صحافة

الرسالة: خذوني إلى شواطئكم قليلا يا أهل غزة

03 أغسطس 2018
03 أغسطس 2018

في زاوية مقالات كتب رئيس الوزراء الأردني السابق عبد الهادي المجالي مقالا بعنوان: خذوني إلى شواطئكم قليلا يا أهل غزة، جاء فيه:

لا يوجد في غزة مطار ولا يوجد أسواق مالية، ولا أظن أن فيها (مولات) تشبه ما هو موجود في عواصم العالم العربي. وحين تبحث عنها في الخارطة تجدها أصغر من مدينة الإسكندرية، وتجدها وربما أصغر من محمية طبيعية للغزلان أقيمت في دول الفائض المالي. لكنها مدينة عجيبة وغريبة، فهي الوحيدة في العالم العربي التي قدمت شهداء من كل الأصناف، قدمت أطفالا وقدمت (معاقين) وكبار سن، هي الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مواصفات للشهيد، (فالكل هناك مشروع شهيد).

كل المدن في العالم يصلها الغذاء والدواء والطعام، عبر وسائل النقل وفي وضح النهار. غزة المدينة الوحيدة  التي احترفت بناء الأنفاق، وصارت المدينة الوحيدة في العالم التي تستورد الغذاء والدواء والحب، حتى الحب عبر الأنفاق. العالم كله يسكن فوق الأرض، إلا غزة فما هو فوق الأرض لهم وما هو تحت الأرض لهم أيضا. وتسأل أحيانا، المعابر المصرية مغلقة، وإسرائيل تحكم حصارها والبحر أيضا مغلق والجو مراقب، وتستطيع إسرائيل أن ترصد لون قمصان الناس هناك ودرجة حرارة أجسادهم وألوان عيونهم، وتشعر بالصدمة حين يعرض لك الإعلام مسيرة اندلعت في مخيم الشاطئ، وفجأه يظهر واحد من أبناء المخيم وهو يحمل بندقية (م16) محسنة ومن آخر طراز ومركب عليها نظام ليزر، ورؤية ليلة (عقول). تستغرب في داخلك وتقول: البحر مغلق والبر مغلق والجو محاصر، هل ابتكر أهل غزة طريقا رابعة غير التي نعرفها؟. أظن أن غزة هي المدينة الوحيدة على هذا الكوكب والتي لديها وسيلة نقل رابعة غير البر والبحر والجو وغير النفق أيضا، ربما مع السماء. ومع كل هذا الشقاء ينتجون فنا عبر رمل الشواطئ، ويندلع الحب هناك على المرافئ ويتفننون في إيصال رسائلهم للعالم ويصلون الجمعة بكل خشوع، ويخرجون في المسيرات بحشود هائلة، وينتجون (الشطة) بكميات هائلة، ومثلما يحبون الشهادة يعشقون الحياة أيضا. غزة ظاهرة تحتاج إلى تأمل، فهي قارة وليست قطاع من قال إن غزة قطاع أو محافظة فهو مخطئ (هي قارة) فيها فصل خامس غير الفصول التي نعرفها واسمه فصل الحصار، غزة قارة لأن فنون الموت هنالك متعددة، فإسرائيل تبتكر كل يوم شكلا للموت، وهم كل يوم يبتكرون شكلا للحياة والمقاومة فمن يوظف (الكاوتشوك) في المعركة أظنه عبقري وخارج طبيعة البشر. غزة قارة فقلوب الناس هناك تنوب عن كل شعوب العالم العربي في القتال فعلى السلك الشائك يقاتل الغزي نيابة عن كل العرب. المساحات ليست بالجغرافيا بل تقاس باتساع القلب ولا أظن أن هنالك قلوبا أكثر اتساعا من قلوب (الغزاوية). وغزة أيضا أكبر من دولة، مثلا خذوا أكثر دولة رفاها في العالم وهي سويسرا، هل قدمت سويسرا، شهداء بحجم ما قدمت غزة؟ طبعا لا، هل ابتكرت سويسرا فنونا للمقاومة بحجم ما ابتكرت غزة ؟ .أظن أن سويسرا أبدعت في إنتاج الساعات التي تقيس الزمن وتعطينا التوقيت، غزة أصلا لا تحتاج للساعات لأنها هي التي تصنع الوقت.