أفكار وآراء

زلزال السـلام في إفريقيا نمـوذج طـيب بالنسـبة للمنطقة

31 يوليو 2018
31 يوليو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

إن اتباع نموذج منطقة القرن الإفريقي هو نموذج إيجابي يساعد على إنهاء الصراعات ويفتح آمالا جديدة للشعوب للتعايش والتعاون والتنمية، فهو نموذج يثير الإعجاب والدهشة ليسجل لأحد القادة الأفارقة الريادة والإقدام على خطوة شجاعة لفتح آفاق السلام والتعايش لشعوب تلك المنطقة.

في مقال سابق تمت الإشارة الى دور الزعيم الأثيوبي أبي احمد وما أحدثه من زلزال سياسي من خلال قمة مزدوجة مع الرئيس الأريتري أسياس أفورقي ومن خلال زيارتين لأسمرة وأديس أبابا، أحدثت الفرق بعد صراع مرير امتد لعقود، وخرج الشعبان الأثيوبي والاريتري فرحا بتلك المصالحة، والتي فتحت آفاق السلام لتمتد شرارة السلام إلى الصومال الذي قام رئيسه بزيارة لم تكن في الحسبان الى أريتريا، وحدثت المصالحة وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والشعبين، كما عادت العلاقات الدبلوماسية بين أثيوبيا وأريتريا.

هذا الزلزال السياسي -إن صحت التسمية- الذي شهدته منطقة القرن الإفريقي بدأت تتسع دائرته، إلى مصالحة محتملة بين الصومال وجيبوتي، ومنها إلى دول اخرى في الإقليم الذي يعد من المناطق الاستراتيجية في العالم حيث وجود مضيق باب المندب على سواحل جيبوتي ووجود بحار مفتوحة على الصومال ومنها بحر العرب علاوة على البحر الأحمر مما يجعل منطقة القرن الإفريقي منطقة جذب استثماري كبير.

الذي يحدث في منطقة القرن الإفريقي وإفريقيا عموما يعطي نموذجا على أهمية الحوار والتسامح ونسيان الماضي، وهو الأمر الذي نؤكد عليه في عدد من المقالات، لان الحوار هو الذي يقود إلى إيجاد القواسم المشتركة، التي تفضي إلى التعاون والسلام وهي المبادئ التي رسخها جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- قرابة خمسة عقود وجعلت السلطنة تلعب أدوارا تحدث عنها عدد من المحللين السياسيين خلال الأيام الماضية في واشنطن ولندن وغيرها من عواصم صنع القرار في العالم.

النموذج الإفريقي والأمل العربي

استطاع الزعيم الجديد « أبي أحمد»، رئيس وزراء أثيوبيا، وخلال فترة قصيرة، أن يغيّر المعادلة في منطقة القرن الإفريقي والتي كانت ساحة صراع مرير وحروب خلال عدة عقود خاصة بين أثيوبيا وإرتيريا، وأيضا بين الصومال وأثيوبيا، وبين جيبوتي والصومال، وصراعات تتدخل فيها قوى خارجية ليزداد الصراع والذي افقد تلك الدول مقدرات كبيرة وساهم في ضعف اقتصادياتها، وفي إحداث مشاعر كراهية بين مجتمعاتها التي تربطها أواصر مجتمعية وعرقية متداخلة بشكل كبير عبرت عنها من خلال خروج مئات الآلاف في أديس أبابا وأسمرة لاستقبال قائدي البلدين. ومن هنا فإن تحرك قطار السلام في منطقة القرن الإفريقي هو رسالة إلى أقاليم اخرى لا تزال ترضخ تحت نير الحروب والتوترات السياسية خاصة المنطقة العربية، والتي يتردد أن هناك من يريدون أن يسوقوا لها، ما يسمى حلف الناتو العربي ضد ايران، وهذه كارثة كبيرة بالنسبة للأمن القومي العربي.

التوتر في منطقة الخليج والحروب في سوريا واليمن وليبيا آن لها أن تنتهي، وأن تكون هناك مبادرة شجاعة من كل تلك الأطراف لإيجاد المصالحة الكبرى، والانطلاق إلى منهج سياسي جديد قوامه السلام والتعاون ونسيان الماضي المرير من خلال آلية الحوار والتي تعد الخيار الذي يعطي فرصة للسلام والتعايش بين الشعوب، بعيدا عن لغة العنف والحرب والتي تبدد المقدرات وتزرع الكراهية ويخسر من خلالها الجميع اليوم وغدا.

