1414756
1414756
المنوعات

العنف يتصدر قائمة الإشباع المتحقق إثر الأفلام الكرتونية للأطفال

08 أغسطس 2018
08 أغسطس 2018

في ظل ضعف الإنتاج العربي وتصدر الغربي -

استطلاع- كلثم بنت عبدالله الدرمكية -

النسبة الضئيلة في الإنتاج المحلي الذي لا يحقق إشباعات الأطفال في مشاهدة الأفلام الكرتونية مقابل نسبة الإنتاج الغربي الضخم تجبر القنوات العربية على استيراد المواد المرئية لعرضها على شاشاتها ومن المتعارف عليه أن تأثير مشاهدة الكرتون يعد تأثيرا تراكميا، أي يظهر بعد فترات طويلة من التعرض المستمر. ماذا ينتج عن الاستيراد الكمي للمواد تلك بوجود الاختلاف الثقافي والعقائدي والبيئي بين العرب والغرب!

تؤكد دراسة للإعلامي ماجد بن جعفر الغامدي المنشورة عام 2010 عن الإعلام والطفل أن إنتاج اليابان من أفلام الكرتون لعام 2000 كان 22 ساعة أسبوعيا، والرقم السنوي لها بمفردها يقارب 1166 ساعة، أما الدول العربية مجتمعة كانت لا تقدم أكثر من 12 ساعة سنويا وبطبيعة الحال أن الأرقام تتضاعف بعد سنوات لكن تظل النسبة بين الإنتاج الياباني مقابل العربي 1%، حيث هذه النسبة قد بُنيت على أحسن احتمال لإنتاج العرب، وأسوأ احتمال لإنتاج اليابان! ناهيك عن فرق النوعية والجودة المتميزة بين أعمال اليابانيين وأفلام الكرتون المنتجة محليا، البسيطة التي تفتقد إلى الدقة.

اللغة العربية

في مجال الحديث عن استعمال اللغة الفصيحة في أعمال الأطفال، يُجدر الإشارة إلى أولية العمل الخليجي المُعرَّب (افتح يا سمسم)، الذي شكَّل مدرسة للدوبلاج باللغة العربية الفصحى منذ عرضه لأول مرة عام 1979، حيث تحمل حلقاته كمًا هائلًا من القيم الإنسانية التي تشكل عقلية الطفل نحو السلوكيات الصحيحة ناهيك عن اللغة الفصيحة المستخدمة والتي تشجع الطفل المشاهد على استعمالها في الحياة اليومية.

ومن هذا المنطلق، أكدت سهام الدرمكية، معلمة لغة عربية في رياض الأطفال أن هناك الكثير من الرسائل الإيجابية في مضمون المسلسلات الكرتونية كون أن عملية الدبلجة تعتمد على العربية الفصيحة مما تساعد الطفل في تنمية وترسيخ اللغة وتطوير قاموس المصطلحات لديه كما أنها تدفعه إلى استخدامها خلال اليوم الواحد أكثر عن البالغين.

وأشارت الدرمكية إلى أن من أهم الرسائل التي يوصلها الكرتون إلى الطفل هي القيم الإيجابية كالتسامح، وتعزيز العلاقات والروابط الاجتماعية، والدعوة إلى حب الوطن، والتضحية في سبيل الصداقة وغيرها التي يؤمن الطفل بها فتصبح ضمن جيب قناعاته الملازمة له عند تعامله مع الآخرين.

بينما نوف الحراصية، طالبة صحافة ونشر إلكتروني بجامعة السلطان قابوس، أوضحت أن اللغة العربية المستخدمة ليست مقياسا لمعرفة مدى تلقي الأطفال لرسالة هادفة من خلال التعرض المستمر للأفلام الكرتونية، حيث قالت: “المواد الكرتونية التي غالبًا ما تكون مستوردة، يتم تعريب لغتها فقط لا الأخلاق والفكرة التي تتناولها، فكما نعلم الثقافات مختلفة بين البلدان العربية فكيف باختلاف الثقافة بين العرب والغرب. ألاحظ في المسلسلات الكرتونية -خاصة التي تعرض حاليا- انحراف تام في بعض السلوكيات التي تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي والقيم التي يحثنا على الالتزام بها في مجريات حياتنا، والطفل يميل في هذه المرحلة إلى التقليد فهو لا يدرك الصالح من الطالح بعد.”

الحالة النفسية

ومن الجانب النفسي تعتبر الرسوم المتحركة من أهم الوسائل التي تؤثر على سلوك الطفل وشخصيته؛ لأنها تخاطب حاستي السمع والبصر فيصبح تأثيرها أقوى وأسرع، كما يرى الكثيرون أنها وسيلة فعالة للتربية وزيادة ذكاء وقدرة الطفل على الملاحظة والإدراك وأنها وسيلة جيدة لصقل شخصية الطفل وغرس القيم والفضائل الحميدة.

