أفكار وآراء

حرب التجارة .. إلى أين؟

25 يوليو 2018
25 يوليو 2018

عبد العزيز محمود -

رغم أن حرب التجارة لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يهدد بتصعيدها على الجبهة الصينية، عبر توسيع تعريفاته الجمركية لتشمل كل واردات بلاده السلعية من الصين والتي تتجاوز قيمتها ٥٠٥ مليارات دولار.

كما يهدد بتخفيض قيمة الدولار لتعزيز الصادرات الأمريكية، مما يعني أن حرب التجارة سوف تواكبها حرب عملات، لمعالجة الخلل الهائل في الميزان التجاري الأمريكي مع الصين، والذي بلغ ٣٧٦ مليار دولار في عام ٢٠١٧ لصالح الصين، وإجبارها على القبول بشروطه في التجارة والسياسة أيضا.

وبينما تتهم واشنطن بكين بالقيام بممارسات تجارية غير عادلة، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، والإضرار بالاقتصاد الأمريكي، حسب رؤية الإدارة الأمريكية ، إلا أن هناك أبعادا أخرى، فالنزاع بين البلدين يتجاوز الخلاف حول التجارة وقواعدها، إلى صراع حول السياسة والنفوذ العالمي في أكثر من منطقة في العالم.

فالولايات المتحدة تحاول وقف محاولات الصين لتوسيع نفوذها عالميا، عبر التعاون الدولي القائم على التنمية والمصالح المتبادلة، والتصدي لأنشطتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي، وإجبارها على الضغط على كوريا الشمالية لنزع سلاحها النووي.

كما تسعى لإبطاء سياسة (صنع في الصين- ٢٠٢٥) التي يتبناها الرئيس الصيني شي جين بينج، من أجل أن تصبح الصين دولة رائدة عالميا على الصعيد التكنولوجي، وخاصة في مجالات الفضاء والتكنولوجيا الحيوية والروبوتات والذكاء الاصطناعي.

وليس سرا أن هناك مخاوف أمريكية من أن تترجم الصين تقدمها الاقتصادي إلى تفوق عسكري، يهدد الهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم، فالناتج المحلي الإجمالي للصين سوف يصبح في حدود ٦٩٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة خلال العام المقبل، ومن المنتظر أن يصل إلى ٨٨٪ منه خلال السنوات الخمس المقبلة.

وهذا ما دفع الرئيس ترامب لإعلان الحرب التجارية على الصين في يناير الماضي، بفرض تعريفة جمركية قيمتها ٣٠٪ على واردات بلاده من ألواح الطاقة الشمسية والغسالات الصينية، وفي مارس فرض رسوما جمركية على واردات صينية قيمتها ٥٠ مليار دولار، وفي أبريل فرض رسوما على الصلب الصيني، وفي يونيو فرض رسوما على واردات صينية أخرى قيمتها ٢٠٠ مليار دولار.

وجاء الرد الصيني سريعا بفرض رسوم جمركية مماثلة على سلع أمريكية، وسط توتر حاد في العلاقات بين البلدين، واتهامات صينية لواشنطن بفرض رسوم جمركية أحادية الجانب، بشكل يتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية، والتي نجحت خلال الفترة من ١٩٤٧ إلى ٢٠٠٠ في تحقيق خفض متبادل للرسوم الجمركية بين أمريكا وأوروبا واليابان من ٢٢٪ إلى ٣٪ فقط.

ورغم المحادثات الجارية بين البلدين لتقريب وجهات النظر، إلا أن واشنطن تتمسك بموقفها استنادا إلى ثغرة في قواعد منظمة التجارة تسمح للدول الأعضاء بفرض رسوم جمركية في أوقات الطوارئ، على وارداتها من الدول الأخرى ، في حالة تهديد تلك الواردات لأمنها القومي.

كما تسند إلى المادة ٣٠١ من قانون التجارة الأمريكي لسنة ١٩٧٤ والتي تعطي الرئيس الحق في اتخاذ كافة الإجراءات لإزالة أي فعل أو سياسة أو ممارسة لحكومة أجنبية تمارس ما يعد تمييزا، أو يشكل أعباء على التجارة مع الولايات المتحدة.

وأيا كانت المبررات فقد فرض الرئيس ترامب رسوما جمركية في يونيو الماضي بنسبة ٢٥٪ على واردات بلاده من الصلب و١٠٪ على الألومنيوم القادمة من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وتعامل مع هذه الدول الحليفة بنفس طريقة تعامله من الصين، معتبرا ممارساتها التجارية تهديدا للأمن القومي الأمريكي.

وفي تطور لاحق هدد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى ٢٥٪ على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوربي وكندا والمكسيك، في رسالة إلى كل شركاء بلاده التجاريين، مفادها أنه لن يتهاون مع أي ممارسات تجارية يعتبرها غير عادلة.

ولعل هذا ما دفع جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية للقاء الرئيس ترامب في واشنطن الأسبوع المقبل، حاملا عرضا أوروبيا بمنح امتيازات تجارية للولايات المتحدة مقابل إعفاء الاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية على المعادن، أسوة بكوريا الجنوبية وأستراليا والبرازيل والأرجنتين.

وأيا كان الموقف الأمريكي من هذا العرض، فمن الواضح أن حرب ترامب التجارية لم تستهدف إلا جانبا محدودا من إجمالي التجارة مع الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وأنها تستهدف الصين بالدرجة الأولى.

لكن شركاء واشنطن التجاريين يشعرون رغم ذلك بالتهديد، وهذا ما دفعهم للتحرك من أجل توسيع التجارة الحرة فيما بينهم، ففي طوكيو وقع الاتحاد الأوروبي واليابان اتفاقا لإنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم تغطي ٣٠٪ من الإنتاج العالمي و٤٠٪ من التجارة العالمية.

وفي بانكوك استأنف مفاوضو ١٦ دولة من بينها الصين واليابان وأستراليا والهند محادثات حول شراكة تجارية اقتصادية شاملة، تستهدف خفض الحواجز التجارية، ووضع قواعد جديدة للتجارة بدون مشاركة الولايات المتحدة.

وفي 16 يوليو الجاري بدأت مجموعة عمل أوروبية-صينية محادثات لإصلاح النظام التجاري متعدد الأطراف، ووضع قواعد جديدة لمنظمة التجارة العالمية.

ومن الواضح أن الجميع يدركون النتائج المتوقعة للحرب التجارية، والتي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بنحو 0.5% خلال عام ٢٠٢٠، وهو ما يعني خسائر قدرها ٣٢٤ مليار دولار، فضلا عن خسائر في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تقدر بنحو ٤٣٠ مليار دولار، وتراجع نمو اقتصاديات منطقة اليورو بنسبة ٢.٢٪ بدلا من ٢.٤٪ خلال العام الحالي.

وعلى الجانب الآخر تشير توقعات الصندوق إلى أن الاقتصاد الأمريكي نفسه سوف يعاني مع تراجع الصادرات الزراعية الأمريكية، وارتفاع أسعار السلع المصنعة من الصلب، وفقدان ٣٠٠ ألف فرصة عمل، وتباطؤ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

لكن الرئيس ترامب يعتقد أن المكاسب المتوقعة من الحرب التجارية سوف تفوق الأضرار الجانبية، وهكذا قرر التصعيد ضد الصين، ويبقى السؤال مطروحا إلى أين تتجه الحرب التجارية؟