sharifa
sharifa
أعمدة

وتر : عن الكتابة

15 أغسطس 2018
15 أغسطس 2018

شريفة بنت علي التوبية -

الكتابة نوع من الإلهام الذي يعيشه الكاتب فلا يعرف مصدره سوى أنه إلهام غيبي يُلقى على قلبه أو مخيلته، فيحاصره حتى لا يجد سبيلا للفرار، فيتحول الإلهام إلى فكرة تطرق رأس الكاتب، فلا تتركه قبل أن يشكّلها أو يحولها إلى نص سردي لا يقل في جماله عن قطعة فنية بيد فنان ماهر، والكتابة ليست بالأمر السهل كما يعتقد البعض أو كما كنا نظن في البدايات، فكلما كتبت وسرت نحو العمق في الكتابة تكتشف أنك بعيد عنها وأنك لم تصل ولم تكتب شيئا، بل كل ما كنت تفعله سيبدو لك هزيلا وغير مقنع في مرحلة لاحقة.

الكتابة أن تدخل صلب المعاناة، وأن تعيش ألم مخاض الفكرة، فلن تفتح لك الكتابة أبوابها مهما طرقتها وأنت غير مخلص لها أو مشغول بغيرها، لأن الكتابة كائن أناني متفرد، إما أن تكون لها أو لا تكون، فحينما تكتب يغيب كل شيء، ولا تحضر سوى الفكرة بكامل زينتها وهيبتها وجمالها فارضة حضورها عليك، فتعلم أن من أسباب وجودك في الحياة أن تكتب، وأن تكون حياتك مرهونة بهذه اللحظة، وستكتب لأن الكتابة ليست فعلا اختياريا، بل قدرا حلوا، والأقدار لا تُردّ، وستتحايل على ظروف الحياة وأعبائها وستسرق الوقت من أجلها، وإن كان للشاعر الفرنسي بونفوا رأي آخر، وهو أن الحياة هي التي تسرق الوقت من عمر الكتابة بلؤم واحتراف، وأعتقد أن هذا أقرب إلى الحقيقة.

ورغم أن الكتابة قدر وحياة لكنها لا يمكن أن تكون مهنة في وطننا العربي، فهي ليست وسيلة للكسب المادي قدر ما هي احتياج روحي وعاطفي، فالكتابة «لا تؤكّل عيشا» ولا تُشبع بطنا جائعا ولا تبني بيتا ولا تملأ ثلاجة فارغة بالمطبخ، ومع ذلك ما زال هناك من يكتب بلذة وعشق ليخرج بنص مكتوب بحبر القلب، فيقدمه للقارئ كرغيف شهي ساخن.

وسيبقى الكاتب العربي مشتتا وغريبا بين وظيفة تستهلك عمره وكلمة تناديه أن يكتبها، ورغم الشتات سيكتب؛ لأن الكتابة بالنسبة له حياة، يهبها روحه وبعضا من عمره المسروق، لتكون أطول عمرا منه، ولتمنح روحه الخلود بعد فناء جسده؛ ولأن هناك كاتب سيكون هناك قارئ، ففي زمن الثقافة السريعة والهواتف الذكية ما زلت أراهن أن هناك قارئا يقرأ، قارئا مخلصا يبحث عن الكلمة الحقيقية في زمن الغث مهما تعددت وسائل الثقافة ومصادرها، فإن كان الكاتب لا يختار قارئه لكن القارئ الذكي يختار كاتبه.