأنبياء إبراهيم، وابنه إسماعيل، وزوجه السيدة الطاهرة الحرة هاجر، وذكريات النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة.

وأضاف: أمَّا المنافع الدنيوية فتتمثل في كون الحج مؤتمرًا إسلاميًا عالميًا سنويًا حيث يتم اللقاء والتعارف بين المسلمين من شتى بقاع الأرض على اختلاف بلدانهم، ولغاتهم، وأجناسهم، وألوانهم، وهناك تتجلى المساواة بينهم على أكمل وجه، وأبهى صورة حيث يقف الجميع على قدم المساواة، لا فرق بين أحد وآخر، هناك تذوب الفوارق بينهم، وتتلاشى الحواجز، وتتساقط العوارض والمناصب. ويعد الحج موسمًا لرواج التجارة وازدهارها، وتوفير فرص العمل، والكسب، وكذلك الانتفاع بلحوم الهدي والأضاحي، يقول تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم)، ويقول تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير). ولو أن ذلك أفضل، ولكن لا يصح اعتبار ذلك نوعًا من التنزه، والمتعة، أو مجرد باب لإنفاق المال عليه، فالحج بهذا المفهوم يكون عادة لا عبادة، وهناك من يتخذ الحج مهنة يتكسب منها سنويًا همه أن يؤديها بأقل كلفة مالية، فلا يراعي الوصول إلى العراص الطاهرة مبكرًا، ولا يراعي نوع الوسيلة، ولا السكن الملائم، ولا نوعية الغذاء، ولا جودة الهدي، ويتعجل في العودة؛ كل ذلك لأجل أن يوفر له مبلغًا أكبر من المال.

وأوضح السرحني قائلا: أما انعكاس آثار الحج المقبول في نفس الحاج فقد روى الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة رضي الله عنهم جميعًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة». ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» رواه البخاري ومسلم. فالمسلم بذهابه إلى الحج يفتح صفحة جديدة مشرقة من عمره حيث تاب إلى الله تعالى، وتطهر من جميع الذنوب، والآثام، فعليه أن يحرص كل الحرص بعد عودته إلى أسرته، ومجتمعه أن تبقى هذا الصفحة بيضاء نقية، وأن يعمرها بالطاعات، ويسطرها بالأعمال الصالحات طيلة عمره حتى يلقى الله وهو راض عنه، عليه أن يكون بارًا بوالديه، وراعيًا لأسرته مشفقًا عليها، ومحافظًا على صلاته في الجماعة، ومخلصًا في عمله، يكون متحليًا بالأخلاق الكريمة والفضائل الحميدة، من صدق وأمانة ووفاء وكرم، ومترفعًا عن الرذائل وسفاسف الأمور، عليه أن يصل الأرحام، والجيران، وأن يساعد الفقراء المحتاجين، وأن يشارك أبناء مجتمعه في أفراحهم وأتراحهم، ويكون عونًا لهم كل ذلك في ضوء تعاليم الإسلام، وأن يبادر للإسهام في كل عمل خير ونشاط نافع، وليس معنى هذا أن يكون الحاج معصومًا، أو أنه لا يقترف معصية، ولا يقع في خطأ، أبدًا فكل ابن آدم خطاء وخير الخاطئين التوابون، فعلى الحاج وغيره إذا ما وقع في خطأ عليه أن يبادر إلى الاستغفار، والتوبة النصوح مباشرة.

لا شك ان كل العبادات لها اثر إيجابي في حياة المسلم، فهل لكم أن تبينوا أهمية الصلاة للإنسان وأثرها الإيجابي في حياته؟

خُلق الإنسان من بدن وروح، وإذا كان البدن له غذاؤه وقوامه، وله ضرورته ومطالبه، فكذا الروح لها غذاؤها وقوامها، وضرورتها ومطالبها، وإذا كان غذاء البدن وضرورة بقائه الهواء والماء والطعام، فإن غذاء الروح الإيمان والعبادة، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). وقد دعانا الله تعالى للإيمان وللعبادة، فقال سبحانه: (فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ويقول الله تعالى في شأن من يستجيب: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

وأضاف قائلا: لا ريب فإن الصلاة تأتي في مقدمة العبادات، وللصلاة أثرها الإيجابي في حياة المسلم؛ في سلوكه ومعاشه، هي سبب في تهذيب الأخلاق وترقيق الطباع وتقويم السلوك، وهي سبب في انشراح الصدر، وسكينة النفس، وهدوء البال، وراحة الضمير، وسلامة القلب، وطهارة الجوارح، وهي سبب في الرزق، وفي فتح أبواب العلم والحكمة. يقول الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، ويقول تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ). ويقول النبي -صلى الله عليه سلم-: « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا » رواه البخاري. رقم الحديث:528، ومسلم. رقم الحديث:251.

