أفكار وآراء

مجلس عمان .. مساهمة فعالة في جهود التنمية المستدامة

12 أغسطس 2018
12 أغسطس 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

بانتهاء دور الانعقاد السنوي الثالث من الفترة السادسة الحالية، يحقق مجلس عمان بجناحيه (مجلس الدولة ومجلس الشورى) منجزا تنمويا آخر، يضاف إلى تراكم نوعي ، يسند الجهد الذي تبذله السلطة التنفيذية في سبيل تحقيق التنمية المستدامة في السلطنة، وهو دور يأخذ أهمية خاصة من حيث الممارسة التشريعية.

فقد حفل دور الانعقاد السنوي الثالث عقد جلستين مشتركتين بين مجلسي الدولة والشورى، حيث عقدت الجلسة المشتركة الأولى يوم الأثنين 25 من يونيو الماضي، وذلك لمناقشة «المواد محل التباين بين المجلسين حول مشروع قانون الثروة المعدنية»، وعقدت الجلسة المشتركة الثانية يوم الخميس الخامس من يوليو الماضي، وذلك لمناقشة «المواد محل التباين بين المجلسين حول مشروع قانون الثروة المائية الحية» ويأتي عقد الجلستين ومناقشة مواد التباين تمهيدا لرفع مشروعي القانونين للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - وذلك وفق ما نصت عليه المادة (58) مكرر (37) من النظام الأساسي للدولة والتي نصت في جزئية الجلسات المشتركة : « فإذا اختلف المجلسان بشأن المشروع اجتمعا في جلسة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الدولة وبدعوة منه لمناقشة أوجه الاختلاف بين المجلسين ثم التصويت على المشروع في ذات الجلسة، وتصدر القرارات الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وفي جميع الأحوال على رئيس مجلس الدولة رفع المشروع إلى جلالة السلطان مشفوعا برأي المجلسين».

ويؤرخ لمجلس عمان أول جلسة مشتركة كانت في دور الانعقاد السنوي الثالث من الفترة الخامسة (2012-2015) حيث اجتمع مجلسا الدولة والشورى في جلسة المشتركة لمناقشة المواد محل التباين بين المجلسين حول مشروع قانون حماية المستهلك، هذا القانون الذي انتظره المستهلك كثيرا، وأخذ دورته التشريعية بكامل استحقاقاتها، واكتمل بالجلسة المشتركة الأولى في تاريخ التشريع العماني منذ منح الصلاحيات التشريعية والرقابية للمجلسين.

ينظر إلى هذا التباين في استخلاص نتائج المناقشات لدى المجلسين حول مواد مشروعات القوانين المحالة من السلطة التنفيذية بكثير من الأهمية لدى المتابع، وبكثير من تثمين الجهد الذي يبذله أعضاء المجلسين طوال فترة مكوث مشروع القانون في كل مجلس على حدة، حسب ما تشير إليه المادة (58) السابقة من النظام الأساسي للدولة، وفق النص: «تحال مشروعات القوانين من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى الذي يجب عليه البت في المشروع بإقراره أو تعديله خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه ثم إحالته الى مجلس الدولة الذي يجب عليه البت فيه بإقراره أو تعديله خلال خمسة وأربعين يوما من تاريخ الإحالة إليه ..» حيث تبذل اللجان المختصة بموضوع القانون جهودا مضنية بغية الوصول الى نتائج يكون لها الأثر الطيب على مسيرة التنمية في السلطنة، ونتائج محققة لمتطلبات برامج التنمية في كل مرحلة تصل إليها، كل ذلك حرصا من الأعضاء في كلا المجلسين على مصلحة المواطن والمقيم على حد سواء، فالتنمية وفق هذا الجهد حالة تنمو وتتطور، وتفرض أجندة برامجها، في كل مرحلة، أولويات معينة على صانع القرار نظرا لما تشهده الحياة اليومية من قفزات متسارعة في مختلف جوانبها، وبالتالي فعلى السلطة التشريعية أن تعيش ذات التحدي متوازية مع الجهد الذي تبذله السلطة التنفيذية في اشتغالها اليومي، تحقيقا لتنمية شاملة مستدامة في مختلف أوجه الحياة اليومية، وذلك من خلال المبادرة في تبني مشروعات جديدة لمجالات التنمية في السلطنة.

يشير الدليل البرلماني الذي يحمل عنوان (دور البرلمان في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة) والصادر عن المنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد (غوباك) الى «أن عملية التنمية أساس محورها هو الإنسان وعلى هذا فهي تتسم بالشمولية وهو ما ينسجم مع عمل البرلمانات التي تناقش بشمولية الموضوعات ذات الصلة بالحياة اليومية للإنسان وتحقيق مصالحه، وباعتبار أعضاء البرلمان هم الممثلون لإرادة ناخبيهم فهم الأقدر والأحرص على رعاية مصالح الناس من خلال استخدام صلاحياتهم الدستورية في سن التشريعات والقوانين التي تحقق هذه المصالح، والرقابة على السياسات الحكومية، وعكس وجهات نظر ناخبيهم في الخطط والسياسات التنموية».

