أفكار وآراء

أزمات المنطقة .. وضرورة تحقيق السلام !

21 أغسطس 2018
21 أغسطس 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

منذ اندلاع الأزمات الإقليمية عام 2011 بفعل ما سمي بثورات الربيع العربي والأوضاع السياسية والخلافات العربية-العربية تتصاعد دون بارقة أمل للحل السياسي الشامل في إطار عملية سلمية تنهي الصراعات المسلحة في اليمن وسوريا وليبيا علاوة علي الخلافات المحتدمة بين عدد من الدول العربية وفي مقدمتها الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثاني.

ولا شك أن هذه الأزمات في المنطقة علاوة على التوتر في منطقة الخليج بين إيران والولايات المتحدة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، كل هذه الإرهاصات السياسية تخلق أجواء من التوتر وعدم الاستقرار في منطقة حساسة واستراتيجية كمنطقة الخليج التي عانت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حروب عدة منذ مطلع عقد الثمانينات بين العراق وإيران تلتها حروب الخليج المتتالية التي انتهت بالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وتداعياته المستمرة حتي الآن.

السلام الشامل هو طوق النجاة

على ضوء الأوضاع المضطربة والخسائر الفادحة البشرية والمالية التي تتكبدها دول الصراع فإن ثمة بارقة أمل لإنهاء تلك الصراعات وعودة الفرقاء إلى طاولة الحوار وحقن الدماء والحفاظ على مقدرات الشعوب، فتلك الأزمات لا يمكن حسمها عن طريق الخيار العسكري خاصة في سوريا واليمن وليبيا وإن كان الوضع في سوريا بفعل التدخلات الإقليمية والدولية أقرب إلى الحل السياسي بعد صراع مسلح دام، راح ضحيته أكثر من نصف مليون سوري وتشريد بضعة ملايين من السوريين خلال مأساة إنسانية تعد الأكبر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ومن خلال مسار جنيف فإن الأمل كبير في إنهاء الحرب متعددة الأطراف في سوريا والاحتكام إلى الحل السياسي وإعادة إعمار هذا البلد العربي الشقيق الذي عاني شعبه الأمرين خلال السنوات السبع الماضية، ومن هنا فإن ما ينطبق على الوضع في سوريا يمكن تطبيقه على مسار الحرب في اليمن التي دخلت عامها الرابع والتي تحتاج إلى حل سياسي لا يزال مبعوث الأمم المتحدة البريطاني جريفيث يبذل جهودا كبيرا ومعه الجهود السياسية المتواصلة من السلطنة لإنهاء هذا النزاع المرير الذي كبد اليمن الشقيق وشعبه الكثير من المقدرات، ومن هنا فإن طوق النجاة في اليمن هو وصول الفرقاء إلى قناعة بأن مسار الحل في اليمن لا بد أن يكون من خلال التفاوض المباشر من خلال الحوار بين الفرقاء اليمنيين والأطراف المعنية.

كما أن الوضع المتدهور في ليبيا منذ عام 2011 يحتاج إلى نفس الرؤية السلمية فالشعب الليبي يعاني الأمرين من خلال صراع الفرقاء في ليبيا، ومن هنا فإن إقرار الدستور وإطلاق العملية السياسية التي تصل بليبيا إلى مرحلة السلام والاستقرار هو المسار الصحيح لإنهاء معاناة الشعب الليبي؛ حيث تمتلك ليبيا كما اليمن مقدرات كبيرة تستطيع أن تجعل ليبيا واليمن من الدول المزدهرة التي تنطلق نحو تنمية شاملة.

وعلى ضوء محددات الصراع في الدول العربية الثلاث فإن الحسم العسكري بعد هذه السنوات يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا على ضوء طبيعة الصراع وجغرافية المكان التي تحكمها خاصة في اليمن وليبيا ومن هنا فإن إطلاق عملية سلمية شاملة تنهي أزمات المنطقة وتخلصها من الحروب المسلحة هو طوق النجاة الوحيد والانطلاق نحو مرحلة يسودها السلام والاستقرار والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة من خلال الدساتير التي توضح المسار السياسي لتلك الدول ومستقبل شعوبها.

المنطقة في وضع صعب

بعيدا عن الصراعات المسلحة في اليمن وسوريا وليبيا تبرز مشكلة التوتر بين عدد من دول الخليج وإيران، وهناك أيضا الأزمة الخليجية المتواصلة دون حل سياسي وهناك التوتر الأكبر بين واشنطن وطهران وموضوع العقوبات الأمريكية علي إيران المتوقع تطبيقها في نوفمبر القادم وسط معارضة أوروبية، ومن هنا فإن هذا التوتر يخلق حالة من عدم الاستقرار، ويعرض المنطقة لمصاعب قد تعاني منها المنطقة في حال حدوث أي صدام مسلح ولو بطريق الخطأ.