إن النموذج الإفريقي هو درس كبير من خلال رجل بعيد النظر، وفي لحظة فارقة من التاريخ غير مناخ منطقة القرن الإفريقي لتتواصل المبادرات من رؤساء الدول الأخرى وكأنها شرارة السلام انطلقت، وهذه هي الإرادة السياسية التي يفتقر إليها العرب للأسف، رغم الروابط الكبيرة بين شعوب الأمة العربية وما تملكه من إمكانات وثروات طبيعية وبشرية، ولكنهم نادرا ما يلتقون على قلب رجل واحد!! المنطقة العربية أمام نموذج مميز وليس هناك مشكلة من أخذ العبر من الآخرين فالصراعات وخاصة في اليمن الشقيق تتجه إلى الأسوأ، والشعب اليمني يرزح تحت ثالوث الفقر والمرض والقتل، ومن هنا فإن هذه الحرب من الصعب أن تحسم عسكريا، لأنها تداخلت فيها قوى إقليمية ومصالح دولية وبيع السلاح مما يجعلها اكثر اشتعالا واستمرارا.

بعيدا عن الأحلاف

بدأت التصريحات الصحفية تتحدث مؤخرا عن مشروع يعرض الآن على عدد من الدول العربية لإقامة ما يسمى منظومة أمنية عسكرية لمواجهة ايران وان هذا المشروع من شأنه -في حالة صحة ما يتردد- أن يثير ازدواجية مع كل من مجلس التعاون والجامعة العربية، وهما غير موجهين ضد ايران ولا ضد أية دولة اخرى منذ إنشائهما، لينتهي ذلك المشروع إلى ما يشبه حلف عربي- أمريكي اقرب إلى الناتو الغربي بين الولايات المتحدة والدول الغربية. ومن ثم انغماس عدد من الدول العربية في لعبة التحالفات وإيجاد أعداء في المنطقة، بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج.

إن الأحلاف فكرة رفضتها الدول العربية منذ عقود طويلة، كما أن لدى العالم العربي فرصة تاريخية لتغيير المنهجية السياسية وتقوية الجامعة العربية وإطلاق مشروع للمصالحة العربية على غرار ما يحدث في منطقة القرن الإفريقي، وان التعاون مع الغرب والشرق هو أمر موجود وعلى كل الأصعدة من خلال الاحترام المتبادل بين الدول والشعوب، ومن خلال تكتل عربي يحفظ للعرب مقدراتهم ويفتح المشاريع العربية الكبرى المعطلة كمنطقة التجارة العربية الكبري والسوق العربية المشتركة، والنقل المشترك والاستثمارات وتبادل الخبرات مما يجعل العالم العربي كتله لها وزنها السياسي والاقتصادي والحضاري بين الأمم وان تحافظ على مقدراتها. إن الاتفاق على كلمة سواء هو الأسلوب والمنهج الصحيح بين الأشقاء، والأحلاف هي وسيلة مدمرة، واذا كان الأمر يقتصر على ايران فإن الحوار معها هو الخيار الافضل، وعلى طريقة نموذج منطقة القرن الإفريقي بمعنى أن يتم تبادل الزيارات بين القيادات الخليجية والقيادة الإيرانية، وإنهاء حالة عدم الثقة، والتي تم كسرها حتى بين الأعداء، حيث تم اللقاء التاريخي بين الرئيس الأمريكي وزعيم كوريا الشمالية، ومن هنا فان التوتر والتصريحات العدائية على ضفاف الخليج لا يساعد على إيجاد مناخ للسلام بل يعمق الكراهية بين الشعوب، خاصة مع الانفلات الإعلامي الذي اصبح أداة مدمرة وغير حضارية. ومن ثم فإن الخيار العربي هو في تقوية المؤسسات العربية سواء الجامعة العربية أو مجلس التعاون لأن ذلك هو الأساس الذي يعيد للعرب انطلاقتهم الصحيحة لخدمة مصالح شعوبهم بدلا من استغلالهم من قبل مصانع السلاح في الغرب والشرق على حد سواء.

بعيدا عن الحروب

الحروب مدمرة للقوات والمقدرات الوطنية، والأرقام التي تتحدث عن نفقات حرب اليمن كبيرة، حيث ضاعت مئات المليارات من الدولارات دون فائدة تذكر، والضحية الكبرى هم الشعب اليمني، كما أن الصراعات في سوريا وليبيا أدت إلى ملايين من الضحايا واللاجئين.

وبالتالي فإن اتباع نموذج منطقة القرن الإفريقي هو نموذج إيجابي يساعد على إنهاء الصراعات ويفتح آمالا جديدة للشعوب للتعايش والتعاون والتنمية، فهو نموذج يثير الإعجاب والدهشة ليسجل لأحد القادة الأفارقة الريادة والإقدام على خطوة شجاعة لفتح آفاق السلام والتعايش لشعوب تلك المنطقة، وهو ما يذكرنا بالقادة الأفارقة الذين لعبوا أدوارا حاسمة في إنهاء الصراعات وإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية والتي تحولت إلى الاتحاد الإفريقي، والذي سوف يسهم في بناء افريقيا الجديدة التي تسير رويدا نحو إنهاء الصراعات والسلام وبناء الكيان الأفريقي المتطور في العالم، خاصة وان الاستثمارات في القارة تقدر حاليا بأكثر من 200 مليار دولار وبالتالي فإن مناخ السلام سوف يجعل القارة الإفريقية اكثر استقرارا ورخاء وتنمية شاملة.