ويقينا؛ غير منكور هذا الجهد الذي تبذله السلطة التشريعية في السلطنة المحاطة بالعناية السامية من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله ورعاه - الذي أولى، ولا يزال، هذه السلطة بالرعاية والعناية من خلال التدرج الذي قطعته عبر مسيرتها الشورية المتواصلة التي تقتطع اليوم عمرا يتجاوز الربع القرن الأول (27) عاما من الممارسة الفاعلة بتدرجاتها المتراكمة، وما الإشادة السامية بجهدها الملموس إلا شهادة فخر لها لأن تكرس كثيرا من الجهد، وكثيرا من العطاء تحقيقا لطموحات أبناء عمان الذين يرون فيها الكثير من الآمال في مساهمتها المباشرة في مجالات وبرامج التنمية في السلطنة.

وذات الدور - بمقاربة أخرى - مطلوب من المواطن كل في مجال اختصاصه أن يكون في خط متوازٍ مع السلطتين في اشتغالهما المحموم في هذا المشروع الكبير للتنمية، ومن خلال هذه الشراكة المباشرة وغير المباشرة يمكن للتنمية أن تسجل قيما مضافة نوعية في كل مجال، خاصة اليوم بعد ان أصبح جل الشعب من ذوي الخبرات، والتجارب المؤصلة بالعمل في مختلف المؤسسات في القطاعين، وهذه الرؤية تنسحب على اقتراب حلول انتخابات الفترة التاسعة لمجلس الشورى (2020 -2023) ودور الناخب في اختيار الأصلح، والأصلح موجود اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد أن زاد عدد المتقاعدين من ذوي الخبرات المتأصلة في مجالات التنمية المختلفة الذين تدفع بهم السلطة التنفيذية الى أحضان المجتمع كل عام؛ حيث تتاح لهم الفرصة الواسعة للمساهمة في هذا الجانب، سواء في فرصة ترشحهم لمجلس الشورى، أو المجلس البلدي، أو مؤسسات المجتمع المدني، فكل هذه المؤسسات مشرعة أبوابها اليوم أمام هؤلاء الأجلاء من أبناء عمان الذي اعتركوا مجالات العمل التنموي طوال سنوات خدمتهم في مختلف المؤسسات المدنية والعسكرية على حد سواء، وتكونت عندهم خبرات متراكمة، ورؤى متنوعة، يمكنهم توظيفها في تقييم مسارات التنمية المختلفة معاضدة مع السلطتين في اشتغالهما اليومي، فـ «شبكة شراكة إقليم المدينة مع ذوي الصلة من الحكومة والجمهور والقطاع الخاص لها أثر إيجابي في المجالات المهمة للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للمدينة» كما يقول فرانشيسكو خافيير كاريللو في كتابه (مدن المعرفة: المداخل والخبرات والرؤى) - مترجم -.

أختم هنا الى أن المسألة التنموية مسألة شديدة التعقيد، نظرا لجوانب كثيرة تحيط بها جلها ظرفية و«فجائية» ولذلك تحتاج؛ للتعامل معها؛ الى كثير من الحكمة، والى كثير من التكاتف، وهي ليست موكول أمرها فقط على صاحب القرار، في أي مؤسسة، فصاحب القرار يحتاج الى استصواب الرأي في كل مرحلة من مراحل التنمية، واستصواب الرأي مسؤول عنه كل مواطن يعيش على هذه الأرض، وإنما جعلت المجالس البرلمانية لتمثيل هذا القطاع الكبير من المواطنين، وليس معنى ذلك أن ينتهي دور المواطن عند صندوق الاقتراع عقب اختياره للمترشح، وإنما لا يعذر أن يسند دور هذا الذي وقع عليه الاختيار فيما بعد، وكذلك على من حظي بشرف تمثيل المواطن تحت قبة المجلس أن لا ينسى هذا المواطن الذي سعى الى ترشيحه، وتوصيله الى تحت مظلة هذه القبة، فالمسألة تكاملية وتعاضدية، وفي كل جوانبها الداعمة ليست غاية، وإنما كلها وسائل لتحسين الغايات، والتنمية مشروع نسبي، وليست مشروعا مطلقا، وبالتالي فنسبيتها هذه تقتضي استحداث كثير من الرؤى والأفكار في كل فترة تكتسبها في مشروعها الوطني الكبير، ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي يلعبه المواطن في مسارات التنمية، والمواطن هنا، ليس المقصود ذلك الذي هو على كرسي الوظيفة فقط، وإنما يشمل ذلك المتفرغ، حيث ربما تكون الرؤية العامة عنده اكثر وضوحا.