1412419
1412419
إشراقات

الحــــج وأثــــره فـي الوحـــدة الإسلاميــة

09 أغسطس 2018
09 أغسطس 2018

عبادة التوحيد والوحدة -

يحيى بن سالم الهاشلي - إمام وخطيب -

جامع السلطان قابوس بروي -

«المسلم وهو يتوجه إلى الحج ممتثلا لأمر الله تعالى ملبيا بتوحيده وبحمده وتنزيهه وإفراده بالعبادة يخوض أيضا معايشة تجربة الاتحاد والائتلاف مع إخوانه المسلمين، فيجتمعون باختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم متحدين في لباسهم وتلبيتهم، تظلهم سماء واحدة ويفترشون أرضا واحدة، ويعيشون حال الاتحاد في مسيرهم وسكونهم في أداء شعائر الحج بما يحقق اتحادا ظاهريا الأصل أن ينعكس عليهم باتحاد القلوب والنفوس، ونجد في القرآن إشارات تدلل على هذا المعنى».

يعود موسم الحج كل عام ويحمل معه لأمة الإسلام الذكريات والآمال، ذكريات النصر والتمكين وآمال الوحدة والاتحاد، وتعم احتفالية الحج الأمة أجمع في أركان المعمورة لا في رحاب مكة والمشاعر المباركة في البلد الحرام فحسب، فكل المسلمين يشاركون إخوانهم الحجيج الفرح بموسم الحج فرحة في النفوس ومشاركة بالعبادة في العاشر من ذي الحجة من صوم وذكر وأضحية، والحج عبادة تحقق توحيد الله بعبادته وتقواه وتحقق وحدة الأمة وهما مطلبان جاء الإسلام لتحقيقهما يقول الله تعالى: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، ويقول سبحانه: (وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)، فالمسلم وهو يتوجه إلى الحج ممتثلا لأمر الله تعالى ملبيا بتوحيده وبحمده وتنزيهه وإفراده بالعبادة يخوض أيضا معايشة تجربة الاتحاد والائتلاف مع إخوانه المسلمين، فيجتمعون باختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم متحدين في لباسهم وتلبيتهم، تظلهم سماء واحدة ويفترشون أرضا واحدة، ويعيشون حال الاتحاد في مسيرهم وسكونهم في أداء شعائر الحج بما يحقق اتحادا ظاهريا الأصل أن ينعكس عليهم باتحاد القلوب والنفوس، ونجد في القرآن إشارات تدلل على هذا المعنى ففي سورة آل عمران جاء ذكر الحج في قوله تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين) ثم يأتي الأمر للمؤمنين بالتقوى والاعتصام وعدم الافتراق بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، كما نجد في سورة الحج المتضمنة أذان إبراهيم عليه السلام بالحج تختتم السورة بالتذكير بدور الأمة والوحدة بين أبنائها (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ)، كما نجد في مطلع ذكر أحكام الحج في سورة البقرة نهي عن الجدال المفضي للنزاع والذي يعكر صفو الاجتماع والاتحاد (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

