صحافة

القدس : غــزة.. بين الحـــرب والتهــدئة

08 أغسطس 2018
08 أغسطس 2018

في زاوية أقلام وآراء كتب ناجي صادق شراب مقالا بعنوان: غزة.. بين الحرب والتهدئة، جاء فيه:

خيارات غزة باتت محصورة في خيارين رئيسيين: خيار الحرب الكثيفة المدمرة لما تبقى من مكونات الحياة لأكثر من مليوني نسمة، وهذا الخيار لن تكون تداعياته مقتصرة على غزة بل قد تمتد لما بعد غزة، وقد لا ينجو منها أحد، بل إن خطورة تداعيات هذا الخيار تأتي في سياق انتشار واستمرار الحرب على الإرهاب والعنف.

لكن هذا الخيار ستكون نتيجته المدمرة على غزة أكبر لأنها المستهدفة من هذه الحرب، وقد تفقد حماس والمقاومة الكثير من عناصر قوتها التي بنتها في ظروف صعبة وقاسية، وقد يصعب تعويضها، والمفاضلة هنا واضحة. وحتى إسرائيل لن تنجو من هذه الحرب بأنها قد تفتح كل الأبواب التي كانت موصدة وأغلقت كالعمليات البشرية الاستشهادية في داخل إسرائيل، ولهذا القاسم المشترك يتمثل في ان الكل يحاول تجنب هذا الخيار، ومن هنا البحث عن استراتيجية او مخرج يحفظ ماء الوجه للجميع.

والخيار الثاني الهدنة أو التهدئة الطويلة نسبيا والمكتوبة وبضمانات إقليمية ودولية، وهنا تبرز أهمية الدور القوى والفاعل والمؤثر لمصر والمدعوم أمميا وعربيا. والسؤال المطروح هو: ما هي العلاقة بين الخيارين؟ الحرب ليست خيارا في حد ذاتها، بل هي خيار لتحقيق أهداف سياسية، والأهداف السياسية بواقعية وبدون التحليق في سماء الأهداف البعيدة التي تحتاج ما هو أكبر من قدرات غزة، وأقصد بذلك إنهاء الاحتلال بالكامل، وقيام الدولة الفلسطينية، مثل هذه الأهداف تحتاج إلى رؤية وطنية فلسطينية شاملة في إطارها العربي والدولي، وباختصار شديد أهداف أي حرب جديدة على غزة تتعلق بالحصار، وفتح المعابر، واستكمال البنية الأساسية لغزة من كهرباء وماء وموانئ برية وبحرية وجوية، وبنية تعليم وصحة، وغير ذلك، وهذه الأهداف يفرضها مليونان محرومون من مقومات الحياة الكريمة.

ولا شك أن هذه الأهداف لها أبعادها السياسية في دعم صمود غزة، وتقوية عناصر المقاومة فيها، ولكن ينبغي أن يربط ذلك بوحدانية القضية والشعب الفلسطيني، ولا شك أن هذه الأهداف لها ثمن سياسي على «حماس» وغزة والمقاومة دفعه.

والسؤال هو: أي ثمن سياسي؟ وهذا هو المهم، تحديد الأهداف السياسية وعدم المبالغة فيها، إسرائيل تريد الهدوء الحدودي مع غزة، وهذا هدف أممي، وعدم انفجار غزة سكانيا بسبب الحصار وتزايد نسب الفقر والبطالة وارتفاع درجة الإحباط التي يعيشها اكثر من مليوني نسمة، وهذا من شأنه ان يشجع على العنف وتنامي الأفكار المتشددة، والنتيجة الحتمية انفجار سكاني لن يكون قاصرا على غزة فقط بل إسرائيل ستكون الهدف لهذه الثورة ثورة الحصار والفقر.

فمثلا ماذا لو تخيلنا والخيال يمكن أن يتحول لواقع اندفاع مئات الآلاف من سكان غزة نحو الحدود مع إسرائيل، لنتصور هذا السيناريو الكابوس لإسرائيل. فالثمن السياسي هنا صيغة للتهدئة تحول دون كل هذه التداعيات، لكن صيغة التهدئة بالحرب قد تأتي بنتائج وتوقعات أقل، والخيار الثاني التهدئة بقوة المقاومة والصمود ومسيرات العودة وصفقة الأسرى، وأعتقد هنا أن النتائج والمكاسب قد تكون أكبر، وأهمها الاحتفاظ بقوة المقاومة والقدرة على الصمود. ولا شك أن خيار التهدئة لم يأت إلا بعد مسيرات العودة والتضحيات البشرية والدماء التي أريقت، والتي خلقت حالة دولية وإقليمية بضرورة التدخل الأممي وإيجاد حلول للمشاكل الإنسانية والحياتية التي يعاني منها سكان القطاع منذ سنوات طويلة من الحصار وغلق المعابر.

والجديد الذي أوجدته المسيرات، انها وضعت غزة على جدول الإهتمامات الإقليمية والدولية، وتزامن هذا الاهتمام مع الحديث عن صفقة القرن، ومحاولة الإدارة الأمريكية فرض حلول نهائية للقضية الفلسطينية وجدت أن أحد أبوابها الواسعة غزة، وذلك ما يتوافق مع ما تريده إسرائيل بعدم قيام دولة فلسطينية وقلبها الضفة الغربية. وهنا التداخل ما بين الحلول الإنسانية وهي ملحه ولا تحتمل التأجيل، والحلول السياسية، والجانب الآخر الذي ارتبطت به هذه الحلول المصالحة الوطنية الفلسطينية، والتخوفات المصاحبة للحلول الإنسانية التي يرى البعض أنها قد تحول دون المصالحة وتقوي خيار الانفصال، أي انفصال لغزة سياسيا عن الضفة الغربية، وهذه التخوفات قد يكون لها ما يبررها، لكن لا يمكن ربط الأوضاع الإنسانية المتردية بالوصول للمصالحة، وفي هذا السياق جاء الدور الذي يقوم به منسق الأمم المتحدة للسلام نيقولاي ميلادينوف ومحاولة تفكيك العقدة الغزية بإيجاد الحلول الإنسانية، وإبعاد خيار الحرب، وهذا لن يتم إلا بمسارين للتهدئة وهي بيد حركة «حماس» وقرارها، وإشراك السلطة بأن تكون الطرف الشرعي الوحيد الذي من خلاله تتم هذه المساعدات، وبالتوازي مع هذا الدور يأتي الدور المصري القوي والثابت بإنهاء الانقسام والوصول للمصالحة.