أفكار وآراء

تبعات القانون الإسرائيلي الأخير على عرب فلسطين

07 أغسطس 2018
07 أغسطس 2018

سعيد الكندي -

[email protected] -

بعد أن صادق الكنيست في إسرائيل على مشروع قانون يمنح أو يجيز لليهود فقط تقرير المصير فهو بذلك ما اعتبره الفلسطينيون في أرض «48» أو بما يسمى بالأقلية العربية في الأرض المحتلة أنه قانون عنصري، ويؤسس لدولة عنصرية ويزيد من غطرسة إسرائيل ويرسخ مكوثها على الأرض بصورة شرعية أكبر. فهذا القانون الذي أخذ من الجدل السياسي الكبير في أروقة الحكومة ثم « الكنيست » أشهرا طويلة، فقد أقره الكنيست الإسرائيلي أخيرا، وأصبح واقعاً، والكنيست المؤلف من «120» عضوا قد صادق على قانون « الدولة القومية »بموافقة « 62» نائبا ومعارضة «55» وامتناع نائبين عن التصويت، وقد أثار هذا القانون حفيظة النواب العرب في الكنيست، مما أفضى الى طردهم أي ـ النواب العرب من جلسة الكنيست ـ بعد أن مزقوا مشروع القانون، والذي كان يحق لهم أن يصفوه بأنه قانون فصل عنصري بالمعنى التشريعي والقانوني في دولة تدعي أنها ديمقراطية، وهذا ما يظهر جليا في الصورة أن الديمقراطية في إسرائيل ما هي إلا شعارات براقة تخدع به العالم.

فإلى أين تمضي دولة اسرائيل الغاصبة في إحيائها الذكرى السبعين لتأسيسها، وتصديرها قانونا ينص فيه صراحة على عنصرية فجة في زمن بدأت فيه أفول شموس الدول العنصرية، والفاشستية، قانونا تنص فيه على أن إسرائيل «هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي» وأن حق تقرير المصير فيها « لا يحق إلا للشعب اليهودي فقط»، ولا عجب من دولة الكيان أن تصدر قانونا بذلك وهي التي ما كانت لتقبل على إصداره إلا بعد تمهيد من قوى تقف في صفها، وتتيح لها أخذ الحق ، كما اتاحت له من قبل أكثر من ذلك.

إن ـ الأدهى والأمر ـ من بين بنود هذا القانون إلغاء اللغة العربية باعتبارها كلغة رسمية ثانية في إسرائيل وقد احتالت كثيرا في ذلك حول إقراره في النص القانوني، وإن كان وضعها موضعا مراوغا بأن جعل اللغة العبرية اللغة الرسمية للدولة، وبذلك فهو يكرس لغة إسرائيل ولا يعطي الاعتبار للغة العربية ولا من يتكلمون بها في داخله، وبهذا فإن إسرائيل وباتباعها هذه الممارسات فإنها تزيد من عزلتها الثقافية على المستوى الدولي وتمهد بنفسها لذلك، غير عابئة بالتبعات التي يمكن ان تلحقها بنفسها من جراء ذلك.

وإذا كانت نصوص من القانون قد أسقطت منه بعض من بنوده، وذلك بعد اعتراضات من الرئيس الإسرائيلي والنائب العام التي كانت تنص على إقامة كيانات مستقلة للمجتمعات اليهودية فقط، وتلزم التقاضي والقضاء بالاحتكام للشرع اليهودي عندما لا تكون هناك سابقة قانونية ذات صلة، فإنه لا يستبعد أن تصير هذه البنود التي لم تدرج في هذا القانون أن تعاد الى الطرح من جديد في سياق تشريعي أو قانوني آخر بعد فترة زمنية قد لا تكون بعيدة، وذلك بعد قياس ردات الفعل التي يمكن أن تنطوي عليه إجازة هذا القانون العنصري، ليتسنى لإسرائيل أن تنشب مخالب اليدين كاملتين على كل الأرض الفلسطينية ، وما ينسحب عليها من الثقافة والديانة، وغيرهما مما تبقى من الكيانات الفلسطينية فيها. وبالمقابل فإنها لم تغفل حين أقرت صياغة في نص القانون أكثر غموضا فيما يتعلق بأن الدولة تعتبر أن تنمية الاستيطان اليهودي «قيمة قومية وستعمل على تشجيعه، ودعم تأسيسه» ، وذلك يشكل خطرا أكبر في تهديد القومية العربية في البقية الباقية من الأرض المحتلة، التي يشكل فيها الفلسطينيون نحو مليون وثمانمائة ألف نسمة، أي ما يقارب20 بالمائة من عدد السكان الذي يتجاوز ثمانية ملايين نسمة. وبإقرار تسمين المستوطنات، فإن إسرائيل تريد أن تقول بأنه لا مكان للسكان العرب في هذه الأرض.

