1401602
1401602
إشراقات

23 يوليو .. العدل والحكمــة والوسطية والاعتدال

26 يوليو 2018
26 يوليو 2018

23 يوليو ومواكب الانتصارات الظافرة -

محمد عبدالرحيم الزيني - أستاذ الفلسفة - كلية العلوم الشرعية -

يحتفل الشعب العماني ومحبوه بعيد النهضة المباركة، ويسعد بالإنجازات الضخمة التي يراها مجسمة أمامه في شكل مشروعات وحقائق مادية ملموسة في حياته اليومية والشعورية والوجدانية، وكلما دار الفلك وحل هذا اليوم المجيد، يتوقف المؤرخون والمراقبون للأحداث في الداخل والخارج يُقيمون التجربة العمانية التاريخية، ويحللون أبعادها، ويرصدون الإيجابيات والسلبيات، ويقدمون كشف حساب مفعم بالإنجازات ،وتحقيق الآمال والأحلام التي كانت تخطر بعقول الشعب الطيب ليس هذا فحسب بل رصد الأمنيات التي كانت تلمع في أفق خيالهم وتجول في عقولهم.

فقد استيقظ المواطن العماني في هذا اليوم المجيد على صوت قائد شجاع وبطل مقدام صوت السلطان قابوس يناديه بصدق وإخلاص، إننا بصدد عهد جديد وبداية جديدة ومرحلة جديدة تماما تختلف كلية عن الماضي بكل ما فيه من قصور أو آلام ونطوي العهد القديم ولا نلتفت إلى الماضي إلا للعظة والعبرة وليكن نظرنا ونفوسنا وقلوبنا موجها إلى الغد المأمول والمستقبل الواعد ،ننظر إلى الإمام دائما ونبدأ رحلة الحياة الجديدة، ونطوي صفحة الماضي للمؤرخين يسجلون ما يشاءون، وتبدأ القافلة الجديدة في المضي إلى الأمام وبداية البناء، والنهضة المجيدة وتأسيس البنيان الجديد على أسس علمية والاستفادة من تجارب الماضي، واستغلال الثروات المتاحة ، وتخطيط خريطة المستقبل على مراحل تاريخية في خطط محكمة تلبي حاجة المواطن، وتنقله نقلة نوعية كي يعيش عصره، في كافة نواحي الحياة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وهكذا انطلق موكب العمل بل مواكب البناء والتشييد في مجالات الحياة المختلفة. وكان من حكمة القيادة الحكيمة جمع شمل كافة أفراد المجتمع في بوتقة واحدة دون تمييز طبقة عن طبقة أو قبيلة عن قبيلة فالكل أمام القانون سواء والعبرة بما يقدمه المواطن لخدمة المجتمع، والتضحية من أجل الدولة والمساهمة الجادة في البناء الجديد.

الحقيقة يتعذر على المؤرخ والمراقب ملاحقة التطور الكمي والكيفي للسلطنة من أين يبدأ في تسجيل الأحداث الإيجابية والوقائع والتغيرات المذهلة التي طورت حياة المواطن تطورا رائعا وغيرته تغييرا جذريا من الناحية المادية مع الحفاظ على هويته الوطنية والعربية والإسلامية، وهذه قضية جوهرية قد يغفلها بعض المراقبين لحركة التطور في سلطنة.

ولشرح هذه النقطة نوضح أن أي حضارة لها جانبان جانب مادي وآخر معنوي ،وعادة ما يكون الجانب المادي، (في مجال البناء المعماري والمواصلات وأساليب الزراعة والصيد) أسرع في التغيير وأسهل من الجانب الروحي والفكري (العادات والتقاليد ومنظومة الأفكار) وكذلك يكون التطور المادي على حساب الناحية الفكرية والروحية والدينية فيغير من هوية الشعب، ويفضي إلى تشويه أبعاد شخصيته،واقتلاعه من جذوره وإغفال تراثه كما رأينا في كثير من المجتمعات العربية والأجنبية.

وكان من حنكة القيادة السياسية ونظرتها الاستراتيجية وحرصها على هوية الشعب وشخصيته المستقلة، النظر إلى التراث القيمي و التربوي وأن تحقق المعادلة الصعبة بحيث يواكب التطور الروحي والفكري، التطور المادي. وهذا ما نراه مجسدا في تركيبة المجتمع العماني، وفي أبعاد النهضة التي عمت السلطنة في كافة ولاياتها دون تمييز منطقة على أخرى، فعلى الرغم من الطفرة الهائلة في مجال التطور المادي المرئي في مجال تشييد البيوت والعمارات والمباني الحكومية وغير الحكومية إلا أن القيادة السياسية كانت حريصة أن تحافظ على الصورة المعمارية والهوية الإسلامية التي اشتهرت بها السلطنة المستمدة من بناء القلاع والحصون، وهذا لا يوجد في أي دولة عربية باستثناء المباني في اليمن.

وقس على ذلك في المجالات الأخرى، ولو أخذنا مثالا آخر في مجال التعليم، فقد استحدثت السلطنة كل الوسائل التعليمية الحديثة، سواء أكان في مجال البناء وطرق التعليم والسبورة الذكية والأجهزة المتقدمة، إلا أن محتوى المناهج والمقررات يركز على أبعاد الهوية العمانية من حيث العادات والتقاليد وضرورة الاحتفاظ بالزي العماني المميز الذي تستطيع أن تعرف به المواطن العماني وهو خارج السلطنة أو في أي مكان في مطارات العالم.

لا جرم أن نقف وقفة إكبار وتحية وإجلال لقائد المسيرة المظفرة، هذا البطل الذي قاد سفينة بلاده في عصر تميز بالانقلابات والأعاصير القاتلة والزلازل المدمرة، والبحار الهائجة واستطاع هذا الربان الماهر أن يتقي كل هذه الويلات التي تعصف بعالمنا العربي ونحن جميعا نشاهد بقلوب دامية وعيون باكية ما تعيشه دولنا العربية من مآسي حقيقية ودمار ساحق وعواصف عاتية في حين أن الله مّن على السلطنة بالأمن والأمان والإيمان والاستقرار والوحدة العضوية بين أفراد الشعب قاطبة.

يطول بنا المقام إذا استرسلنا في استعراض كشف الحساب المفعم بالإنجازات والبطولات في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والطفرة التنموية وارتفاع مستوى المعيشة ، وفي مجال التعليم والصناعة والزراعة. وكما يقول العربي: «يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق».

نهنئ الشعب العماني بعيده المجيد وندعو لقائد البلاد المفدى بالصحة والعافية وبطول العمر تحدوه العناية الإلهية وبركاتها النازلة من السماء وحب شعبه له والتفافه حوله بكل حب وتقدير، واحترام العالم قاطبة لهذه السياسية الحكيمة، حفظه الله وسدد خطاه ومزيد من الرقي والنهضة والتقدم وكل عام وأنتم بألف خير وسلام لنا ولشعوبنا العربية والإسلامية.