sharifa
sharifa
أعمدة

وتر : حبيبتي السمراء

08 أغسطس 2018
08 أغسطس 2018

شريفة بنت علي التوبية -

القهوة لا تشرب على عجل، القهوة أخت الوقت، كما يخبرنا محمود درويش، وعلى نكهة القهوة ومذاقها تتدفق الكلمة كعادتها لتكون الكتابة هذه المرة عن الحبيبة السمراء التي تشاركنا لحظاتنا الحلوة والمرة، رفيقة الصباح التي نستيقظ على عبق رائحتها، ورفيقة المساء والسهر، التي تسرق النوم من أعيننا؛ لتطيب الليالي أنساً برفقتها، ومع رائحة القهوة، تذكرت ذلك السؤال الذي سألني إياه أحد الأصدقاء عن علاقة القهوة بالكتاب أوعلاقتها بالمثقف على وجه الخصوص، وأعدت السؤال نفسه على نفسي وأنا أتأمل فنجان قهوتي، ترى ما السر المشترك بين عشق الكتاب والقهوة، وأيهما دلّنا على الآخر أو كان سبباً لنعشق الآخر معه؟

قد تكون القهوة نبيذ المثقف التي تدخله في سكرة الفكرة وحبكة الحكاية وتغيّبه عن واقع يشدّه إليه لتأخذه إلى سحر السرد ومتعة الكتابة، فالكاتب يحتاج لأن يغيب في سرده ويضيع في دروب حكايته، ولا شيء سوى القهوة من يعينه على ذلك، إنها حبيبة الشعراء والكتّاب، ولكنها الحبيبة التي يتقاسمها غيرك معك، فلا تشعر بالغيرة. القهوة سيدة المكان وحبيبة الجميع، وأنت العاشق المنجذب لعطر رائحتها ولونها الأسمر، والقهوة ليست علامة ثقافية خاصة بالمثقفين، وليست ترفاً ثقافيا كما تأتي بها الصور مقرونة بكتاب، فليس المثقفون وحدهم من يشربون القهوة بكل تلك الشراهة والإدمان، فهناك من أدمن شرب القهوة ولم يقرأ كتاباً، أذكر جدتي رحمها الله كانت تشرب القهوة بشكل كبير، فتبدأ يومها بفنجان قهوة وتنهيه بفنجان آخر وما بين الصباح والمساء تكون قد تناولت أكثر من عشرة فناجين على أقل تقدير، وحينما منعها الطبيب بعد أن أصيبت بارتفاع ضغط الدم، لم تمتنع بل استمرت في تناول قهوتها العمانية السوداء كما كانت، ومع ذلك كانت جدتي لا تقرأ ولا تكتب وليس لها علاقة بالطبقة المثقفة سوى من كُتب جدي التي كانت تعتبرها عبئاً على المكان.

لم أكن من مُحبي القهوة ولكني أحببتها حينما زادت عدد ساعات جلوسي على مكتبي للقراءة أو الكتابة، وحينما أصبحت أكثر ميلاً إلى العزلة وبحاجة إلى صديق يفهم صمتي ويعينني على قضاء ساعات يومي بهدوء ومحبة، ومع ذلك لا أجد أن تلك قاعدة لكل من أراد الكتابة أو عشق الكُتب، فبعض الكتّاب كما عرفت لا يستطيعون الكتابة إلا ولفافة الدخان في أيديهم، إنها طقوس ارتبطت بتلك اللحظة ليس إلا، وكم من المثقفين والكتّاب الكبار الذين هجروا القهوة وكتبوا أجمل ما كتبوا رغم غيابها.