وبينت منيرة الحضرمية، طالبة علم نفس بكلية مزون أن كثرة مشاهدة الأطفال لبرامج الرسوم المتحركة لساعات طويلة واندماجهم مع الأحداث المعروضة يؤثر على نفسيتهم وسلوكهم ويعتبر بعض الباحثين جلوس الطفل أمام شاشة التلفاز لساعات طويلة من أجل مشاهدة الأفلام الكرتونية سلوكا سلبيا يشكل خطرا كبيرا في تعزيز سلوكيات العنف والعدوانية، فترى الطفل يتقمص شخصية الفيلم الكرتوني ويتفاعل مع دور البطل تفاعلا حقيقيا.

وأضافت: “المشاهد المعروضة وما يتخللها من عنف وغضب وجريمة تؤثر سلبيا على الطفل فتراه انطوائيا ودائما ما يميل سلوكه إلى الاكتئاب وقد يتعدى ليصل إلى العنف الجسدي تجاه الآخرين والعنف اللفظي كذلك، فبعض الرسوم تعرض ألفاظا غير مقبولة اجتماعيًا قد تفوق عمر الطفل المُشاهد”.

كما أوضح أيمن الفارسي، طالب إعلام بجامعة السلطان قابوس أن الآراء حول درجة تأثير الرسوم المتحركة على الطفل العربي تختلف، قال: “أرى أن التأثير السلبي يغلب كثيرًا على الإيجابي فنرى الطفل الطفل العربي يشاهد الكثير من الرسوم المتحركة الأجنبية المعربة التي تعرض على القنوات و”اليوتيوب” فيبدأ بالتقليد السلبي نظرًا لانفتاح الشعب الغربي وذلك ما يؤدي إلى الانتحار في بعض الحالات.”

الرقابة الواجبة

لم تصبح شاشات التلفاز وحدها التي تعرض الأفلام الكرتونية، ففي خضم التغيرات التكنولوجية ظهرت تطبيقات عديدة ساهمت في انتشار الكرتون لعل أهمها اليوتيوب وغالبا ما يثق الأهل في وضعية الطفل مع الجهاز طالما يشاهد فلما كرتونيا متجاهلين الرقابة التي يتحتم عليهم إدراكها في انتقائهم للمشاهد التي تطبع الصورة الإيجابية على أطفالهم.

وشددت صفاء الوهيبية أخصائية اجتماعية، على أهمية رقابة الأهل لما يعرض على الشاشات التي يتابعها أطفالهم قائلة: “مع ازدياد قائمة الأفلام الكرتونية السلبية التي تبثها بعض القنوات العربية، أصبحت رقابة الأهل لما يشاهده الأطفال مسؤولية وواجب، فعندما يتغير سلوك الطفل ليميل إلى العدوانية والحساسية المفرطة أو حتى إذا عانى من العزلة تراهم يلقون اللوم على القنوات الفضائية ولا يشيرون بأصابع الاتهام نحوهم! هم من يختارون المسلسلات والقنوات فالطفل في تلك المرحلة لا يميز بين الخيال والواقع كثيرا وربما الخيال الواسع المعروض على الشاشات يحفز الطفل لجعله حقيقة فيتضرر نفسيا إن لم يتحقق واجتماعيا إن كانت رسالة المضمون سلبية لذلك من المفترض أن يكونوا أكثر وعيا وإدراكا في اختيار المحتوى المناسب لسن الطفل”.

الفكرة

خبرات الطفل قليلة جدا ويدفعه فضوله لمعرفة المزيد فما إن يقع ناظره على مشهد معين، سيؤمن بحقيقته ويسعى لمحاكاته، منها قالت خديجة المقبالية، طالبة جامعية: “أخي معاذ، ذو العشر سنوات، يتابع المسلسل الكرتوني الشهير “توم وجيري” الذي عرض في إحدى حلقاته أن توم بسبع أرواح! هذا المشهد أذاب فكر معاذ واعتقد بالسبع أرواح لجميع الكائنات الحية وهو أيضا! حسب قوله إذا وافته المنية سيعود إلى الحياة مرة أخرى.”

وأكدت: “في مسلسل آخر يدعى “غامبول” يعزز فكرة التزاوج والتعايش بين نوعين مختلفين من الحيوانات كالأرنب والقط مما تبادر في عقل أخي إمكانية التزاوج بين أي نوعين مختلفين والعيش مثل الحياة المزينة التي يراها خلف الشاشات، إن الطفل يتلقى أفكارا تفوق الحقيقة بأضعاف وهذا خطر حتمي ما إن تفاقم، فيجب علينا توضيح وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يقتنع بها لكثرة مشاهدته للمسلسلات الكرتونية.”