كما لم تغفل السنة النبوية جانب الوحدة في الحج واستغلال فرصة اجتماع المسلمين من كل البلدان، فقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على إظهار أثرها والتذكير بها في خطبته في حجة الوداع لتبقى كلماته منار هدى للأمة عبر القرون فقد جاء فيها: (أَيهَا النّاسُ، إنّما المُؤمِنُونَ إخْوةٌ، فَلاَ يَحِلُّ لامْرِئ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طيبِ نفْسٍ منهُ، أَلاَ هَلْ بلّغْتُ، اللّهُم اشْهَدْ، فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفارًا يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض فَإنّي قَدْ تَركْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذتمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّة نَبيّه ، أَلاَ هَلْ بلّغتُ، اللّهمّ اشْهَدْ. أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب، إن أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ، اللّهُمّ اشهد» قَالُوا: نَعَمْ قَال: فلْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ والسلامُ عليكم ورحمة الله)، فبدء حديثه بتذكير المجتمعين بأن ما يجمعهم أخوة الإيمان التي لا تعدلها آصرة من الأواصر الدنيوية التي يصف قوتها في حديث آخر بقوله (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) لذا عقب بالتحذير من الرجوع عن الأخوة الإيمانية لحال الفرقة والتنازع ووسم ذلك بالكفر المناقض للإيمان الذي يؤلف ولا يفرق. ومن ثم يبين السبيل لحفظ هذه الرابطة الإيمانية هو التمسك بالدين متمثلا في الوحيين الكتاب الكريم والسنة المطهرة إذ هما الفيصل في حل أي نزاع والداعيان للوحدة والائتلاف، ثم يبين جوهر الإسلام القائم على توحيد المعبود و وحدة أصل الخلق فينادي الناس بأن ربكم واحد وأباكم واحد وأن التقوى هي معيار التفاضل بينكم لا الجنس ولا العرق ولا اللون، وهذا البلاغ النبوي الخالد يعيشه الحجاج واقعا وهم يؤدون مناسك الحج فيلتقي المسلم بإخوانه من كل مكان مرددين التوحيد في تلبيتهم وهم في حال اتحاد ظاهري، فهذه الممارسة العملية للوحدة ترسخها في واقع الأمة وكانت كذلك طوال القرون الماضية فقد كان للحج دور في تقوية الأواصر بين أبناء الأمة من خلال التقائهم وإطلاعهم على أحوال بعضهم بعضا فكان التعاون في السراء والضراء وصد العدوان ونشر العلم والدعوة منطلقة كل موسم حج وكأن الإسلام يبعث من أم القرى بعثا جديدا عاما بعد عام، وما أحوج الأمة اليوم إلى تفعيل دور الحج الوحدوي في واقعها فلا يعقل أن تجتمع تلك الألوف المؤلفة من بني الإسلام ولا يكون لاجتماعهم أثر في اتحادهم ولم شملهم في وقت الحاجة ماسة لحل خلافاتهم وتوحيد صفوفهم، وأن يكون الحج منطلق التآلف والاجتماع لا مادة للتنازع والافتراق.

لقد اختار الله سبحانه وتعالى الحج ويوم عرفة خصوصا ليعلن للناس كمال دينه وتمام نعمته عليهم به ورضا الإسلام منهجا لحياتهم فأنزل (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فبعد هذا البيان الإلهي ينبغي للمسلمين أن يسعوا لتوظيف هذه الخصائص في خدمة واقعهم فالله كفل لهم بقاء دينهم وكماله وتمامه ويبقى عليهم السعي لتآلفهم واتحادهم ليحققوا كمال إيمانهم وتقواهم (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).

 

فرصة للتقارب مع الآخر -

فوزي بن يونس بن حديد

[email protected]

في كل عام يبحر حجاج بيت الله الحرام إلى مرفأ لقاء المولى عز وجل حيث البعد عن الأوطان وفراق الأحبة والأزواج والولدان، يبتغون فضلا من الله عز وجل وقبولا من الرحمن، كلهم توق للآخرة بعد أن هزّتهم المشاعر المقدسة وبعد أن طاف بهم الخيال إلى مواقع طاف بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، وما زال المكان يجذب الملايين من البشر كل عام، بل كل نفس في هذا العالم يتشوّق لرؤية الكعبة المشرفة والتلذّذ بنعيم المناسك التي فرضها المولى عز وجل وبيّنتها السنة النبوية الشريفة.

ونخشى أن يكون الحج اليوم بعد تأملات من الذين يزورون بيت الله الحرام من العلماء والمفكرين والحكماء وحتى العامة من الناس كما قال صلى الله عليه وسلم «الوافد إليه كثير والحاج قليل» إذ الحج محطة كبيرة لمراجعة النفس والإقبال على الله سبحانه وتعالى برغبة عارمة حتى تتوطد علاقته بربه فيرجع من هناك كيوم ولدته أمه.

