Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :أن تنشئ ثقافة ما

21 أغسطس 2018
21 أغسطس 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

كثير من حديثي الزواج يقلقهم قدوم المولود الأول، وهذا القلق له ما يبرره، فالمسألة لا تتعلق بحالة آنية، أو عملية ميكانيكية، وإنما لها أبعاد كثيرة؛ فسيولوجية وسيكولوجية، وهذه الأبعاد لا تتعلق بمستقبل هذا القادم «المولود» وأسرته فقط، وإنما بمستقبل وطنه الذي يعيش فيه، فهو مستقبل أمة برمتها.

القلق هنا؛ يتمحور حول الإجابة عن السؤال الجوهري: كيف أؤسس ثقافة هذا الطفل؛ لكي يكون مواطنا صالحا لوطنه، وإبنا بارا لأسرته؟ ومن هنا تبدأ مجموعة الممارسات السلوكية التي تسعى الأسرة لتغذية اطفالها بها، طوال سني أعمارهم، إلى أن يتعدوا مرحلة التأسيس، وهي المرحلة التي تستطيع الأسرة أن تغرس قيمها التي تريد، وقبل أن يتحرر هذا المولود من عتاق الأسرة، ويبدأ مرحلة جديدة يعيد من خلالها تنظيم مجموعة السلوكيات التي عايشها بين أحضان أسرته خلال فترة «الغرس» فيأخذ بهذه ويزيل تلك، حتى يصل الى قناعات معينة يؤمن بها، ويوظفها في حياته، ويستمر على هذه الحالة - الحذف والإضافة - طوال سنوات عمره في هذه الحياة، وهذه الصورة هي للأسر التي تملك في الأصل رؤية لهذا الجانب، فهناك؛ في المقابل؛ أسر كثيرة تترك «الحبل على غاربه» وتسلمه للظروف التي يعيشها المجتمع.

لن يكون تأسيس ثقافة ما للنشء بالأمر الهين اليسير، قد تكون مرحلة الطفولة الأولى، أيسر، حيث يسعى الطفل الى تقليد من حوله، بصورة تلقائية «فطرية» وربما تكون هذه المرحلة العمرية، من اسهل المراحل في غرس القيم لدى الناشئة، قبل أن تبدأ مرحلة تبدل القناعات «التمييز» لدى الطفل، ولذلك يكثف الوالدان في هذه المرحلة تطعيم الطفل بمجموعة الأوامر والنواهي (إفعل كذا؛ ولا تفعل كذا) وهناك من الآباء والأمهات من يبالغ في حجم هذه الأوامر والنواهي، دون مراعاة لعمر الطفل، وهذه من الحالات التي ينصح المتخصصون الآباء والأمهات، بالتخفيف منها، لأنها، في بعض الأحيان، تحدث ردة فعل عكسية، تهدم كل البناءات السلوكية التي تم غرسها خلال فترة العمر التي أنجزها الطفل، أو على الأقل تربك تماسكها، وتوجد فيها خللا ما، يؤثر على مدى تمسك هذا الفرد فيما بعد بمنظومة القيم التي اكتسبها، وينتقل بالبحث عن قيم أخرى تشبع لديه شيئا مما يتوق إليه، ويحقق ذاتيته.

ويحدث هذ الإرباك أكثر عندما يرى هذا الطفل أن أحد أبويه، أو كلاهما، قد أتى بفعل يناقض ما حاول غرسه فيه، حتى لو كان ذلك السلوك «النقيض» غير مقصود، خاصة إذا لم يعتذر لطفله، أو يبين له خطأ الممارسة.

المقاربة ذاتها تكون عندما تتبنى المؤسسة مجموعة من النظم والقوانين، وتلزم بها جميع العاملين فيها، ومن ثم يأتي المسؤول الأعلى فيأتي بممارسات وسلوكيات؛ تضرب بعرض الحائط؛ بكل القوانين والأنظمة التي تضعها المؤسسة لتنظيم اشتغالاتها اليومية، هنا تحدث ردة فعل عكسية لمدى التزام الجميع بقوانين المؤسسة وأنظمتها، وهذه الحالة التي تربك علاقة الموظف بمؤسسته، كما هو حال العلاقة بين الطفل وأسرته، عندما يُخل أحد الوالدين بما تم التعاقد عليه بينهما ومجموعة أطفالهما.

وللإجابة على السؤال المطروح في العنوان (كيف تنشئ ثقافة ما) ان ذلك يستلزم وجود مسارين؛ احدهما: أفقي، بحيث تحافظ مجموعة الأوامر والنواهي على ذات المسار، دون تغيير يربك مسارها الأفقي، وثانيهما: رأسي، بحيث يحرص الوالدان على زيادة العبء المعنوي في ذات السلوكيات، من خلال الاهتمام بالجوانب الأخرى التابعة لذات السلوك، وبتوضيح آخر، فإذا كانت القيمة الأولى لسلوك احترام العلاقة بين الطفل ووالديه، يستلزم الأمر هنا ادخال أفراد آخرين، وهم مجموعة الإخوة والأخوات، والأعمام والخالات، والجيران، والأقارب، وذوو النسب، وهذا ينسحب على جميع السلوكيات التربوية القائمة بين الآباء وأبنائهم.