Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :حديثنا مع أنفسنا.. وعي أكثر بذواتنا

27 يوليو 2018
27 يوليو 2018

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

أتصور، أنهم قليلون جدا الذين لا يتحدثون مع أنفسهم، وهذا ليس دليل تعقل، وإن كان الشائع عند العامة، أن الأفراد الذين يكلمون أنفسهم مصنفين من ضمن عائلة الـ«مجانين» وهذا مفهوم خاطئ بصورة مطلقة، فالدراسات تشير إلى أن الذين يتحدثون إلى أنفسهم، هم أكثر تنظيما، وأكثر حضورا لذواتهم التي تفرقهم قضايا الحياة المختلفة، وهم شديدو الحساسية، بمعنى أنهم غير مهملين، فالحديث مع النفس يوقظ فيهم الهمة والتفاعل مع محيطهم القريب على أقل تقدير، فعندما تُضيع قلما كنت قبل قليل تكتب به على الطاولة، سرعان ما تحدث نفسك: أين تركت هذا القلم، أليس قبل قليل كنت أكتب به، ربما أخذته معي إلى المجلس عندما جاء فلان، وبمواقف مشابهة يسترسل الحديث مع النفس مع كثير من مواقف الحياة التي تحاصرنا فيها الأسئلة، فالاستعداد لرحلة ما، يقينا، سوف تقول: ماذا يجب أن نأخذه في هذه الرحلة، ماذا عن السيارة، ماذا عن حاجيات الأطفال، ماذا عن... وماذا عن...، فإذا بك تستحضر كل احتياجات الرحلة من خلال حديثك مع نفسك، هذا بخلاف كلمات الإطراء التي تسمعها من الآخرين عن فعل جميل قمت به، فسرعان ما تذهب إلى نفسك مشيدا بها، أنا ذكي، أنا مجتهد، أنا أحظى بتقدير الآخرين، فإذا بهذه الإطراءات التي تسمعها من الآخرين تذهب بها إلى حوارك مع نفسك، فتكسبها عزما أكثر، وانطلاقات أخرى نحو أفق ممتد إلى ما لا نهاية، ولذلك يوصف الحديث مع النفس على أنه وجه من وجوه الذكاء، وبهذا التقييم تكسب النفس عمرا آخر لتحقيق مكاسب إنسانية أخرى. ربما الخطورة في هذا الجانب عندما يكون حديثك مع نفسك معاتبا، ومعنفا - كما تشير بعض الدراسات - حيث تلبس نفسك لباس السلبية، والتراجع، فيكسبها ذلك الخذلان فتصبح عالة عليك، وليست دافعا لك ومعينا لتحقيق طموحاتك، ولذلك ينصح الذين لا يحادثون أنفسهم، والذين يحقنون أنفسهم بكلمات سلبية أن يجلسوا مع أحد المختصين في علم النفس «الطب السلوكي» لأنهم غير أسوياء. هناك من يرى، أن الهروب إلى النفس للحوار معها، هو هروب من الواقع، لأن الناس، في مواقف كثيرة، لا يتحملون «الثرثرة» المبالغ فيها، ولذلك يهرب هؤلاء إلى الحديث مع أنفسهم، خوف اصطدامهم بالآخر الذي لا يطيق ثرثرتهم، ومن هنا يأتي الفهم المغلوط عند العامة، أن النساء أكثر حديثا مع أنفسهن من الرجال، لأن الرجل لا يطيق ثرثرة زوجته كثيرا، فتذهب المرأة الزوجة إلى الطرف الآخر الذي يصغي إليها أكثر، وهي نفسها، حيث تعيش حوارا طويلا معها، إما صامتا، أو جهوريا بما يكفي التشويش على الأحاديث الخارجية المتواردة من هنا وهناك، والمقاربة ذاتها تنطبق أيضا على أولئك الذين يذهبون للكتابة على جدران الأماكن المهجورة، أو دورات المياه، أو حتى في الأماكن العامة في لحظة خلو المكان من المارة، حيث يكتبون ما يدور في خواطرهم، سواء كلاما طيبا كالخواطر وأبيات من الشعر المعروف، أو جارحا، كالسب والقذف، وفي كل ذلك هم يرسلون رسائل موجهة إلى أشخاص، أو مؤسسات، حيث تفسر كل هذه السلوكيات على أنها انعكاس لما تجيش به أنفسهم، وغير قادرين على الإفصاح عنه مع الآخرين بصورة مباشرة، فلربما الإفصاح قد يدخلهم في مشاكل هم في غنى عنها.منذ فترة قرأت خبرا لإحدى الشركات في بلد أجنبي، تعلن عن خدمة للذين يريدون أن يفرغوا طاقاتهم السلبية، وذلك من خلال إدخال طالب الخدمة غرفة مليئة بالأدوات، وعليه أن يكسر هذه الأدوات كلها أو بعضها حتى يجد نفسه وقد أفرغ كل ما في نفسه من شحنات سالبة، هذا التفريغ؛ وفق الفهم الذي تدور حوله المناقشة الآن؛ هو نوع من حديث النفس غير القادرة على تفريغ كل حمولاتها السلبية.والنصيحة هنا: ففروا إلى أنفسكم، وحدثوها وبصوت عال، حتى لو أوصلكم ذلك إلى الصراخ، ولا تحجروا الكلمات بين مظان النفس، فإنها مهلكة ومقلقة ومربكة.