وبالرغم من ان البيان الصادر عن وزراة الخارجية الفلسطينية الذي اقتصر على إدانتها لهذا القانون حيث نص على انها « تدين الوزراة بأشد العبارات إقرار ما يسمى بقانون القومية، وتعتبره أبشع عملية تطاول واستخفاف بالقوانين والمواثيق والشرائع الدولية والمبادئ السامية لحقوق الإنسان» فإن هذه الإدانة التي لا تطال شيئا، إذ ستظل إدانة في الهواء ولا تؤثر في سير ما تريد إسرائيل تحقيقه، ما لم تكن هناك إدانة دولية واسعة مصحوبة بحملة إعلامية موجهة، وأن تلقى تلك الإدانة قبولا متزنا من المجتمع الدولي، وبرغم أن البيان أكد أن إقرار هذا القانون العنصري التمييزي أسقط وللأبد جميع ادعاءات ديمقراطية دولة الاحتلال وزعم أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ، إلا أنها هي في قمة الدول الظلامية. وأن هذا الزيادة في التأكيد لا تكاد تفعل شيئا إلا أشبه بالنفخ في القربة المقطوعة.

وحول ردود أفعال بعض الجهات ومراكز الرصد الفلسطينية أفراداً ومؤسسات قد أكدت مختلف الأوساط الفلسطينية، أن القانون عنصري،و أن دولة الاحتلال تشرعن للعنصرية والتمييز والقضاء على كل الوجود الفلسطيني، كما أن القانون سيعمق إحساس الأقلية العربية بالغربة حتى بعد هذه التغييرات مما أعلن موت الديمقراطية، وما يمثله الكنيست، وذلك حسب تعبير النائب العربي فيه أحمد الطيبي، كما وصف المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل « عدالة » بأن هذا القانون سيعمل على تعزيز التفوق الإثني الذي يتجلى في ترسيخ السياسات العنصرية.

ومن الأسئلة الجديرة بالوقوف عليها ماذا سيكون لعرب إسرائيل - عرب 48 ـ من أبناء الفلسطينيين الذين عايشوا وتعايشوا من النكبة ودولة الاحتلال؟ ويملك ما بقي منهم على الأرض الحقوق نفسها بالتساوي بموجب القانون ، والذين سيتعرضون حتما بموجب القوانين الجديدة الى التمييز العنصري وهضم حقوقهم ، والذين باتوا يتلقون خدمات سيئة وحصصا أقل في التعليم والصحة والسكن وغيرها من الخدمات الإنسانية في الدولة الواحدة ، وقد تجلى هذا التمييز قبل أن يدخل قانون الفصل العنصري حيز التنفيذ، والذي سيزيد الطين بلة، ويقضي على البقية الباقية من تلك ما تسمى بالحقوق مجازاً .

حتما سيؤثر هذا القانون على مسار القضية الفلسطينية بشكل عام ، بغض النظر عن الكيفية التي سيتم بها تطبيقه وخاصة انه يمسح شريحة لا بأس بها من المجتمع الفلسطيني المتبقي في إسرائيل (20) بالمائة، وقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» عقب التصويت على القانون لأعضاء الكنيست، « إن هذه هي اللحظة الفارقة في تاريخ الصهيوينة وتاريخ دولة إسرائيل ».

وبذلك فإنه يبقى لا مفر للفلسطينيين ، سواء داخل الأرض المحتلة أو خارجها أو اللاجئين في المخيمات ، سوى البحث عن أفضل طريق والسبل الكفيلة ، والكيفية التي يجب أن يتعامل بها الفلسطينيون لتفادي تبعات هذا القانون ولجم إسرائيل في تطبيق بنوده، وعلى الفلسطينيين أجمعهم عدم البحث عن خارج الصندوق الفلسطيني أو التعويل على غيرهم ، برغم ما سجلته المراصد من ردود أفعال عربية ودولية ومنظمات حقوق الإنسان بشأن هذا القانون، إلا أنها ستكون على الأرجح ردود أفعال وقتية وآنية لا تؤثر في عدم مضي إسرائيل في تطبيقه.