إشراقات

خطبة الجمعة: الاقتصاد لا ينهض حتى يأمن الناس ويسود العدل في أوســاطهم ويقضى عـلى كــل أنـواع الفـساد الاقـتصادي

16 أغسطس 2018
16 أغسطس 2018

«الوداع» عالجت قضايا الأمة الكبرى الدينية والسياسية والاقتصادية والاجـتماعية -

أكدت خطبة الجمعة المعنونة بـ(إضاءات من خطـبة الوداع) التي أعدتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أن خطـبة الوداع التي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم عالجت قضايا الأمة الكبرى، ابـتداء بالجانب الديني ثم السياسي، مرورا بالجانب الاقتصادي فالاجـتماعي.

ونبهّت إلى أنه لن ينهض اقتصاد أمـة حتى يأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ويسود العدل في أوساطهم، ويتم القضاء على كل أنواع الفساد الاقتصادي الناجم عن الشفاعات والواسطات والمحسوبيات والرشاوى .. وإلى ما جاء في الخطبة.

الحمد لله ذي الجلال والكرم، أكمل لنا الدين وأتم لنا النعم، وجعلنا خير أمـة أخرجت للعالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، شهادة نسترفد بها النعم، ونتقي بها شر النقم، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، منبع الأخلاق والشيم، وباني الحضارة والقيم، آتاه الله جوامع الكلم، فكان خير ناطق بفم، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله:

(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). واعـلموا، رحمني الله وإياكم، أن خطبة الوداع التي خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في العام العاشر من الهجرة على صعيد عرفات كانت خطبة جامعة مانعة، أرسى بها النبي صلى الله عليه وسلم قواعد الدين، وأتم بها النعمة على العالمين، كيف لا؟! وقد نزل بعدها قول الحق سبحانه (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). لقد عالجت خطبة الوداع قضايا الأمة الكبرى، ابـتداء بالجانب الديني ثم السياسي، مرورا بالجانب الاقتصادي فالاجـتماعي. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: (أيها الناس: إن ربـكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي فضـل إلا بالتقوى).

أيها الإخوة:

مهما كانت الإمـكانات المادية ضخمة وقوية إلا أنها هباء إن لم تقترن بالتقوى، فالموظف إن لم يكن تقيا فهو معول هدم؛ وإن كان يمـلك كما من الشهادات العلمية، والتاجر إن لم يكن تقيا كان مصدر بلاء تهـلك بسببه الأمـة، والجندي إن لم يكن تقيا لاذ بالفرار عند أول لقاء، والمتتبع لحال الأمم السابقة يدرك أن ذهابها لم يكن بسبب نقص في إمـكاناتها الماديـة؛ ولكن لما غابت التقوى وقع ما لا تحمد عقباه، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)؛ ولذا كانت التقوى معيارا للتفاضل بين الناس، في ميزانها يوزنون، وعلى أساسها يتفاضلون.

معاشر الأحبة:

الاقتصاد شريان الحياة، ويد العدالة فوق الجميع، وإنما أهلك الذين من قبـلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها، ولن ينهض اقتصاد أمـة حتى يأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ويسود العدل في أوساطهم، ويتم القضاء على كل أنواع الفساد الاقتصادي الناجم عن الشفاعات والواسطات والمحسوبيات والرشاوى وغيرها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((أيها الناس: أتدرون في أي شهر أنتم؟ وفي أي بلد أنتم؟ وفي أي يوم أنتم؟ قالوا: نعم، في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليـكم إلى أن تلـقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا لا تظالموا، لا يحل مال امرئ مسـلم إلا بطيب نفس منه، ألا وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطـلب، كان مسـترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وإن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطـلب، فإنه موضوع كله، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد)). لقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بوضع دم ابن عمه ربيعة بن الحارث، وربا عمه العباس بن عبد المطـلب، وفيه إشارة إلى أن الدين لا يحابي أحدا، وأن أحكام الله نافذة على القوي والضعيف، والوضيع والشريف، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).

إخوة الإيمان:

قوة المجـتمع دليل على تماسك لبناته، ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع على ترسيخ أواصر المحبة بين الزوجين، وبيان حق كل واحد منهما، فالبيت المسلم الذي تشيع في جنباته المودة والرحمة، وينعم أفراده بالسكينة والاطمئنان؛ قادر على رفد المجـتمع بطاقات فاعلة، وسواعد فتية، تدفع بعجلته نحو التقدم والرقي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((أيها الناس: إن لنسائكم عليـكم حقا، ولكم عليهن حقا، لكم عليهن أن لا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه، ولا يأتين بفاحشة، واسـتوصوا بالنساء خيرا؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واسـتحـللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واسـتوصوا بهن خيرا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد)).

فاتقوا الله - عباد الله -، وارسموا من خطبة الوداع معالم تنير لكم الدروب، وتصلكم بعلام الغيوب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا أيها الناس:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ). يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلكم مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم، لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن تمسـكتم به لن تضلوا بعدي أبدا؛ كتاب الله وسنتي، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد)) .

فاتقوا الله - عباد الله -، وَ(أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).