لا أحد ينكر أن العنف يُضعف مكامن الحس الجمالي لدى الإنسان وينمي فيه غرائز العدوان فكيف بالمخلوقات الملائكية؟ تعد الولايات المتحدة أكبر مسوِّق للعنف في أعمالها الفنية سواء الكرتونية أو الحقيقية وتبعتها الأفلام اليابانية وذلك لأسباب عسكرية حسب الإحصاءات الدولية. ومن الأعمال التي قامت على العنف: أبطال الديجيتال، القناص، النمر المقنع، ميغا مان، باتمان، إكس مان، هذه المسلسلات وغيرها تشجع على العنف والبطش الشديد حتى وإن كان بأسلوب غير مباشر، وهو أمر خطير جدا على الأطفال، لاسيما إذا قُدم لهم على أنه سلوك الكبار فالطفل مولع بمحاكاة السلوك.

ذكرت زينب الدرمكية، معلمة رياض أطفال سابقا، أن السلوك العدواني لدى أطفال دون سن السابعة يعد من أهم نتائج التعرض للمشاهد العنيفة من خلال المسلسلات الكرتونية فالأطفال حين يتعرضون لمشاهد عنف كثيفة غالبا ما يكونون عدوانيين مع أقرانهم.

وأضافت: “كوني مدرسة رياض أطفال في فترة ما فإنني شاهدت ولاحظت الاعتداءات التي يفعلها الطفل ضد زميله سواء بضربه دون سبب حتى يدميه أو قذفه بكلمات جارحة أو تصنع القوة عليه، الغريب أنه عندما وضحنا للطفل خطأ سلوكه، كرر فعلته ضد طفل آخر في اليوم التالي.”

أما الحراصية فتحدثت عن تجربتها وقالت: “في مرحلة الطفولة كنا مع أطفال الحارة نجتمع جميعنا في وقت العصر لنقلد كل مشاهد المسلسلات الكرتونية حتى وصل بنا الأمر إلى مرحلة الهوس بها وهذا ما حصل تماما عند مشاهدتنا لكرتون “أبطال الديجيتال” الذي كان يمتلك الأبطال فيه مرافقين من عالم آخر يساعدونهم في القضاء على الأشرار الذين اجتاحوا عالمهم الافتراضي، وبحوزة كل بطل فيهم قلادة تساعدهم على الاتصال لجلب مقاتل آخر يكبر حجمًا عن مرافقهم الصغير. الأمر المضحك أنه وصل بي الحال في المدرسة أن أختار زاوية منعزلة عن أنظار الجميع وأتخيل أن وحشا قادما لتدمير المدرسة فأقوم أنا بزعمي أنني البطلة للقضاء عليه والدفاع عن مدرستي.”

جلسة مع الطفل

خولة البوسعيدية، أم لـ4 أطفال دون سن 10 سنوات، بينت ضرورة متابعة الأفلام الكرتونية مع الطفل وانتقائها لتتناسب مع فكره، حيث قالت: “لأنني أعلم التأثير السلبي الذي تتركه بعض المشاهد الكرتونية على نفس أطفالي، فإنني أحدد لهم ساعات المتابعة بحيث لا تزيد عن ساعتين يوميا كما أنني أتابع معهم أحيانا وأختار لهم ما يصلح لسنهم، فأنا أرى أنه يوجد الكثير من الأفلام التي تعزز من سلوك الإيجابية لدى الطفل كقصص الأنبياء والتاريخ والأفلام التعليمية كمسلسل دورا، مثل هذه المشاهد توسع مدارك الطفل وتجعله يتفكر أكثر من أنها تخلق فيه الفضول الذي يتبعه تأثيرات نفسية كالوحدة والعدائية.”

لا يمكن حرمان الأطفال من الإعلام بكافة أنواعه كونه أحد الوسائل التعليمية المتاحة بصورة مستمرة حوله خصوصا مع ظهور الإعلام الجديد، كما لا يمكن منعه من إشباع فضوله حول التعرف على ثقافات الآخرين باستخدام الإعلام إلا أن مع التعرض الدائم لمشاهد العنف في الإنتاج الأجنبي للرسوم المتحركة يولد شحنات سلبية هادمة بعد فترة زمنية معينة. إن مراقبة محتوى المسلسلات الكرتونية تعد مهمة الراشدين تجاه أطفالهم للحفاظ على كينونتهم وعقولهم من التشتت.