lama
lama
أعمدة

توعويات : سجن الماضي.. إلى متى؟

15 أغسطس 2018
15 أغسطس 2018

لما مصطفى دعدوش  -

(أنا في الماضي) قد تستغرب العنوان، لتجد بعدها أنه وارد ومألوف جدا في حياة الكثيرين ممن يحبون أن يظلوا في طياته، متيقظين لكل محاولة لإخراجهم منه أو إبعادهم عنه، وكأنه حتم كوني، عليهم البقاء في دائرته والدوران فيها دون تغيير ولا تبديل. طبعا هذا حال من لا يطالبون حتى بفكرة النظر في صحته وخطئه، ولكن إلى متى؟

الى متى سنظل هنا في هذه البقعة متجاهلين امورا جديدة قد دخلت في إطار ما يسمى الحاضر الذي يجب أن يحل محل الماضي ويأخذ دوره حسب قانون الكون والزمان، دور الحاضر هو دور الإنسان الجائع الآن، التعب الآن، الحزين الآن، المريض الآن، الذي يجب أن يدرك بفكره و يتصرف بسلوكه وجوارحه التصرف العملي في إطار ودائرة الآن، وهذا يستدعي الخروج من دائرة الماضي بلا عودة، والنظر إليه في ما يوافقنا إيجابيا فقط، أما ما كان سلبيا فليذهب أدراج الرياح فلا حاجة لنا به في حينه، فما بالك بحاجتنا به الآن؟

إنه لضرب من الجنون أن نبقى متمسكين بأشيائه وذكريات تفاصيله المبعثرة، وأشلاء أحزانه الكئيبة في ميدان الوفاء المزعوم له، قد تقول لي: لا أستطيع التحرر منه، هل لي من وسيلة؟ جوابك عزيزي يكمن عندك ومعك، فإرادتك ملكك وهذا هو الجواب، إن لم تستطع السيطرة على ماض يتعبك ويزعجك، فكيف ستقدر أن تحرر نفسك منه ( تحرر نفسك، لا أحد يحررك إلا أنت، لا أحد له سلطة على أفكارك إلاك).

بعضهم يضع لنفسه إسما وهوية مقترنة به وملاصقة كمن يسمي نفسه أسير الماضي، وليل الذكريات، ولن أنساك. لا تتخيل خطورة هذه الرسائل اللاوعية وأثرها في النفس وللسلوك والشعور، فهم يؤكدون ويرسخون هذه الأفكار ومشاعرها المصاحبة لها بأنفسهم في لاوعيهم، وبذلك تصبح كل تصرفاتهم وردود أفعالهم وطريقة تفكيرهم على هذا التردد من الضعف، والانشغال بالماضي والتحسر عليه والبكاء على الأطلال. من هنا ستدرك أن شمس حياتك الآنية لن تدخل حتى يخرج منك ليل ماضيك الاسود، ولن يتلألأ إشعاع نور مستقبلك حتى ينار ضوء حاضرك بإطفاء ليل ماضيك، كلها إشارات.. عبارات.. ومضات، تقول لك ان تبدأ وتمسك ممحاة الليل.

قد تتعجب إن علمت أن السعادة عين السعادة في عيش لحظة الآن، في التركيز على ما في هذا الحاضر والآن من جمال وقوة وعطاء وخير وإنجاز، في أن تعيش حلو لحظات وساعات وأيام كتبها الله لك في زمن معين لن يعود ثانية أبدا. فإن فقدته فقد فقدت متعة لن تتكرر في زمان حياتك، لم لا تستمتع برزق اليوم؟

لم لا تدع رزق يومك الماضي لأنه مضى وترحم نفسك من قلق رزق يومك الآتي، هو آت لا محالة، فهو رزقك أنت، ورزق ذاك اليوم بتاريخه المحدد، ستعيش في دوامة الإرادة والأفكار، وستدور معها في دائرة.. لا أريد أن.. ثم لا أريد أن.. عزيزي، دعك مما لا تريد، ولنمسك سويا بكراس ما نريد، لنسجل عليه غايات حياتنا وبوارق سعادتنا وآفاق نجاحاتنا.

تعال فلنسطر كتاب الحياة الذي سيورق إنجازا وعملا وجدا وراحة وهناء، فالعمل في الآن هو رأس العمل وحربته، ستسعد بعدها حينما تطل على مستقبلك من هنا، متأملا وطموحا جريئا، لترسمه كما تريد وتلون أوراقه الشفافة بألوان عزمك وقوتك. ثم أنا الآن هنا، فليكتب القدر، أني ما سئمت ولا استسلمت يوما.

[email protected]