ومن خلال قوله تعالى: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق» نتبين كيف أن الله عز وجل جعل فريضة الحج كفريضة الصلاة حيث يؤذّن لكل منهما رغم اختلاف المناسك، فالله ينادي الناس أن آتوني واتبعوا رسولي وسوف ترون المنافع التي حدّثتُكم عنها، إنها منافع كثيرة ومتعدّدة لا تعدّ ولا تحصى ولكن من يجعل هذه الفريضة تجارة أو نزهة أو رياء أو سمعة فإنه لن يحصل على هذه المنافع التي ذكرت.

وكانت قوافل الحج تعبر الفيافي والبحار وتتحمّل المشاق والتعب من أجل منفعة أخروية بحتة تتخلّلها منافع أخرى تعود بالنفع على الجميع، فقد ثبت تاريخيا أن الحجاج كانوا يلتقون من أجل الفكر والعلم والمعرفة والتعارف بناء على قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكم) فكان الحج ملتقى كبيرا للتعارف ومعرفة الجديد والتعرف على الجديد وعلى القادم من كل فج عميق، يلتقي العلماء فيتعرف أحدهم على الآخر وعلى ما كَتب وخَطّط وخطّ قلمه ويتبادلون المخطوطات وينسخونها في فترة إقامتهم بالبيت العتيق فيستفيدون ويفيدون العامة من الناس الذين يستفتونهم في مسائل فقهية شتى.

ولعل هذا ما كان يرغّب الناس في الحج في قديم الزمان، لذلك كان الواحد منهم يحشد قواه العلمية لمجابهة العلماء الذين أثروا الساحة العلمية وبلغت شهرتهم الآفاق بسبب ما قدّموا من علوم في كافة المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وحتى الأدبية وربما ألفوا الكتب والمراجع والقواميس التي استفاد منها حشد كبير من الناس من الأولين والآخرين، أما العامة من الناس فهم يرغبون في تخليص أنفسهم من الذنوب التي ارتكبوها فيذهبون إلى الأماكن المقدسة والمشاعر المعظّمة وكلهم أمل أن يتقبل الله منهم أعمالهم برضا منه ومغفرة، ويقومون بكل المناسك بإخلاص وإتقان ويحرصون على عدم إيذاء الآخر لأن في اعتقادهم أن من يؤذي مؤمنا أو مسلما يأثم على ذلك لأنهم شعائر الله وفي هذا يقول المولى عز وجل (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).

أما اليوم فتغيّرت المفاهيم والأهداف مع تطوّر الحياة نحو الأفضل خاصة في جانب المواصلات والخدمات إلا أن المشروع الثقافي والاجتماعي للحجّ تغير جملة وتفصيلا فلم يعد يهم الناس هذه المنافع التي أشار إليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولم تعد مهمة العلماء يسيرة مثل ما كانت من قبل لأن موضوع الحج صار مقنّنا من المملكة العربية السعودية نظرا للأعداد الهائلة التي تفد إلى بيت الله الحرام من كل صوب وحدب فتحتاج إلى عدة وعتاد لتنظيم حجاج بيت الله الحرام من حيث المأوى والأمن والأمان.

لكن ما يقوم به الحجاج اليوم يدعو إلى الدهشة والاستغراب من حيث الفوضى العارمة وغيرها من السلبيات التي تجعل ثقافة الحاج بالمناسك من الأولويات التي نحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى، ثقافة تربوية ودينية في المقام الأول وينبغي أن تعمل جميع الحكومات على إعداد الحاج نفسيا وجسديا وعلميا قبل ذهابه للبقاع المقدسة حتى لا يتفاجأ بما سيراه هناك من أحداث وعقبات وصعوبات، فالحاج ينبغي أن يكون مؤهّلا لأداء الفريضة يعرف كيف يؤدي المناسك بكل إتقان، ومن أين يبدأ ومن أين ينتهي وإلى أين يصل ولا يجد حرجا في ذلك بل يتعلم من الآخرين كيف يحسن أخلاقه ويؤدي منسكه وعندما ينظم نفسه يكون الناس جميعا منظّمين تلقائيا وعفويا يؤدون الفريضة ولو فاق العدد الـ10 ملايين.

