أفكار وآراء

الطفولة .. لا يجب أن تغيب عن حاضنتها بعيدا

29 يوليو 2018
29 يوليو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تشكل الطفولة امتدادا مهما في المشروع الإنساني الكبير، ولذلك هي تحظى في جميع مراحل نموها بهذا الاهتمام، وبهذا الحرص، وبهذه المتابعة، وبهذه العناية من قبل المجتمع الأممي الذي ينضوي تحت لوائه الأسر، والمؤسسات، والمنظمات، والحكومات، والدول، بلا استثناء،

لأن الطفولة تؤسس للبقاء الإنساني، وتؤسس للنجاح في الحياة، وتؤسس لوجود مجتمعات سليمة خالية من كل مرض، وتؤسس لأسر سوية من شأنها أن تدعم المجتمع بأفراد أسوياء في عقولهم، وفي أبدانهم، وفي توجهاتهم وفي بقائهم، ولذلك يظل الرهان على هذه الفئة أكثر من غيرها من الفئات، ولأن مجمل الإخفاقات التي تقع فيها الإنسانية، يكون مدخلها من هذه الفئة أكثر من غيرها كذلك، فهي المعرضة دائما لمختلف الممارسات والانتهاكات الخاطئة التي يسلكها الكبار أحيانا، سواء في الحرص المبالغ فيه، أو التراجع المخل في ما يجب أن يقوم به الكبار أيضا، فضلا عن تعرضهم لفوهات المدافع في الحروب، حيث يشكل الأطفال المستوى الثاني في درجات تعرضهم لمآسي الحروب، الى جانب النساء وكبار السن، وتنشر وكالات الأنباء تقارير و أرقاما صادمة ومخيفة، عن ما يتعرض له الأطفال من انتهاكات جسدية وجنسية، واجتماعية مختلفة. ومن ذلك ما أشارت إليه منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»: «في تقرير نشر لها مؤخرا بأنه «تم تسجيل نحو 300 ألف طفل على الأقل هاجروا إلى 80 دولة، بمفردهم دون أهاليهم خلال الفترة بين عامي 2015-2016، وهذا العدد أكثر بـنحو 66 ألفا مقارنة بالفترة بين عامي 2010-2011» - حسب وكالة «فرونتكس» الأوروبية لمراقبة الحدود.

وفي تقرير آخر نشرته وكالة يورونيوز الأوروبية قالت: إنه حوالي 165 ألف طفل تمّ تصنيفهم على أنهم يعيشون في مناطق نزاع، وهؤلاء الأطفال معرضون لمخاطر «الانتهاكات» حسب المنظمة الأممية. واستخدمت منظمة «اليونيسيف» بيانات عن تدهور وضع الأطفال خلال الحروب والأزمات حيث أكدت وجود زيادة بنسبة 300 في المائة في عدد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا منذ العام 2010، وقد استندت المنظمة التي تعنى بحماية الطفولة إلى سجلّ الأمم المتحدة للحوادث والتحقيقات. ولذلك تعيش الطفولة مأزق الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الكبار في كل مناحي الحياة، ومن هنا تتجلى الضرورة في الالتزام بالحكمة والمعرفة في التعامل مع هذه الفئة في جميع مراحل نموها، حتى تشق طريقها بكل اقتدار، في عالم يعيش تناقضات خطيرة في جميع محطات حياته اليومية، بقصد وبغير قصد. وكما يقول: الروائي الإيرلندي ماكغرين في روايته (كي يواجهوا الشمس المشرقة): «عالم غيبته التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عصفت بالمجتمع الريفي، عالم يتلاشى، بفعل الهجرة والرحيل، ويزوي المجتمع فيه على هامش الحداثة وأنماط الحياة الجديدة».

فهذا التوق نحو الجديد، هو الذي يضيع المسارات الطبيعية نحو وجهاتها الصحيحة، فتظل؛ في المقابل؛ الصور مرتبكة، ومتداخلة، وتأتي الطفولة لتعيش مأزق هذا التصادم الذي يعيشه الكبار، ومع ذلك فالمجتمع بكل أطيافه، وإن عاش في لحظات من عدم الاهتمام الكبير، في بعض الأحيان، إلا أنه ينزع دائما نحو الاهتمام بهذه الفئة وإيلائها العناية والرعاية، وتظل العنوان العريض المتصدر على أولويات الاهتمامات في الحياة العامة والخاصة على حد سواء لليقين الموجود على أن الطفولة تظل هي الامتداد الطبيعي لاستمرار البشر وبقائهم.

