أفكار وآراء

تداعيات كارثية لقانون «قومية الدولة اليهودية »

14 أغسطس 2018
14 أغسطس 2018

بشير عبد الفتاح -

« أبى قانون القومية الصهيوني إلا إسقاط حق العودة لقرابة ستة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين المبعثرين في أرجاء المعمورة ، فيما شجع بالمقابل على هجرة اليهود إلى أرض فلسطين «

و يبدو أن شهر يوليو الماضي قد أبى أن ينقضي إلا بعد أن يشهد على توجيه إسرائيل صفعة من العيار الثقيل للفلسطينيين والعالم من حولهم وكذا للشرعية الدولية فبتأييد 62 صوتاً مقابل 55 ، قطعت حكومة نتانياهو شوطا هائلا على درب تنفيذ استراتيجيتها الخرقاء القائمة على وضع الفلسطينيين والعالم قاطبة أمام الأمر الواقع الكارثي على الأرض المحتلة عبر تنفيذ صفقة القرن المشؤومة، حيث أقر الكنيست الإسرائيلي الشهر الماضي مشروع قانون القومية اليهودية، الذي بادر بتقديمه النائب البرلماني عن حزب الليكود آفي ديختر، والذي يعد أخطر القوانين التي تشرع مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية على الأرض.

ففي تحد صارخ للاتفاقات والمواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة ، نص القانون العنصري المعروف بقانون «الدولة القومية للشعب اليهودي» على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير فيها حصري للشعب اليهودي دون سواه، إذ يعطي القانون أي يهودي الحق في الهجرة لإسرائيل والحصول على جنسيتها، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير، ونص القانون على أن تكون الإجازات الرسمية المعتمدة في الدولة العبرية هي إجازات اليهود فحسب، وشدد على أن اللغة العبرية ستصبح اللغة الرسمية الوحيدة المعتمدة داخل إسرائيل، بينما نزع هذه الصفة عن اللغة العربية، فيما كانت اللغتان العربية والعبرية تستخدمان من قبل في الوثائق والمؤسسات الرسمية.

وهكذا، جاء قانون القومية الإسرائيلي المقيت ليلقي مزيدا من الغيوم على مستقبل القضية الفلسطينية وليباعد بين الفلسطينيين وحلم الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967وعاصمتها القدس الشرقية ،كون ذلك القانون يضرب في مقتل كافة الركائز القانونية والسياسية والجيواستراتيجية التي يمكن أن تستند عليها تلك الدولة، إذ تطمس ملفات الوضع النهائي العالقة كالقدس واللاجئين والمستوطنات والمياه والحدود.

ففيما يتصل بملف المستوطنات،وتوخيا منه لتقنين وشرعنة الأنشطة الاستيطانية الجائرة والمجرمة دوليا،اعتبر قانون القومية المشبوه تطوير الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة قيمة قومية، ومن ثم يتعين على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن تعمل لأجل تشجيعه والتوسع فيه ودعمه وتثبيته مهما كانت الضغوط أوالتحديات، وبغض النظر عن أية كوابح قانونية أو قيود سياسية وأخلاقية.

وبخصوص ملف القدس، وفي محاولة منه لترسيخ وشرعنة قرار واشنطن بشأن الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، لم يتوان القانون عن الـتأكيد علي أن القدس الكاملة والموحدة ستبقي عاصمة إسرائيل الموحدة والأبدية ، وبتعمد نصه الإشارة المتكررة لمصطلح «أرض إسرائيل» بدلا من « دولة إسرائيل» ، يرمي قانون القومية العنصري إلي طمس ملف الحدود عبر التمهيد لضم الضفة الغربية إلي دولة إسرائيل بعد القدس بما يقوض أية فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. الأمر الذي دفع الجامعة العربية إلي التأكيد في بيان لها مؤخرا على أن هذا القانون المشين يأتي في سياق حزمة القوانين الهدامة التي أقرها الكنيست الإسرائيلي مؤخراً بغية تمهيد السبيل لضم الضفة الغربية وشرعنة الاستيطان لفرض أمر واقع مغاير ومناقض لما أقرته الشرعية الدولية، فيما ارتأت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي أن قانون القومية يهدف للقضاء على الوجود الفلسطيني ، حيث يعد تمهيدا قانونيا لشرعنة وتقنين عملية الإبادة الجماعية للفلسطينيين بعد انقضاء سبعين عاماً علي إقامة الدولة القومية الصهيونية لليهود ، والتي مهد لها مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل قبل 121 عاما.