وأشار الى ان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حز به أمر لجأ إلى الصلاة وقال: «قم يا بلال فأرحنا بالصلاة» رواه أبو داود. ولأهميتها شُرعت خمس مرات في اليوم والليلة دون غيرها من العبادات، فالصلاة لا تسقط عن أي مسلم تحت أي ظرف من الظروف، وفي أي حال من الأحوال؛ إلا إذا فقد عقله، وغاب وعيه بعارض سماوي، على أن يكون هذا العارض قد حدث قبل دخول وقت الصلاة واستمر حتى فوات وقتها، وكذا تسقط عن المرأة في حالتي الحيض والنفاس تعبدًا، يقول سماحة شيخنا العلاَّمة بدر الدين الخليلي - حفظه الله تعالى - في تفسيره جواهر التفسير: «وهي بهذا التكرار تسد جانبًا مهمًا من الفراغ الروحي ذلك لأن للروح مطالب كمطالب الجسد، وقد هيأ الله سبحانه لكل منهما مطالبه بحسب مقتضى ضرورته إليها، فالجسم الحي أحوج ما يكون إلى الهواء فالماء فالطعام فالدواء، وكل ما كانت الحاجة إليه أدعى كان أيسر من غيره.. وذلك مثل مطالب الروح وهي العبادات المشروعة فما كانت الضرورة إليه أبلغ كانت ممارسته أيسر ومن هنا كرر وجوب الصلاة في اليوم وجعلت أيسر من سائر العبادات كالصيام والزكاة والحج».

أما عن مشروعية صلاة الجماعة وفضلها وحكمها فقد اتفقت الأمة الإسلامية على مشروعية صلاة الجماعة، وعلى فضلها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حريصًا عليها، وكذلك كان الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وهم السلف الصالح لهذه الأمة، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصًا كل الحرص على صلاة الجماعة في حله وترحاله، في إقامته وسفره، في أمنه وخوفه، في سلمه وحربه، في مواجهته وجهاده، في صحته وسقمه، حتى في مرض موته كان يخرج إلى المسجد متهاديًا بين رجلين من أصحابه ليصلي صلاة الجماعة.

واتفقت على فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد؛ لما روي من أحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الصلاة في الجماعة خير من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة»، ومع اتفاق الأمة على مشروعية صلاة الجماعة وعلى فضلها؛ إلا أن الأمة مختلفة في حكم صلاة الجماعة؛ منهم من يرى أنها سنة مرغب فيها، ومنهم من يرى أنها سنة مؤكدة، ومنهم من يرى أنها فرض كفاية، ومنهم من يرى أنها فرض على الأعيان، والقول بأنها فرض على الأعيان هو القول الراجح الذي تؤيده الأدلة والشواهد من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وهو القول الذي رجحه واعتمده كثير من جهابذة العلماء، وأساطين الفقه قديمًا وحديثًا.

ولكن هناك من يصلي ولكن لا أثر للصلاة في واقعه.. مال سبب ذلك في نظرك؟

هذا سببه يعود الى ارتكاب هؤلاء أخطاء في الصلاة، منها حدوث خلل في الصلاة، كالإخلال في شيء من أركانها أو واجباتها، أو عدم الخشوع فيها الذي هو روح الصلاة، فمنهم من يسرع في القراءة، ومنهم من لا يقيم ركوعه، ولا يعتدل في قيامه وينقر عند سجوده، ويتلفت يمنة ويسرة ويعبث بلحيته وملابسه ومنهم من يتحسس وجهه ورأسه ورقبته، وهو أمر مشهود، ومنهم من يأتي بأشياء مخالفة لهيئة الصلاة، وقد روى الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد - رحمهم الله تعالى - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنه نهى المصلي أن يقعى في صلاته إقعاء الكلب وأن ينقر فيها نقر الديك أو يلتفت فيها التفات الثعلب أو يقعد فيها قعود القرد. قال الربيع: إقعاء الكلب: أن يفرش ذراعيه ولا ينصبهما وقعود القرد أن يقعد على عقبيه وينصب قدميه ومن فعل شيئا من هذه الوجوه الأربعة فعليه إعادة الصلاة». ومنهم من تكون قلوبهم وعقولهم تسرح في أشياء خارج الصلاة، فهؤلاء لا يعقلون ما يقرؤون وما يفعلون، وليس للمصلي من صلاته إلا ما عقل، لقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، وروي عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي فَطَفَّفَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: «مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ؟» قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا، قَالَ: «مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مِتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ لَمِتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُخِفُّ، وَيُتِمُّ وَيُحْسِنُ». ومنهم من يسابق الإمام ومنهم من يسايره، وهذا مخالف للصواب؛ إذ الصواب متابعة الإمام فإذا كبر الإمام كبروا بعده، وإذا قرأ اقرأوا بعده، وإذ ركع ركعوا بعده، وإذا سجد سجدوا بعده وهكذا، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى وهو جالس فصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال: «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا وإذ قال سمع الله لمن حمده فقالوا ربنا ولك الحمد» رواه الإمام الربيع - رحمه الله تعالى، وبالجملة فإن هؤلاء اتخذوا الصلاة عادة لا عبادة؛ لذلك لا أتر للصلاة في واقعهم.