أفكار وآراء

معول هدم الناتو

19 أغسطس 2018
19 أغسطس 2018

ديفيد إجنيشس - واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

تعلن لافتة زاهية في المبنى الجديد الفخم لرئاسة حلف الناتو ببروكسل عن القناعة الأساسية للحلف بالعبارة التالية « نحن معا. نحن أقوياء»، لكن الكلمات تبدو جوفاء بعض الشيء في الآونة الأخيرة مع تصعيد الرئيس ترامب لهجماته على الشركاء الأوروبيين التقليديين للولايات المتحدة. فسياسات «أمريكا أولا» الترامبية هزت العديد من البلدان التي كانت تعتبر واشنطن حليفتها وحاميتها. فقد فرض ترامب رسوما عالية على واردات الصلب والألمونيوم الأوروبية. وقيل أنه يعد رسوما مماثلة ضد شركات صناعة السيارات الأوروبية – وذلك قبل أن يقوم يونيكر مفوض الاتحاد الأوروبي بلقائه مؤخرا في واشنطن. كما أفزع ترامب القادة الأوروبيين في اجتماع قمة مجموعة السبع الصناعية الكبرى في شهر يونيو الماضي ورفض التوقيع على بيان القمة، كما اقترح انضمام روسيا مجددا لهذه المجموعة النخبوية فيما تحاول أوروبا مقاومة سياسات موسكو العدائية. لقد ذهل الأوروبيون وكانوا في حالة إنكار خلال العام الأول من رئاسة ترامب، لكنهم الآن يتحدثون عن سبل الرد (على الولايات المتحدة) . تلك كانت رسالة مؤتمر خبراء السياسة الخارجية الأوروبيين والأمريكيين الذي انعقد في بروكسل مؤخرا لمناقشة « الأزمة عبر الأطلسية». وقال المشاركون في المؤتمر أن الصدع (في الناتو) غير مقبول ووصفوه بالصدمة الكهربائية والتفكك وربما الكارثة المحتملة. ويرى نيكولاس بيرنز وهو وكيل سابق لوزارة الخارجية الأمريكية ويتولى إدارة مجموعة آسبن للاستراتيجية التي ساهمت في تنظيم المؤتمر، أن ما حدث « أخطر أزمة عبر أطلنطية خلال 70 عاما لأن الأوروبيين لايرون لدى ترامب التزاما تجاه الاتحاد الأوروبي والناتو أو القيم الديمقراطية التي تشكل أساس الحلف».

ويقول الأوروبيون والأمريكيون انهم كانوا قلقين من احتمال أن يقوض «التوتر عبر الأطلسي» قمة الناتو التي عقدت في بروكسل الشهر الماضي وحضرها ترامب، لكن اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدها في هلسنكي قد طغى عليها بعد ان حاول ترامب في اجتماع بروكسل ممارسة ضغوط شديدة على الأوروبيين مرة أخرى، الأمر الذي زاد في الواقع من اتساع الخرق.

يقول دوجلاس لوت، السفير الأمريكي السابق لدى الحلف: « إن قمة الناتو تقدم شيئا واحدا فقط هو التماسك والتضامن، وهذه المرة خرجنا من القمة بانطباعات مختلفة حول المستقبل » لقد كان غضب ترامب من أوروبا واضحا منذ الأيام الأولى لرئاسته. وكما عبر عن ذلك أحد المشاركين في المؤتمر يمثل الاتحاد الأوروبي كل شيء يكرهه ترامب. فهو تعددي وليبرالي في سياساته الاجتماعية وملتزم بالتجارة الحرة ويشعر بالقلق من التغير المناخي، وماهو أسوأ من كل ذلك أن الاتحاد غير مستعد لدفع ما يكفي من نفقات الدفاع عنه. وتمثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تقود أقوى اقتصاد في أوروبا هدفا خاصا لترامب.

فمع مواجهة ميركل للقلاقل داخل تحالفها الحاكم اتخذ ترامب في خطوة مثيرة للدهشة بمهاجمة حكومتها على نحو يرقى إلى أن يكون تدخلا (رئاسيا) في السيادة الألمانية. فقد كتب على تويتر «شعب ألمانيا ينقلب على قيادته مع هز الهجرة لتحالف برلين الهش أصلا »، فهذا (التعليق) صادم حتى بمعايير ترامب. وماهو جديد أن الأوروبيين يقاومون. فوزير الخارجية الألماني هايكو ماس هاجم في الأيام الماضية ما أسماها سياسة ترامب الأنانية تحت شعار « أمريكا أولا ». وقال ان «المحيط الأطلسي صار أكثر اتساعا » خلال رئاسته. وأضاف متحسرا: ان «النظام العالمي الذي عرفناه في السابق لم يعد موجودا.» يبدأ رد أوروبا (على الولايات المتحدة) بما أسماه ماس « سياسات مضادة ملائمة» ضد الرسوم الجمركية على سلعتي الصلب والألومنيوم. ويتحدث الأوروبيون في بروكسل عن مجهود أوسع نطاقا لتطوير سياسات أمنية أوروبية مستقلة تجعل بلدان القارة أقل اعتمادا على «أمريكا جديدة لايمكن الاعتماد عليها.» وحث فرانسوا هايسبورغ وهو خبير أمني فرنسي الأوروبيين على « الحديث بنعومة وإعداد عصا غليظة.»

ودعا مارك ليونارد، رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أوروبا إلى الكف عن «إرضاء» ترامب والتركيز على مصالحها الأمنية الخاصة بها. من جانبه أيد هذا الموقف فيليب زيليكو. وهو مسؤول سابق بوزارة الخارجية الأمريكية ويحاضر بجامعة فيرجينيا. وحذر من الانشغال بالتساؤلات القلقة وقال « ستحتدم المواجهة الأوروبية- الأمريكية إذا نفذت إدارة ترامب تهديدها بفرض عقوبات ثانوية ضد الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي». وفي اعتقاد مسؤول كبير سابق بالاتحاد أن على أوروبا الرد ليس ببساطة بقانون الحجب الذي يتصدى للإجراءات الانتقامية الأمريكية ولكن بعقوبات مضادة خاصة بها على الشركات الأمريكية.

( قانون الحجب يعود إلى عام 1996 وفي حال تنشيطه سيمنع الشركات الأوروبية من التقيد بالعقوبات الأمريكية ضد إيران- المترجم.) ستبدو لك هذه الأوقات غريبة حقا إذا سبق لك أن عايشت الأثر الحميد للحلف العابر للمحيط الأطلسي (الناتو) ونظرت إلى هذه الشراكة ( الأطلسية) كركيزة للسلم والازدهار العالميين. لقد استغرق تشييد هذا البناء 70 عاما لكن آلة الهدم تنقض عليه (لتنقضه) حجرا حجرا. والأمل في بروكسل أن يفشل ترامب.