وفي مسعى منه لتقويض قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر مصادرة حقهم في العودة والتعويض، بموجب قرارات الشرعية الدولية، فقد أبى قانون القومية الصهيوني إلا إسقاط حق العودة لقرابة ستة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين المبعثرين في أرجاء المعمورة، فيما شجع بالمقابل علي هجرة اليهود إلي أرض فلسطين ، ولجهة أوضاع عرب 1948، الذين يقدّر عددهم بمليون و800 ألف نسمة ينحدرون من 160 ألف فلسطيني ظلوا في أراضيهم بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948 ، ووفق هذا القانون، فإن عرب 1948 الذين يشكلون نسبة 20 بالمائة من سكان إسرائيل البالغ عددهم 8.5 مليون نسمة ، ويشكون من التمييز والغبن والتهميش على مختلف الأصعدة، والذين لا يوجد قانون ينص على المساواة بينهم وبين اليهود داخل إسرائيل جراء تعنت الحكومات المتعاقبة ضد أية محاولة داخل الكنيست لتشريع أي قانون من هذا القبيل ، فقد عمد قانون القومية المشؤوم إلي مفاقمة معاناتهم ، بعدما كرس النظر إليهم كأقلية وباعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية ، حيث ارتأى عضو الكنيست آفي ديختر، صاحب مشروع القانون الجائر،أنه حقّق رغبة مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل قبل 121 عاما في مؤتمر بازل، ناصحا النواب العرب بالكنيسيت بأن يتوسلوا وذووهم من عرب إسرائيل المساواة كأقلية لا كقومية، فبمقتضي القانون الجديد، لم يعد الفلسطينيون من حاملي الجنسية الإسرائيلية، والذين يشكلون قرابة 20٪ بالمائة من سكان إسرائيل، يحتسبون كقوميّة بل أقلّية مغلوبة علي أمرها، في دولة الأغلبية اليهودية المنتصرة، المفتوحة لأي يهوديّ وُلد في أي مكان علي البسيطة، والممنوعة علي أي فلسطيني ممن ولد آباؤه أو أجداده في ربوعها.

ومن خلال ذلك الإمعان في العنصرية وانتهاك الشرعية الدولية بهذا المستوي من العجرفة والفجاجة،جاء قانون القومية الإسرائيلي الأخرق مناقضا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٢٧٣ لسنة ١٩٤٩، والذي اشترط على إسرائيل تنفيذ قرارها المعني بعودة اللاجئين الفلسطينيين رقم ١٩٤ لسنة ١٩٤٩واحترام الوضع الخاص لمدينة القدس، لقبول إسرائيل عضوًا في منظمة الأمم المتحدة ‘ولا شك أن انتهاك إسرائيل لشروط العضوية في المنظمة الدولية الأممية من شأنه أن يحرمها من الحق في إقامة الدولة والعضوية في المجتمع الدولي.

وما كان للكنيست الإسرائيلي أن يتجاسر علي تمرير ذلك القانون الجائر لولا الظروف الإقليمية والأوضاع الدولية المواتية ،علاوة على الداخل الفلسطيني المتشرذم والمتأزم في آن ، فبظلالها الكثيفة ألقت حالة الصيرورة الاستراتيجية التي تلف عالم اليوم وأجواء السيولة الجيواستراتيجية التي تطبق على المنطقة ، بينما تبدو القوى الكبرى غارقة في خلافاتها الاستراتيجية وحروبها الجيو اقتصادية ، تتسارع وتيرة الجهود والمساعي التي تتخذها كل من إدارة ترامب وحكومة نتياهو لانتهاز الفرصة السانحة واستثمار اللحظة التاريخية المواتية لتحويل مخططات تلك الصفقة المشبوهة إلى إجراءات وخطوات عملية بغية فرض واقع جديد ونهائي على الأرض ، يسطر بدوره نهاية مأساوية اختزالية للقضية الفلسطينية،وسط صمت دولي وعجز وارتباك عربيين.

وبناء عليه ، جاءت خطوة نتانياهو المشؤومة كنتيجة مباشرة وسريعة لقرار ترامب المعروف بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ، والاعتراف بالأخيرة عاصمة لإسرائيل في يوليو من عام2017 ، ولقد أتى التحرك الأمريكي العملي الصادم لشرعنة وترسيخ دعائم الأمر الواقع الذي طالما عمدت إسرائيل إلى فرضه عنوة في مدينة القدس ، تنفيذا لقرار كان الكونجرس قد أقره بهذا الصدد قبل عشرين عاماً واستنكف الرؤساء الأمريكيون السابقون عن تنفيذه ، عسى أن يساهم ذلك التأجيل في تهيئة الأجواء لتسوية نهائية ومقبولة للقضية الفلسطينية ، وقد وصف ترامب هذا التحرك بأنه «خطوة متأخرة جدا» من أجل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط والعمل باتجاه التوصل إلى اتفاق دائم !!،كما اعتبر أنه يصب في مصلحة الولايات المتحدة ويساعد على تحقيق السلام بين إسرائيل. والفلسطينيين. !!