أفكار وآراء

مواجهة « الأعاصير » الطبيعية والإقليمية ..على أرضية صلبة

28 يوليو 2018
28 يوليو 2018

عماد عريان -

,, الإعصار « مكونو» الذي ضرب السلطنة في شهر مايو الماضي في إطار اجتياحه لمنطقة بحر العرب يعد أحد أهم الأحداث التي شهدتها السلطنة ما بين يوليو 2017 ويوليو 2018، وبرغم أنه من التطورات الطبيعية التي لا دخل للبشر في صنعها إلا أنه لا يخلو من دلالات سياسية وعلمية وإدارية ومجتمعية في غاية الأهمية,,

لا نخفي القارئ العزيز سرا إذا ما أكدنا أن هناك الملايين من البشر الذين «حسدوا» السلطنة على معايشتها للإعصار «مكونو» بكل تفاعلاته وتطوراته العاصفة لعديد من الأسباب، لعل من بينها أن الإعصار برغم - خطورته - كشف عن التنوع البيئي والجغرافي الذي تتمتع به السلطنة على مدار العام ولا تعرف دول أخرى إليه سبيلا، اضف إلى ذلك أنه كشف عن قدرة السلطنة العلمية المتقدمة على إدارة الأزمات الطبيعية والحد من تداعياتها وتأثيراتها السلبية إلى أقصى درجة ممكنة،مع الحرص الشديد على حماية البشر وتجنب سقوط ضحايا، وهو ما نجحت السلطنة في تحقيقه بامتياز إلى حد التأكيد على أن ما تعرضت له السلطنة خلال الإعصار يسفر في دول أخرى عن سقوط مئات الضحايا وخسائر مادية بالمليارات وهو ما تجنبت السلطنة حدوثه بالفعل بفضل منظومة إدارة الأزمات الحديثة المتمثلة في أحدث المراكز والمؤسسات المؤهلة تقنيا وبشريا على أعلى مستوى مكنها من التعامل مع الحدث لحظة بلحظة قبيل وخلال وبعد حدوثه، وإذا ما كانت هناك نتيجة يمكن استخلاصها مما حدث أن الإعصار مكونو هو في حقيقة الأمر لحظة كاشفة للإنجازات التراكمية الضخمة التي حققتها السلطنة منذ 23يوليو1970 في مختلف القطاعات السياسية والتنموية والمجتمعية ومكنها من مواجهة مختلف الأعاصير الطبيعية والخارجية في منطقة تنوء بأزمات سياسية طاحنة وتوترات أمنية متزايدة . ولا شك في أن السياسة الخارجية العمانية قد ضربت مثلا يحتذى في صنع وإدارة السياسة الخارجية للدول المتطلعة إلى الاستقرار والتنمية ورفعة شعوبها ،وهو نهج استقى أصوله الراسخة ومنابعه الأصيلة والفياضة من نهج القيادة السياسية التي تنظر إلى الأمور وتقيمها بحكمة وموضوعية بعيداً عن الانفعال أو الاستعجال ، إزاء ما يستجد أو يستفحل من الأحداث والأزمات السياسية، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو العالمي، كما قدمت السلطنة وعلى امتداد سنوات طويلة نموذجاً في بناء وتطوير العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة،وهو ما جعل من علاقاتها الخارجية رافداً حيويا لتعزيز جهودها التنموية من ناحية، وتوفير مكانة رفيعة واستحقاق تقدير عالمي من قادة وشعوب المنطقة والعالم أجمع من ناحية أخرى. ولم يكن بوسع السياسات العامة التنموية المتبعة على الصعيد الداخلي أن تؤتي أكلها من دون سياسة خارجية متناغمة معها وداعمة لها، ومن هنا ، اعتمدت السلطنة سياسة خارجية حكيمة ومتوازنة تقوم على مد يد الصداقة لكافة الدول، وترسيخ مبدأ التفاهم والحوار بين جميع الشعوب، ما أكسبها احترام العالم وتقديره، حتى أضحت السلطنة نموذجا يحتذى به في العلاقات الدولية، وانطلاقا من حرصها المتواصل على دورها الفاعل والإيجابي ضمن منظومة العمل الخليجي المشترك عبر مجلس التعاون الخليجي ، فقد سعت باستمرار إلى تعزيز وتطوير العلاقات مع الدول الخليجية كافة سواء على الصعيد الثنائي أو في إطار مجلس التعاون الخليجي من أجل تحقيق المزيد من النماء والازدهار لدول المجلس والإسهام في الجهود الرامية لاستقرار المنطقة وتقدمها، والعمل على تطوير منظومة العمل الخليجي المشترك بكاملها على نحو يكفل لها مواجهة التحديات المشتركة التي تتطلبها تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، ويجعلها تسهم بفعالية في رسم مستقبل أفضل لشعوب دول المجلس،مع ضرورة دعم تلك المنظومة وتوفير كل الإمكانات اللازمة لتطوير أدائها وأساليب عملها بما يتوافق ومعطيات العصر ومواكبة ما تفرضه المتغيرات الإقليمية والدولية لدعم الجبهات الداخلية. فقد استطاعت خطط التنمية الخمسية منذ الخطة الأولى (1976 - 1980) وحتى الخطة الثامنة (2011 - 2015) إنجاز البنية الأساسية في مختلف المجالات وشتى أصقاع البلاد من طرق مرصوفة وخدمات المياه والكهرباء والاتصالات والخدمات الصحية المجانية ممثلة في مستشفيات ومراكز صحية ومستوصفات تصل إلى كل تجمعات المواطنين العمانيين وخدمات تعليمية تغطي كل مراحل التعليم الأساسي والجامعي والدراسات العليا على أرفع الأسس. وجاءت الخطة الخمسية التاسعة (2016 ـ 2020) لتشكل ختاما للرؤية الاقتصادية عمان 2020،التي كانت بمثابة خريطة طريق لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد على مدار 25 عامًا، منذ إعلانها في عام 1995م، وسعت الرؤية إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي عبر تبنى استراتيجية تسعى لتحويل التنمية الشاملة القائمة في البلاد إلى تنمية مستدامة تحفظ حق الأجيال القادمة.