لكن المؤسف حقا أن يتعامل الحاج مع الآخرين بشدة وعنف وقسوة ويزاحم الناس بكل قوّة ليصل إلى هدفه وربما لا يصل، وقد يقترف الذنوب فيسبّ ويشتم ذاك بدعوى الدفاع عن النفس وهو الذي يساهم في حقيقة الأمر في إيذاء الناس من حيث لا يدري، والله سبحانه وتعالى نهانا عن التدافع وإلحاق الضرر بالناس أيا كان نوع الأذى فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم» لا ضرر ولا ضرار» وما نراه اليوم من حالة عدم الالتزام بالنظام العام في بيت الله الحرام يستدعي مراجعة وتأملا ويدعو الحكومات الإسلامية إلى أن تضع استراتيجية طويلة المدى للتغيير والإصلاح والحد من حالة الضياع والتيه التي تتسبب في خسائر كبيرة أحيانا في الأرواح والممتلكات، استراتيجية هدفها تربية الحاج إيمانيا وغرس روح الجماعة والمبادرة إلى التعاون مع الآخر مهما كانت جنسيته ومذهبه ولونه وعرقه؛ لأن روح التعاون هي التي تجلب السلام والأمان.

كما ينبغي أن نربيه نفسيا ليكون مستعدا لأي مضايقات من هنا أو هناك وقادرا على تجاوز الصعوبات رغم التعب والشقاء وكيف يستطيع الانتصار على نفسه ونكران ذاته لأن الموقف جلل والمكان لا يسعه وحده بل عليه أن يقبل بالآخر كما هو دون تذمر ولا تنفير بل عليه أن يكون مستعدا عندما يقف في مواجهة كل الظروف غير الملائمة المحيطة به، كما ينبغي أن نربيه علميا وذلك بأن نجعله يقتنع فعلا أن الحج ليس نزهة وليس استعراضا للقوة وإنما هو منسك جميل تلتقي فيه البشرية بلباس موحد أبيض لتتعارف وتعترف أن الإنسان مهما استغنى فلا يطغى ونعلمه مناسك الحج كلها وماذا عليه أن يفعل طوال رحلته الإيمانية منذ اليوم الأول يوم التروية إلى الوقوف بعرفات إلى المبيت بمزدلفة إلى رمي الجمرات بمنى وكيف يلبس الإحرام وماذا يحرم عليه أثناء التزامه بهذا اللباس وماذا يقول عند كل منسك، كل ذلك ينبغي معرفته قبل الذهاب والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى لأداء هذه الفريضة.

وبهذه الاستراتيجية الجديدة والاستعداد العلمي والنفسي والإيماني تتحقق الفائدة العلمية والأدبية وحتى الاجتماعية حيث تتوثق عرى العلاقات الأخوية بناء على ما يقوم به كل حاج من محاولة التقرب من الآخر وقبول الآخر والاستماع للآخر فيتحقق التعاون ويعين بعضهم بعضا وربما يبقى التواصل مستمرا حتى بعد الرجوع كل حاج إلى بلده خاصة في هذا العصر الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة وكتلة واحدة يمكن لمن يعيش في شمال الأرض أن يتصل بمن يعيش في جنوبها، ويمكن لمن يقطن في الشرق أن يتواصل مع من هو الغرب فتحدث الملتقيات الفكرية التي تشبع الفكر وتنمي العقل وتوسع مدار الإنسان نحو التوجه إلى العلوم الأخرى.

كما أنه يمكن عقد ملتقيات اجتماعية بعد التعارف الذي حصل في بيت الله الحرام وعرض حالات المسلمين في البلدان الفقيرة التي تحتاج إعانات والاطلاع على أحوالهم هناك وفي كل بلد ومدى حاجة هؤلاء إلى الإعانة في أي مجال من مجالات الحياة فتأتي المساعدة الفورية والعاجلة خاصة ونحن نعيش التطور الهائل في الاتصالات والمواصلات، وربما تعقد الصفقات العلمية والتجارية وربما الاجتماعية في هذا الموسم الجميل الأنيق.