تعيش الطفولة مأزقها المستمر، ليس فقط في مناطق النزاع والحروب، بل حتى في الأماكن التي تعيش حالات من الأمن والاستقرار، حالها كحال النساء اللواتي يتعرضن لمختلف الانتهاكات التي يقوم بها الرجال في المجتمعات المختلفة، سواء صنفت هذه المجتمعات على أنها مجتمعات متقدمة، أو مجتمعات متخلفة، فالحال سيان، وذلك يرد كثيرا في نشرات الأخبار، وفي تقارير المنظمات المعنية بحماية الطفولة والنساء على حد سواء، في صورة تعكس هذا الارتباك الذي يعيشه الكبار في التعامل مع هذه الفئة من أبناء المجتمع، وفي كل الدول بلا استثناء، ففي تقرير نشرته جريدة عمان بتاريخ الخميس 4/‏‏1/‏‏2018م أكد على أن «خط حماية الطفل (1100) تلقى (87) مكالمة خلال الفترة من 1 يوليو إلى 30 سبتمبر 2017 رصد خلالها (48) حالة إساءة تعرّض لها الأطفال (...) كان أغلبها بسبب الإهمال التي وصل عددها إلى (20) إساءة، تليتها الإساءة الجسدية التي بلغ عددها (13) إساءة، و(8) إساءات جسدية، و(7) نفسية. وفي الوقت نفسه - أشار التقرير - الى أنه قد جرى إيواء (20) طفلا من الأطفال المعرضين للإساءة بدار الوفاق خلال الربع الثالث من العام نفسه (7) منهم من الذكور و(13) من الإناث، كما تعاملت لجان حماية الطفل خلال الفترة نفسها مع (88) طفلا تعرضوا للإساءة، (50) منهم من الذكور، و(38) من الإناث أغلبهم بمحافظة مسقط».

وفي وقت سابق لهذا التقرير “أكدت مؤشرات صادرة من دائرة الحماية الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية أن عدد حالات الأطفال المعرضين للإساءة التي تعاملت معهم لجان حماية الطفل بالسلطنة بلغ (299) حالة في العام 2016م، بنسبة (53%) من الذكور و(47%) من الإناث، تنوعت بين الإهمال والإساءة الجسدية الى جانب الإساءة النفسية وغيرها»، كما «كشفت وزارة التنمية الاجتماعية ممثلة في دائرة شؤون الأحداث إجمالي عدد الأحداث الجانحين والمعرضين للجنوح خلال العام 2015 م، والبالغ عددهم (506) حالات في مختلف محافظات السلطنة» .

وفي السياق ذاته أكد أحد المعنيين في التحريات والتحقيقات الجنائية بشرطة عمان السلطان: «بأن الأسرة هي أكثر ما يؤثر على سلوك الحدث يليه الأقران ثم زملاء الدراسة ومن ثم وسائل الإعلام، كما أثبتت الدراسات بأن عملية تلقين الأطفال أمور دينهم هو أكثر العوامل المساهمة في الحد من جنوح الحدث وأن للتنمر علاقة بالجريمة، وضحاياهم عرضة بأن يكونوا مجرمين في المستقبل».

إن المتصفح لـ « قانون الطفل رقم 22/‏‏2014، يجد في باب العقوبات والتعويضات المدنية، ( المواد من 66 الى 74) توضح أنواع العقوبات على المسيئين الى الأطفال، وهذه العقوبات على أهميتها في ردع من تسول نفسه الإساءة الى الطفل، ألا أنها لن تغني عن تبني برامج توعوية من قبل مختلف المؤسسات المعنية، يأتي في مقدمتها المؤسسة الإعلامية، بجميع وسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة، والمؤسسة الدينية، والتي تمثلها منابر الجمعة؛ على وجه الخصوص؛ والمؤسسة الاجتماعية التي تمثلها مختلف مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمة كل هذه المؤسسات، المؤسسة المحورية المتمثلة في الأسرة، فعليها يقع العبء الأكبر بلا منازع، فـ» الأسرة تلعب دورًا رئيسيًا ومهمًا في رسم شخصية الفرد وسلوكه وعقائده على جميع السلوكيات المتنوعة، وفي الأسرة يتعلم الأطفال (التحكم في رغباتهم وكبت الميول التي لا توافق المجتمع) ومن هنا فإن أسس الضبط الاجتماعي تغرس بواسطة الوظيفة التربوية في محيط الأسرة، وقد ربط بعض الباحثين بين انحراف الوالدين أو أحدهما وأثر ذلك على انحراف الحدث، وأشارت إلى وجود علاقة بين درجة وكيفية الضبط داخل الأسرة، وبين ما يقوم به الطفل من انحراف وموقف الطفل تجاه هذا الضبط ومدى استجابته له من عدمه» - وفق المصدر السابق (جريدة عمان) - وعلى المؤسسات الداعمة الأخرى أن تتكاتف في أداء رسالتها فيما يخص هذه الفئة من أبناء المجتمع، وعلى أبناء المجتمع أن يحاسبوا هذه المؤسسات في حالة عدم قيامها بالدور الكامل، لأن حماية الأطفال خط أحمر لا يجب المفاضلة حوله.

ما يستوقف المتابع من هذه التقارير كلها الدولية والمحلية؛ على حد سواء؛ أن المكسب المعرفي والتوعوي الذي حققه الإنسان حتى الآن، ولا يزال يبحر فيه، لم يعكس إطلاقا أي تغير في السلوك التربوي القويم في حياة الإنسان الفرد، حيث ظلت انتهاكاته الصارخة في كل شؤون الحياة اليومية، وكأن هناك شبه تواطؤ بين الإنسان ومحيطه ، في شأن استمرار هذه الانتهاكات التي يقوم بها ضد أقرب الناس إليه، «أطفاله» على سبيل المثال، وإلا لما استدعى الأمر لأن تصدر الجهات المعنية في كل الدول؛ كما أعتقد؛ بتوجيه أممي، تشريعات خاصة بالأطفال - محور هذه المناقشة - كقانون الطفل، ويضم القانون عقوبات مغلظة على المسيئين للأطفال.