وفي إطار خططها لتنويع مصادر الدخل القومي أقامت السلطنة العديد من المشاريع الحيوية المهمة، التي استقطبت من خلالها استثمارات عالمية في مجالات الصناعة والسياحة وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول ذات الأسواق العالمية النشطة ذلك فضلاً عن تقديمها التسهيلات للمستثمر الأجنبي بما يضمن له بيئة استثمارية مستقرة وآمنة وبإجراءات انسيابية. واستطاع الاقتصاد العماني خلال 48 عاماً الانتقال إلى مرحلة أكثر تطوراً وتنوعاً عبر توسيع قاعدة مشروعات الصناعات التحويلية المتوسطة والثقيلة وعبر الاعتماد بشكل أكبر على موارد الطاقة الوطنية خاصة منها الغاز الطبيعي المسال والموانئ التجارية والصناعة والسياحة والمناطق الحرة، ويعد قطاع الصناعة من أهم القطاعات الإنتاجية التي تسهم في تنويع مصادر الدخل القومي، لما يتمتع به هذا القطاع من خصائص وإمكانات للنمو. وما كان لكل هذه الإنجازات الهائلة إلا أن تأتى نتيجة رؤية شاملة وتخطيط دقيق وقيادة كرست نفسها من أجل الوطن وأبنائه، وثمرة لحكمة قيادته التي حرصت دوماً على جعل المواطنة القائمة على المساواة بين أبناء الوطن وعلى حكم القانون ركيزة أساسية وإطاراً يتسع ليشمل كل أبناء الوطن ،وهو ما عبر عنه النظام الأساسي للدولة الصادر في السادس من نوفمبر 1996 وتعديلاته،الذي بلور كل جوانب وأسس بناء الدولة العصرية والعلاقات بين مؤسساتها والمسؤوليات والحقوق والواجبات والمهام المنوطة بمختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها الإدارية والتنفيذية والبرلمانية والقضائية وكفالة قيام كل منها بدورها الوطني في تناغم وتكامل بين مجلس الوزراء ومجلس عمان بجناحيه مجلس الدولة ومجلس الشورى،علاوة على ضمان استقلالية القضاء في قيامه بدوره لتحقيق العدالة مع متابعة الأداء وضمان سيره في الطريق الصحيح من خلال جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة والهيئة العامة لحماية المستهلك والأجهزة الرقابية الأخرى ، التي تمارس أدوارها في إطار القانون والالتزام به ، مع كفالة وضمان الحريات الأساسية للمواطنين في إطار القانون. فقد كفلت مواد النظام الأساسي للدولة في الباب الثالث «الحقوق والواجبات العامة» حريات القيام بالشعائر الدينية طبقًا للعادات المرعية مصونة على ألا يخل ذلك بالنظام العام، وحرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون، وحرية الاجتماع وحق تكوين الجمعيات وكل ذلك في إطار القانون. حيث أكد الخطاب السياسي العُماني على أهمية تعميق فكرة المواطنة لبناء النهضة والتنمية ودعّمها في ذلك النصوص القانونية في النظام الأساسي للدولة.وإلى جانب الخطاب السياسي العُماني والنصوص القانونية، فإن المرجعية الدينية الإسلامية الوسطية شكلت العامل الأساسي في خلق هذه الهوية الوطنية العُمانية حيث نصت المادتين: الأولى والثانية من النظام الأساسي على أن «سلطنة عُمان دولة عربية إسلامية» و «دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية هي أساس التشريع». ولقد كان طبيعيا أن تستلفت إنجازات القيادة الحكيمة في بناء نهضة السلطنة طيلة خمسة عقود خلت اهتمام وتقدير وإشادة العالم بأسره، ففي تقرير مؤشر السعادة الثالث الذي يصدر عن شبكة حلول التطوير المستدامة التابعة للأمم المتحدة ويستند في تصنيفه الذي شمل 158 دولة، على عوامل عدة كالحصة الحقيقية لكل فرد من إجمالي الناتج المحلي ومعدلات الفساد والحريات والرعاية الصحية،وسبل إدارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية، جاءت سلطنة عمان في موقع متقدم عالميا بمؤشر السعادة لعام 2015،حيث حلت في المرتبة الثانية والعشرين على مستوى العالم، والثانية عربيا، كما تحتل السلطنة دوما مكانة مرموقة في مختلف مؤشرات الرفاهية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية على الصعيد العالمي.