وعلى ضوء الصورة الكلية لازمات المنطقة العسكرية والسياسية فإن ثمة سباقا للتسلح برز خلال السنوات الأخيرة حيث المستفيد الأول هو المجمع الصناعي –العسكري الأمريكي والصناعة العسكرية الغربية والروسية، ومن هنا فإن الخاسر الأكبر من استمرار أزمات المنطقة هي شعوب منطقة الخليج بما فيها إيران وعلى ضوء هذه الحقيقة فإن أمام الفرقاء في المنطقة فرصة كبيرة للتوصل إلى قناعات راسخة بأن استمرار تلك الصراعات العسكرية والتوتر في المنطقة ليس في صالح دولهم وشعوبهم وأن الابتزاز من جانب بعض الأطراف لإهدار المقدرات والموارد الخليجية واضح للعيان والأرقام خير شاهد من معهد استوكهولم للسلام الذي يتتبع ويقدر مشتريات السلاح في العالم وتحتل بعض دول المنطقة مراتب متقدمة في شراء الأسلحة. إيجاد الحل السياسي المبني على فرضية التسوية العادلة بين الفرقاء هو المبدأ الصحيح من خلال حسابات الربح والخسارة ففي الحروب الإقليمية والأهلية لا بد من مراجعة دقيقه لمسار تلك الصراعات، ومن خلال تقييم شامل يتم اتخاذ القرار السياسي المبني على المصالح الوطنية وليس التمسك بمواصلة الحرب.

وهذا المبدأ هو الذي قام عليه إنهاء الحروب ومنها الحرب المدمرة الشهيرة بين الولايات المتحدة وفيتنام، ورغم الهزيمة السياسية والأخلاقية لواشنطن إلا أن الحسابات كانت تقتضي إنهاء مسار الحروب بكل أوجاعها للطرفين، ومن هنا فإن هذه النماذج في التاريخ القريب لا بد أن تؤخذ في الاعتبار؛ وذلك حفاظا على المقدرات الوطنية أولا وثانيا عدم تعميق الكراهية بين الشعوب.

الإعلام ودوره التنويري

وكما تمت الإشارة في مقالات سابقة فإن الإعلام العربي ودوره على صعيد الأزمات في المنطقة كان محرضا وغير أمين في مسألة التعريف بالأخطار المحدقة بالأمن القومي العربي، ونحن نتحدث هنا عن الإعلام المستقل الذي ينبغي أن يكون موضوعيا ومتوازنا بعيدا عن الخطاب الإعلامي الرسمي الذي يتماشى وصانع القرار السياسي وهذا شيء متوقع، ومن هنا فإن الفرصة لا تزال قائمة لأن يكون خطابا إعلاميا متزنا يدعو للحلول السلمية في الأزمات والصراعات التي تمت الإشارة إلى بعضها، وأن يكون هذا الإعلام المستقل مساعدا على ردم الهوة بين الفرقاء، ويذكر بأهمية المصالح المشتركة والخسائر الجسيمة التي يتكبدها الجميع من استمرار تلك الصراعات في المنطقة.

الإعلام دوره حاسم إما بإشعال الحروب أو من خلال الدور الإيجابي الذي يدعو إلى الحلول التوفيقية، ومن هنا فإن الإعلام العربي في هذه المرحلة المفصلية من التاريخ العربي الحديث عليه مسؤولية وطنية وقومية كبيرة بما فيها الإعلام الرسمي؛ لأن الأوضاع وصلت إلى مرحلة معقدة ومخيفة تهدد الأمن القومي العربي ومقدرات الأمة في أكثر من منطقة، وكما تمت الإشارة فإن طوق النجاة هو الجنوح إلى السلم والابتعاد عن استمرار تلك الصراعات التي تسجل أرقاما مفزعة وضحاياها هم الشعوب ومقدراتها، وهذا يحتم إنهاء تلك الصراعات والتوترات في المنطقة من خلال حمله إعلامية أمينة تحث على إنهاء تلك الصراعات وتبين المخاطر الجسيمة علي الأوطان في حال استمرت تلك الحروب وتلك الخلافات بين الأشقاء.

الإعلام في كل مراحل الصراعات يلعب الدور الأهم خاصة في ظل التقنية والثورة المعلوماتية وفي ظل انتشار الأخبار المضللة التي تربك المشهد السياسي العربي وتعمق الخلافات بين الدول، وهذا بلا شك يحتاج إلى ضمائر إعلامية حية تستشعر الأخطار المحدقة بعيدا عن المصالح الضيقة والوقتية، ومن هنا ندعو إلى أن يكون للإعلام العربي كلمة تعيد الأمل للأجيال العربية وتعطي فرصة لالتقاط الأنفاس وأن يتم إنهاء تلك الصراعات؛ لتبدأ مرحلة من التعايش السلمي بين الدول والشعوب؛ لتتفرغ المنطقة لمزيد من مشاريع التكامل الاقتصادية والتنموية ويبدأ مناخ جديد يتم استثماره لصالح الشعوب العربية ويتم استغلال تلك المقدرات الكبيرة في تطوير المجتمعات بما يتماشى والثورة الصناعية الرابعة وتطور التعليم والنظر إلى المستقبل بتفاؤل كبير يعيد للامة العربية أملا جديدا لمسايرة ركب التطور والتجديد والانطلاق إلى آفاق أفضل بما يمكن ملايين الشباب العربي من الإبداع لخدمة أوطانهم بعيدا عن ثقافة الحروب والصراعات التي أثبتت عدم جدواها كما نراها حاليا في أكثر من منطقة جغرافية عربية فهل يحدث طوق النجاة وينطلق مسار السلام ؟ نتمنى ذلك.