أفكار وآراء

من تجليات النهضة العمانية

04 أغسطس 2018
04 أغسطس 2018

البروفيسور البريطاني إدريان روسكو  -

نقلها إلى العربية: د. مسلم بن علي المعني –

جامعة السلطان قابوس -

على الرغم من أنني أكتب هذه المقالة في يوم من أيام الصيف ببريطانيا حيث تبدو السماء بلونها الضبابي، إلا أن ذهني وعقلي لا ينفكان - ولو من على بعد - عن التفكير في عمان مستمتعا ولو عن بعد بزرقة سمائها وروح الصداقة التي تتحلى بها هذه البلاد وشعبها. فما هو السبب وراء ذلك؟ ولأنه قيّض لي أن أكون أحد المحكمين للمسابقة الأدبية السنوية التي يشارك فيها الشباب العماني بأعمالهم الأدبية فلقد انتهيت للتو من قراءة 50 قصيدة من القصائد التي قدمت للمسابقة في نسختها الحالية، والتي تأتي بتشجيع من اللجنة الوطنية للشباب، وهي لجنة تعكس الإيمان العميق لصاحب الجلالة بأهمية الشباب في بناء الأمة؛ ولا يسعني في هذا السياق إلا أن أسترجع كلمات جلالة السلطان في العيد الوطني الثاني والعشرين المجيد عندما قال: «ولما كان بناء الإنسان الواعي القاد‏ر على تسخير مواهبه ومهاراته وطاقاته البدنية والذهنية والنفسية في خدمة مجتمعه هو السبيل الحقيقي إلى نجاح كل تنمية سواء أكانت اقتصاد‏ية أم اجتماعية. وحيث إن الشباب في كل أمة هم أملها الواعد، وذخيرتها للمستقبل، وبقدر ما يولون من عناية ورعاية، وتوجيه وتثقيف،‏ وإعداد وتأهيل، وإذكاء لروح الانتماء الوثيق للوطن في نفوسهم، يكون عطاؤهم وبذلهم، وتفانيهم وإخلاصهم، وتضحيتهم وإيثارهم، فإننا نعلن العام القادم [1993م] عاما للشباب، نستكمل من خلاله مسيرتنا الهادفة إلى إعداد جيل ‏المستقبل».

ومنذ تدشين هذه المسابقة فلقد تطورت نوعية الأعمال المقدمة إليها كما ونوعا، وهأنذا أقرأ قصيدة كتبها شاب يبلغ من العمر أربعة عشر عاما يتغنى فيها بفسحة الأمل كأحد أبرز الدوافع للحياة، وقصيدة أخرى لشاب يبلغ من العمر ستة عشر عاما يتحدث فيها عن عجائب الحياة وواقعها المرير وثالثة لشاب يتناول فيها موضوع الاكتئاب؛ فجميع هذه القصائد تفيض بخيال واسع بجانب ما تعكسه من فكر ناضج ونظرة حاذقة. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن شباب عمان يواجهون قضايا العالم المعاصر بخطوات ملؤها الثقة والثبات، ويقرأون الأشياء بتعمق، ويفكرون بصفاء ذهن متقد، ويعبرون عن مشاعرهم بلغة أدبية رصينة، ويعكس كلّ هذا بجلاء قدرة الشباب العماني على الكتابة التي تضاف إلى رصيد الأدب القومي والعالمي.

وبعيدا عن العلوم الإنسانية، فإن الأعمال العلمية التي كتبت في مجالات الطب والعلوم الأخرى ونشرت في المجلات العلمية بالسلطنة، تعكس جيلا صاعدا من العمانيين التواقين إلى البحث العلمي وإلى الإسهام في رقي العلم والمعرفة بدلا من تلقيهما فقط. ولا غرو أن يلمس المرء الرضا التام لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد عن ثمرة عزمه وإصراره على بناء منابر العلم والمعرفة من خلال المدارس والكليات والجامعات والمستشفيات.

وفي حين أن ما ذكرته أعلاه يعكس جيلا شابا يلامس العالم الأوسع بإسهاماته فمن الواجب أيضا في هذا المقام أن أنقل وجهة نظر العالم عن عمان. إذ كتب طالب يسمى كايل شورينج من جامعة لويالا بشيكاجو مقالا عن عمان بعنوان «عمان .. إحدى العجائب غير المعروفة» يستذكر فيه زيارة قام بها عام 2017م لصديق له في عمان ويمتدح فيه التصاميم المعمارية للأبنية في محافظة مسقط، وارتياحه لزيارة الأماكن الريفية ذات الطبيعة الساحرة الخلابة، وكذلك طيبة العمانيين في كل محافظات السلطنة بدون استثناء، وقد اختتم مقاله بإطراء كبير عن السلطنة وقائدها لما عرف عنه من دور في صنع السلام في العالم: «ونحن نغادر باتجاه المطار شعرت بأنه من الضروري طرح سؤال على سائق سيارة الأجرة: لماذا خلال زيارتي التي امتدت لثلاثة أيام لم أر شرطيا واحدا.. ناهيك عن عدم رؤيتي لأي شخص يحمل سلاحا؟! لكن نظرة الاستغراب الممتزجة بنوع من الارتباك والتي بدت على وجه سائق سيارة الأجرة ستظل محفورة في ذاكرتي للأبد». فأجاب: «لماذا نحتاج إلى سلاح؟ أحب وطني وأحب أناسه ولن أفكر على الإطلاق في تسبب الأذى لكليهما».

فمن يا ترى يستطيع أن يلخص غمرة السعادة للنهضة المباركة في عمان أكثر من ذلك؟!